إيلاف+

أصغر دكان بالعالم.. في بغداد

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

عبد الجبار العتابي من بغداد:انه اصغر دكان في العالم، واقول.. دكان لأنه يحمل مواصفات الدكاكين المعروفة، واقول.. اصغر لانني لا اعتقد ان دكانا في العالم بقاراته الخمس يقوم على مساحة اصغر من التي يقوم عليها، لاسيما انه يقع في شارع تجاري مهم ورئيس مثل شارع الرشيد الذي يعد من ابرز الشوارع في مدينة بغداد، لكنه دكان لا يختلف عن أي دكان الا بمساحته التي اعطته صفة التميز والغرابة، والغريب ايضا انه على الاغلب من الناس لم يلفت الانتباه اليه لانه يقع ضمن صف طويل من الدكاكين المتشابهة تقريبا في تصميمها وواجهاتها، ولان الرصيف صغير فقد يكون الانتباه اليه نادرا الا في حالة التوقف ازاءه وتأمله، وقد سألت الكثيرين فيما بعد عنه ولم اجد احدا قد انتبه اليه على الرغم من مرورهم الدائم بالشارع او سمع عنه.

الدكان طوله متر ونصف المتر وعرضه ثلاثون سنتمترا، يقع في شارع الرشيد في بغداد، في الجزء ما بين منطقة (حافظ القاضي) والسوق العربية، لكنه في المكان الاقرب الى حافظ القاضي، وبالتحديد قبالة تمثال الزعيم عبد الكريم قاسم رئيس الوزراء العراقي الاسبق، وهذه المنطقة معروفة باكتظاظها على الدوام لان فيها اسواقا مختلفة ومنها سوق الشورجة الشهير، ومعرفتي به كانت محض مصادفة، وقد اثارني اولا جلوس صاحبه خارجه على عكس الدكاكين الاخرى، ومنه حانت مني التفاتة الى عمق الدكان فصدمني، حيث لم يكن هنالك عمق!!، بل مجرد عدد من الرفوف البارزة، تكاد تخرج الى فضاء الشارع، اربعة رفوف عتيقة تمتد على ارتفاعه، تقف عليها بضاعة من الملابس الداخلية الرجالية والجواريب والسكائر، وبعد ان تمعنت فيه ادهشني حقا ورجعت بذاكرتي الى تأسيس الشارع وقلت انه من المؤكد عمر الدكان من عمر الشارع، واردت ان اعرف ما الذي وراء الحائط الذي تقف عليه هذه الرفوف وكيف شيد الدكان على هذا الشكل على غير الدكاكين التي على جانبيه، لاسيما انه يشكل خطا واحد مع البناء في الشارع، وبصراحة الناظر اليه يشعر بالحيرة، خاصة ان هنالك غرفة في اعلاه وشرفة، مثل كل المباني في شارع الرشيد، ولا يمكن للرائي ان يتوقع ان هذه هي حدود الدكان.

إيلاف التقت صاحبه (مزعل عذاب / ابو جمعة) من مواليد عام (1925) وتحدثت معه عن دكانه، ضحك من انتباهي كون دكانه هو الاصغر في العالم وقال بلهجة عامية ساخرة : (انه رف ومدكوك على الحايط)، ثم اضاف بعد ان وجدني جادا في ما اتحدث عنه : ان احدا لم ينتبه الى هذا او يسمع هذا بل ان لم يستوقفه شكل الدكان، نظر الى دكانه وقال : ربما هو الاصغر صحيح، ولكن ما الفائدة؟، او ماذا يعني؟!!، أسقط في يدي ولكنني استدركت ان هذا الشكل للدكان من الغرائب ولا بد ان يكون مثيرا للدهشة، ومن ثم رحت اسأله عنه، فقال : استأجرت الدكان عام 1977، ويعود الى بيت العسافي اصحاب الملك الذي فيه الدكان، وكنت ابيع فيه الملابس الداخلية الرجالية وما زلت على البضاعة نفسها، لم اغيرها طوال هذه السنين، كان ايجاره بخمسة دنانير فقط ثم صار عشرة دنانير والان (35) الف دينار منذ سنتين، والحمد لله ان ما احصل عليه من ربح يعينني على الحياة، وقد تعرض الدكان الى السرقة مرتين عامي 1977 و1978، ولم يبق السارق أي شيء فيه !!، هذا المكان عشت فيه اكثر ايام حياتي وتعودت ان اجيء اليه كل صباح ولا يمكن ان اجيء اليه، حياتي كلها فيه، وسيكون هو (مقبرتي وحل موتي هنا )، انا لا يعجبني شارع مثل شارع الرشيد.

وسألته عما خلف الدكان فقال انه محل لبيع الاجهزة الكهربائية، لكنه لاعلاقة له بالدكان، واوضح لي حول مساحة الدكان الغريبة قائلا : ان مساحة الارض المملوكة لصاحب الملك هكذا من هنا ضيقة ثم تتسع، ولا اعرف كيف ذلك، والظاهر هي منذ ان بني شارع الرشيد وهي هكذا.

ابو جمعة مازال يتحدث بالدينار والدرهم والفلس، فهو لا يقول ان سعر القطعة من الملابس بألف دينار (الحالية) بل يقول ان سعرها دينار فقط، وحين يطلب منه المشتري ان يقلل من السعر قليلا يقول انه لن يربح الا درهما او درهمين، او يشير الى الخمسين فلسا او المئة فلس، ويعلق ان الالف دينار حاليا يساوي الدينار الواحد سابقا.

ابو جمعة تحدث لي عن نفسه وقال انه خريج فقه عام 1948 وعمل في تدريس القرآن في الكتاتيب قبل ان يتحول الى بائع متجول في الخمسينات بعد ان غابت الكتاتيب ولم يسمح له بالتعيين في اي دائرة حكومية بسبب انتمائه السياسي كونه شيوعيا وتعرض للاعتقال مرات عديدة منذ الخمسينات وصاعدا والاكثر كانت خلال الستينات، سألته وقد شرح لي معاناته بسبب الاعتقالات عن وجوده الدائم امام تمثال الزعيم عبد الكريم قاسم فقال : انا من ازاح الستار عن تمثاله، حين اجلس في هذا المكان طالما اعاتب الزعيم على كلمته (عفا الله عما سلف) التي اوصلتنا الى هذا الحال السيئ، فلو انه اعدم الذين ضربوه في شارع الرشيد لما حدثت كل هذه المصائب، لما اعتقل ومات الكثير من الشيوعيين والمشتبه بهم بسبب بيان رقم (13) الصادر في 15/7/1963 الذي قضى بابادة الشيوعيين !!.

ابو جمعة.. الذي يحمل على عاتقه (83) عاما لا يهمه الا ان يعيش باقي ايامه في شارع الرشيد، وصار ابنه يعمل معه في الدكان ذاته ليواصل مسيرة والده.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
دكان اخر اصغر
حيدر التميمي -

هنالك دكان اخر اصغر من هذا الدكان يقع قريبا منه في ساحة سينما الفردوس في منطقة الصدرية يمكنك الذهاب اليه ومشاهدته هنالك اعتقد انه اصغر من هذا الدكان .

محل موتي
K -

جميلة دائما مقالاتك يا عتابي، بسيطة ومؤثرة.

تحية عراقية
ابو بازوف -

العراقي صابر وكما قال لو لم يعفي القاسم عن الصداميين لكنا اليوم بغير حال فمنذ ذلك الوقت وبداء انهيار العراق تنمنياتي للسيد صاحب المحل العمر المديد ونتمنى الحياة السعيدة لكافة العراقين والمجد للعراق

جميل
علي الساعدي -

جميل يا عتابي! الطريف ان ابو جمعة تخرج من كلية الفقه وعمل بتدريس القرأن وهو الشيوعي.

ماذا حل بشارع الرشيد
نور -

على يد حكومة ......اصبحت الاوساخ والازبال ومكانات تصليح السيارات تملا شارع الرشيد .كان الشارع بهجة الدنيا .انظر ما حل به الان.

الى نور
Abu Ari -

كلها نتيجة حروب عنتر صدام،قارن بغداد مع دبي.

تحيات لمن لم يحصد
جبار ياسين -

الف تحية لابو جمعة ابن عذاب والف اخرى لابو يحيى في الوزيرية صاحب افقر دكان في العالم لايبيع غير الطيبة وحب الحياة، والف تحية اخرى لابو خليل في البياع صاحب اصغر سوبرماكت في العالم ، حيث ستة امتار مربعة تحوي العالم من ابرة الخياطة حتى الخبز والعنبة وحبوب الكنين و ورد لسان الثور الى مظلة شارلوك هولمز ومفاتيح الجنان .

ليس الأصغر
youssef -

هناك العديد من هذا النوع من الدكاكين بالمغرب ياأخي, بل وأصغر منه

والله زمان يابو جمعه
محمد-----السويد -

اشكرك جدا على اهتمامك بهذه الشخصيه العراقيه ابو جمعه فهو من اقدم الاشخاص الموجدين بهذا الشارع وقد فرحت كثيرا لانني وجدته حيا لانني ومن عام 1995 لم التقه وانني كنت اشتري منه وكان يدهشني لانني كنت اجده انسان مثقف وكان يمتلك صوتا مميزا وعبارات خاصه يطلقها بصوته الجهوري وكان والدي المرحوم يناقشه دائما وكان يقول هذا من الشوعين الشرفاء واخيرا اتمنى له العمر الطويل وشكرا للكاتب العتابي ------ محمد السويد

شكرا
سلمان رومي -

اشكر الكاتب على المقال الذي اعاد بعض من ذكرياتي الجميلة في بغداد العزيزه وانا اعيش في غربتي لانني اتذكر جيدا هذا الدكان وصاحبه .. رمضان كريم وعيد سعيد لاهل العراق والامه الاسلاميه...سلمان من كندا

83
Sandy -

انه اصغر دكان واعتقد هو اكبر عامل بالعالم ايضا، وهذا هو اهمية الخبر انه مثل الى كل الناس والشباب خاصة. وكما قال ان هذا المحل هو حياته وتعود عليه وهذا المحل يعطيه الاستمرار والصحة في الحياة.

اكيد من بغداد
بغدادي -

اخي الكاتب اكيد انتة من بغداد ، مشايف بعض محلات او دكاكين عمارة القادسية الى بالشورجة او محلات الصدرية يطلع هذا المحل مول بالنسبة الهم... اكلك شغلة روح لشارع الامين الى خلف تمثال الرصافي اكو هناك فرع يؤدي الى سوق قنبر علي اول مطب عليمنة اكو محل روح شوفة اذا باقي (محل جايجي) ومعلق صور مال فنانة هو معجب بيهة المحل مع الكبنك ربع متر .. وشكرا

اين الازبال؟
محمد مصطفى -

الى المعلقة نور رقم 5: الشارع نظيف ويلمع كما ظاهر في الصورة ولا ادري كيف التقطت عينك الكريمة ..الازبال والا,ساخ التي تتحدثين عنها في تعليقك؟

الله يساعدهم
youser -

الله يساعدكم يا العراقيين تعبتوا وضحيتوا وانتوا نايميين على كل الخيرات في العالم ....بس الله كريم ما يبقى الوضع مثل الان ان شاء الله يتغير وترجع بغداد مدينه الخير والسلام

جائز لناس و ناس
ameenii -

سبحان الله على الغرابة في هذه الدنيا ... الرجل و غيره ... اجازوا لعبد الركيم قاسم (اصبح الان زعيما) قتل من حاولوا اغتياله ... و يستنكرون لما لم يعدمهم ... و انفسهم استنكورا على صدام اعدام من حاول اغتياله و كانوا اول من طالب باعدامه على ما اعتبروها جريمة .سبحان الله في يوم و ليلة القائد الزاهر تحول الى شتيمة .. و من كنتم تشتمون اصبح زعيما !!! و نسأل لماذا نحن خلف العالم !!! لاننا ننافق انفسنا !!

نعم عفا الله عما سلف
عنتــــــر المصرى -

عبد الكريم قاسم هو اول من دمر العراق وما عارف والبكر وصدام الا امثاله بس بطريقه مختلفه شيوعى وبعثى ما الفرق ال2 لا هم لهم الا الخراب والدمار باسم الديمقراطيه

هموم العراقيين
حيدر البصراوي -

الله يكون بعون العراقيين هاهم العراقيين وهاهي معاناتهم الم يحن الوقت لرحمة مثل هولاء الشريحة من المجتمع وهم الشيخوخة

مثل عراقي
عراقية -

حب واحجي وكره واحجي .مثل عراقي رائع يعني الكثير. لكن مع الاسف انه يصف الغير منصفين وهذا حال الكثير منا