إيلاف+

دار الأوبرا في لندن بين سوق الخضار والفواكه

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

دار الأوبرا في لندن بين سوق الخضار والفواكه

صلاح حسن من لندن: أول من اقترح فكرة إنشاء مسرح درامي ملكي هو جون رتش، ممثل ومدير شركة الدوق في مسرح (لنكولن ان فيلد) عام 1728 وذلك بعد ان حصلت الشركة على حق تقديم أوبرا الشحاذ. نجاح هذا المشروع وفر لرتش المال لبناء المسرح الملكي الذي أصبح دار الأوبرا الملكي الأشهر في بريطانيا وارويا فيما بعد حيث أنيط تصميم المسرح في شكله الأولي إلى ادوارد شبرد ( Edward Shepherd) ونفذ التصميم في حديقة احد الأديرة القديمة الذي يعود تاريخه لعام 1630. لقد أنشئ بجانب سوق للخضار والفواكه في المنطقة والسوق قد بقي في الموقع نفسه منذ ذلك الحين حتى منتصف السبعينات من القرن العشرين.
افتتح (المسرح الملكي) في 7 كانون الأول من العام 1732 وقد حمل الممثلون رتش على الأكتاف حتى أوصلوه الى مبنى دار الأوبرا الملكية وهم يرددون أغنية ( الطريق إلى العالم Way to the World) عرفاناً له واحتفالاُ بهذا الانجاز الفني العظيم.

ومنذ ذلك الحين استمر المسرح الملكي بالعروض الدرامية الموسمية لخيرة الأعمال والمسرحيات الكبرى.

عندما منح تشارلز الثاني مؤسسة (كوفنت كاردن ومعناها حديقة الدير) والمسرح الملكي ومؤسسة (دروري لين) الحقوق الحصرية لتقديم الدراما في لندن، أشعل المنافسة الشديدة بين هاتين المؤسستين الكبريين آنذاك. لذا أصبحا يعرضان أعمالا درامية في وقت واحد ليجلب كلاً منهما جمهورا أكثر ليجرد الأخر من جمهوره. و لكن مؤسسة ( كوفنت جاردن) كانت كثيرا ما تجذب جمهور الأغنياء للعروض التمثيلية الصامتة، و قد استمر تقليد تقديم العروض الموسمية التمثيلية الصامتة في المسرح الحديث حتى 1739.

في العام 1719 عين المؤلف الموسيقي الكبير جورج فريدريك هاندل مديرا موسيقيا لشركة (كوفنت كاردن والمسرح الملكي) لكن لم يعرض ولم يقدم أيا من أعماله حتى عام 1735 الذي شهد عرض الموسم الأولي لهاندل في المسرح الملكي (سمي دار الأوبرا الملكية لاحقاً الرويال أوبرا هاوس). وعرض هاندل أوبرا (القس آيل) ثم تلتها (fido ariodante) كما قدمت أول باليه عام 1734، (بجماليون Pygmalion). ثم (ماري سيل Marie salleacute;) وهي الفنانة التي كسرت التقاليد ورقصت بملابس باليه شفافة مما أثار سخط المجتمع البريطاني وخصوصا تيار المحافظين منهم. وبعدها في عام 1736 كانت أوبرا السينا (alcina ). ومن ثم وفي 1743 قدمت أوبرا (أداء المسيح ) التي لاقت نجاحا كبيرا.

بقي هاندل حتى وفاته في 1759 يقدم أعماله في كل المواسم الموسيقية بشكل منتظم، وقد كتب العديد من الأوبرات والألحان الدينية خصيصاً للمسرح الملكي في لندن. وقد ورث جون رتش آلة الاورغن الخاصة بهاندل وقد وضعها في مكان بارز في المسرح الذي شهد أهم أعمال هذا المؤلف العظيم. وكان الاروغن من بين الأشياء العديدة و الثمينة التي فُقدت في حريق عام 1808 الذي دمر المسرح الملكي، حيث أثار الحريق ضجة في العالم لما فقده المسرح من أشياء ثمينة.

في كانون الأول 1808 أعيد بناء الدار وافتتحت مجددا و بدأ المسرح الملكي في تقديم العروض ولكن لم تعرض أعمال موسيقية بعد، وكان المسرح الجديد او المسرح الذي رمم قد صممه روبرت سمياك. وكان عرض الافتتاح في 18 أيلول 1809 بمسرحية ماكبث لوليم شكسبير تلتها موسيقى ترفيهية بعنوان (دعاء الكويكرز). - وقتها اضطر مدير التمثيل جون فيليب الى رفع أسعار البطاقات للمساعدة في استرداد بعض تكاليف إعادة البناء مما خفض عدد زوار الدار لصالح شركات أخرى. لكن هذه الخطوة غير الشعبية دفعت الجماهير للتظاهر والاحتجاج بالصياح والرقص أمام الدار مطالبين بإعادة الأسعار الى وضعها الطبيعي الى حد إن أعمال الشغب الظريفة هذه استمرت أكثر من شهرين، مما دفع الإدارة في النهاية الى تلبية مطالب الجمهور.

بعد ذلك استمرت العروض وكان أهم الأحداث عرض مسرحية عطيل رائعة شكسبير لأول مرة على المسرح الملكي في عام 1833 و خلال العرض انهار الممثل ادموند كين الذي لعب دور عطيل على خشبة المسرح، وتوفي بعد ذلك بشهرين. وفي 5 آذار / مارس 1856 شبت النيران في مسرح دار الأوبرا الملكية مرة أخرى مما دعا الى العمل على بناء مسرح ثالث صممه ادوارد مدلتون هذه المرة، وانتهى بناء المبنى الجديد عام 1857 وافتتح في 15 ايار، 1858 مع المسرحية الدرامية MEYERBEER.

في منتصف القرن التاسع عشر تم إنشاء مؤسسة أخرى هي (دار الأوبرا الانجليزية) وكان يديرها وليام هاريسون، ورغم إن افتتاح الدار الجديدة اضعف الشركات الفنية الأخرى لكنه جعل المنافسة تشتد وساهم في تحسين أداء دار الأوبرا الملكية في كوفنت جاردن.

في1892 أصبح المسرح الملكي يسمى دار الأوبرا الملكي (ROH) و اخذ اسمه الرسمي الجديد هذا و صار صيته يذاع بين الجمهور و المؤسسات في بريطانيا وأوربا وأعطيت الأهمية لعروض الأوبرات الفرنسية والألمانية إضافة للانجليزية و تركزت العروض في فصلي الشتاء والصيف كما أعطيت أهمية اكبر للباليه. كان المبنى يستخدم أيضا للتمثيل الصامت وكان ملتقى للروائيين و الكتاب و تقام فيه المحضرات الثقافية والاجتماعات السياسية.

خلال الحرب العالمية الأولى قدمت وزارة الأشغال طلبا في محاولة لاستخدام دار الأوبرا كمستودع لكن رفض الطلب و استمرت بعض العروض الانجليزية فقط. وخلال الحرب العالمية الثانية أصبحت دار الأوبرا الملكية صالة رقص. وكان هناك احتمال ان تظل كذلك بعد الحرب، لكن وبعد مفاوضات مطولة، أدارها مديرا الإنتاج الموسيقي (بوسي و هاوكس) للحصول على رخصة بإيجار للمبنى و بالنهاية نجحوا في ذلك وأعيد فتح دار الأوبرا الملكي في 20 شباط 1946

طرأت عدة تجديدات على أجزاء من الدار في الستينات، بما في ذلك إدخال تحسينات على المدرج ومده الى مساحة أعمق وكان من الواضح ان هناك حاجة الى إجراء إصلاح جذري. ففي عام 1975 منحت الحكومة العمالية الأراضي المحاذية لدار الأوبرا الملكية من اجل التوسع في التحديث. وبحلول عام 1995 وفرت الحكومة البريطانية ما يكفي من الأموال لتمكين الشركة من الشروع في إعادة البناء الرئيسي برئاسة السير انجس ستيرلنغ. وشمل ذلك هدم عدد من المباني المجاورة بأكملها لإفساح المجال لإجراء زيادة كبيرة فى حجم المسرح وإنشاء أربعة مسارح أخرى و بناء ملحقات.اما القاعة القديمة الرئيسية فقد ظلت كما هي لتكون أكثر من نصف المجمع الجديد. المبنى الجديد له نفس الشكل التقليدي على شكل حدوة حصان كما كان الحال من قبل، ولكن مع تحسن كبير في التقنية الحديثة. وهنالك شاشة فوق مقدمة المسرح تستخدم لجميع عروض الأوبرا حيث يوفر النظام الالكتروني نص كلمات الأوبرا وترجماتها على شاشات فيديو صغيرة لبعض المقاعد وهنالك شاشات إضافية كبيرة تستخدم أيضا للغرض نفسه. مازال دار الأوبرا الملكية يعرض أهم الأعمال العالمية والروائع في فن الموسيقى الكلاسيكية والأوبرا و الباليه. حيث يعرض الآن رائعة تشايكوفسكي (كسارة البندق ) و قبلها كان قد عرض العمل الشهير ( بحيرة البجع) وافتتاحياته السيمفونية، "مانفرد" و"روميو وجوليت" و"هاملت" و"فرلاانشكا داريمني". ويشهد دار الأوبرا الملكي هذه الأيام موسم المؤلف الروسي بيتر إليتش تشايكوفسكي الذي يعد رائد تطور الموسيقى الروسية الحديثة غير إن التذاكر محجوزة للأشهر الستة الأولى كما هو حال كل عرض يقدم في هذا المكان.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف