خصوصيات شهر رمضان في نفوس أطفال اليمن
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
خصوصيات شهر رمضان في نفوس أطفال اليمن
محمد السياغي من صنعاء: في شهر رمضان المبارك بأيامه ولياليه المفعمة بالذكر والروحانية، وطقوسه المشبعة بمعاني الصبر والتحدي والإصرار، تبقى له نكهته ومذاقه وطعمه الخاص عند الأطفال في اليمن، تختلف عنها بالنسبة للكبار.
من أبرز ملامح خصوصية شهر رمضان بالنسبة للأطفال، ما يبدأ بالأجواء والاستعدادات والطقوس الخاصة التي يمارسونها استقبالا لشهر رمضان،وهي إلى جانب الاستعدادات الروحية والنفسية والذهنية التي تتعاظم في نفوسهم،تحفر لنفسها في الوجدان والذاكرة نكهة وذكريات خاصة يصعب طمسها.
وتبدأ التهيئة النفسية للأجواء الرمضانية لدى الأطفال في رسم ملامحها ومعالمها الخاصة بمخيلة وذهن الطفل منذ فترة مبكرة تسبق قدوم رمضان بعده أيام، وبمجرد أن يتناهى إلى مسامعه قرب حلول الشهر الكريم من أحاديث الكبار عن الشهر بما تحمله من خصوصية وتشويق وإثارة، وهي تدفع الطفل بحدود تفكيره المحدود وببراءة الطفولة إلى رسم صورة جميلة للشهر الفضيل في مخيلة الطفل ونفسته لها نكهتها في عالمه الخاص.
جماليات رمضان عند الأطفال
ومن واقع الاستعدادات التي عادة ما تجرى لشهر رمضان على المستوى الاجتماعي أو المحيط الأسري والعائلي، فأن هذه الصورة الجمالية التي تكونت لشهر رمضان في نفوس الأطفال تزداد وضوحا جمالا بمشاركتهم وإشراكهم في مختلف تفاصيلها، ويبرز منها مراسم الترحيب والتكبير لرمضان، بداية من استقبال هلال رمضان على وقع الدق على الدفوف وزفة الهلال على نحو :هل هلالك يارمضان شهر مبارك .. أهلا رمضان، ويا رمضان يا بو الحما حم أدي لأبي دغشه دراهم).
لكن الملاحظ حسب واقع الحال أن مثل هذه المظاهر بدأت تختفي وتتلاشى بمرور الزمن، وبات الكثير يفتقدها في الإحياء وخاصة إحياء مدينة صنعاء القديمة،وكذا الزينات الرمضانية التي يتسابق الأطفال على المشاركة في صنعها، ويتنافسون فيما بينهم على أن يكون شارعهم يضم أفضل الزينات وأجمل الفوانيس والأضواء والإنارة التي يصنعها الأطفال من الخشب والجلد الملون ويمارسون على أضواءها الكثير من الألعاب الشعبية بصورة جماعية حتى ساعات متأخرة من الليل قبل أن تبدأ في التلاشي والاختفاء.
وارتبطت الصورة الجميلة لرمضان في نفوس الأطفال بخروجهم في ليالي رمضان لممارستهم بعض الألعاب الشعبية والأغاني الرمضانية تعبيرا عن فرحتهم بقدوم الشهر الكريم ومن أشهرها ما دونته الباحثة أروى عبده عثمان رئيس بيت الموروث الشعبي اليمني في بحث هو الأول من نوعه لاحتفالية الأطفال بهذه المناسبة الرمضانية والتي تقول:
يا رمضان يا بو "الحماحم" أدي لنا "دغشة" دراهم
يا رمضان صوفي صوفي حول لي بمصـروفي
الصائم صائم لربه والفاطر فطروا قلبه
وحسب الباحثة فأن تراث اليمن ريفاً وحضراً، يزخر بصور وملامح لأشكال شعبية ترسمها مجموعة الأفكار من المعتقدات والقيم والأعراف، التي مازالت عنواناً ساطعاً يطبع الشخصية اليمنية، والفرادة والتميز ملمحان هامان في هوية وذاكرة اليمن.
ولعل التمايز المناخي والتنوع التضاريسي والذي بدوره- حسب الباحثة عثمان- أدى إلى التعدد والتمايز في الأشكال التعبيرية الثقافية والفلكلورية، أكانت في الشكل الفني أم في المضمون.
وتعد مناسبة حلول شهر رمضان مناسبة عظيمة تحمل الطابع الروحاني في قلب كل مسلم، وتختزن الذاكرة الشعبية الكثير من الطقوس والتقاليد الشعبية التي قد تختلف، وقد تتشابه من بلد إلى بلد آخر. لكن هذا التباين لا يلغي حسب الباحثة أن للمناسبة قداستها في وجدان الكبار، وبالإكبار نفسه تحتل هذه القداسة عند الصغار.
غير أن قداستها ومساحة عظمتها وإجلالها أكبر عند الأطفال أكثر مما هي عند الكبار، حسب الباحثة، ففرحهم واستبشارهم بحلول هذه المناسبة عن بقيتها من المناسبات لكونها: تأتي لكسر حدة الرتابة في نمط الحياة المتواتر الذي يمله الأطفال أكثر من غيرهم، وحاملة معها روح التغيير والتجديد في طرق وأساليب المعيشة (الأكل، الشرب، العمل، النوم... وكثير من الطقوس والتقاليد الخاصة به).
ومن واقع تقصي الباحثة في بحثها الأول من نوعه- لهذا الاحتفاء الخاصة بمناسبة رمضان في العديد من مناطق اليمن، تشير إلى أنها وجدت أن الثراء بهذه المناسبة، إيقاعاً وحركة، غناءً وحكياً وألعاباً شعبية، ومسامرات شقية،كانت من إنتاج الأطفال بامتياز.
وتعود الباحثة بالذاكرة الشعبية إلى الوراء" عندما كنا صغاراً،كيف كنا نتذوق رمضان بنكهة مميزة، وكيف كنا نستقبله بالأغاني والأهازيج المصحوبة بالألعاب والرقصات الشعبية، مثل "التماسي" و"التناصير".
وتنتقي بعض من التقاليد التي يمارسها أطفال اليمن للاحتفاء بشهر رمضان. مشيرة في هدا الصدد إلى ما يعرف بـيوم "الشواعة":، وهو( تقليد يمارسه أطفال محافظة "إب" ويكون قبل رمضان بيوم). حيث تقوم أسر الأطفال بتجهيز المادة الغذائية المعدة لهذه المناسبة، فتعد الأمهات الكعك اللذيذ المصنوع من دقيق القمح البلدي،السمن والبيض البلدي، ويأخذ كل طفل كعكه ساخناً في أطباق مصنوعة من "فتر" (الخوص) ذات حواف "مشرنفة" ومنقوشة بألوان زاهية،ثم يخرجون جماعات إلى بيوت الجيران، وأماكن تجمع العامة، والحقول، رافعين أطباقهم عالياً وسط تهاليل الفرح، وترديد الأهازيج، فينشدون قائلين:
شواعتي بيدي يا رمضان
والقرص من سيدي يا رمضان
ما عد على أمي شي يا رمضان
وتوضح عثمان أن البيت الأخير (ما عد على أمي شي) المقصود به أن الأم قد قضت ما عليها من دين في الأيام التي أفطرتها بعذر شرعي.
وتتساءل هل هذه الأغاني إبداع صرف من قبل الأطفال؟ أم ابتدعها الكبار (الأمهات) ورددها الصغار كأغان جاهزة، ومع تغير الظروف الاجتماعية والثقافية حالت للأطفال؟ أم أنها إبداع مشترك؟
وفي إجابتها على التساؤل ترى عثمان أن هذه الأغنية، والأغاني الأخرى التي تحمل الجوهر نفسه ليست من الإبداع الصرف. فمن أين للأطفال أن يعرفوا " ما عد على أمي شي" في ظروف العزلة الاجتماعية والثقافية لبلادنا قبل عشرات السنيين من القرن المنصرم؟!
وتبين أن مراسم "الشواعة" تبدأ، قبل رمضان بيوم، وبالتحديد قبل تناول الغداء، يبدأ الأطفال احتفالاتهم والتي تستمر حتى منتصف الليل، حيث يقوم الأطفال وأسرهم بزيارة الأهل والأقارب، محملين بالكعك والهدايا الكثيرة.
وتعود لتدلل على ما ذكرته بشأن التعدد والتغير في بعض جزئيات من الممارسة الشعبية للشكل الواحد في إطار المنطقة الواحدة ذات الرقعة الجغرافية الضيقة (أي بين قرية وأخرى). وتشير إلى أنه في قرية لا تبعد عن القرية الأخرى نرى كيف يؤدي أطفالها احتفالاتهم بيوم "الشواعة" بطريقة تختلف عن طريقة القرية المجاورة، حيث يقوم كل طفل بحمل كعكه في الأطباق التي تحدثنا عنها سلفاً،أو كما يقولون يحملون "شواعتهم" إلى مكان اسمه "الجرين"، وهو مكان أملس يستخدم أيام الحصاد مزروع بـ"الوبل" أو "الزيل" (الحشائش) فيقوم كل طفل بدحرجة كعكته في شكل عجلة حتى تصل إلى أيادي الأطفال الفقراء فيتلقفونها مسرورين، مع ترديد تلك الأهزوجة السابقة.
ألعاب شعبية
ومن الألعاب الشعبية التي كان الأطفال ذكور وإناث يمارسونها إلى عهد قريب خاصة في أحياء مدينة صنعاء القديمة خلال شهر رمضان ، يعود الوافد محمد حمود (50) عاما بالذاكرة إلى الوراء إلى حيث كانوا يلتفون جماعات، ويقومون بجولة للمنازل المتجاورة ، يلقون على أهلها تحية المساء مرددين بعض الأبيات الشعرية المتوارثة والخاصة بها يقول مطلعها :( يا مساء جيت أمسي عندكم ..يا مساء واسعد الله المساء ... الخ)، فيما يقوم أهالي هذه المنازل باللقاء بعض النقود عليهم من النوافذ من باب الإكرام ، ويتهافت عليها الأطفال فيما يعمل أكبرهم على توزيعها فيما بينهم بالتساوي وحالة من الفرحة والسعادة الغامرة تجتاح نفوسهم وتعزز من جمالية الشهر الفضيل في نفوسهم.
ويتذكر أيام طفولته ويقول: " عادة ما كنا نمارس الكثير من الألعاب، وكان لعبنا يستمر حتى ساعات متأخرة من الليل تكون فيها الحياة والحركة العامة في الأسواق والشوارع في ذروتها ، غير أن من ملامح التطور اختفاء إحياء مثل هذه الألعاب بين الأطفال وبات انشغالهم يتركز على متابعة برامج الأطفال الرمضانية التلفزيونية أو مع غيرها من وسائل الرفاهية والتقنية الحديثة.
وإلى جانب " إلقاء تحية المساء" ، ( "الغماء ( الاستغماية)،و" الوقل" (وهي عبارة عن رسم مربعات على سطح الأرض يتقفز عليها الأطفال)، و"الطنج" (لعبة تقارب لعبة الشطرنج)، و"الشوال" لعبة - القفز على حبل وغيرها.
كما يبرز أيضا من بين أهم التقاليد الاجتماعية الرمضانية التي تكتسب خصوصية في نفوس الأطفال وتضيف الكثير من المعاني إلى جمالياته في نفوسهم أحياء الناس لروح ومبادئ التالف والتراحم والتكافل الاجتماعي فيما بينهم وخاصة بين سكان الأحياء الشعبية المتجاورة مثل مدينة صنعاء القديمة، وذلك من خلال الحرص على تبادل الوجبات والأطعمة فيما بينهم وتفقد أحوال بعضهم البعض.
ومثل هذه العادات والتقاليد والأطعمة والماكولات والوجبات الرمضانية التي تضفي بخصوصيتها ومناسبة رؤيتها في شهر رمضان دون غيره ما يكسر الرتابة، ويضفي خصوصية جمالية أخرى لمثل هدا الشهر، بقدر ما ترسخ روحا لتكافل الاجتماعي.
يا نفس ما تشتي!
ووفقا لطبيعة العقيدة الإسلامية المحافظة للأسر اليمنية، فأن الكثير من الأسر تحرص مع حلول الشهر الفضيل في تهيئة الأبناء وكل أفراد الأسرة في استقبال رمضان عبر الكثير من العادات منها ترتيب لقاء أو احتفالية خاصة تسمى (يا نفس ما تشتي) التي تبشر بقدوم رمضان.
ويتم فيها تحضير بعض الوجبات والمأكولات التي تقع رغبة غالبية أفراد الأسرة عليها وذلك بمشاركة الأطفال خاصة من الإناث أو شراءها وتناولها بحضور جميع إفراد الأسرة.
ويعتقد أن انتظام الكثير من الأسر على أحياء هذه الاحتفالية حتى اليوم، فيه إقتداء بالسنة المحمدية وعملا لقوله صلى الله عليه وسلم " قد جاءكم رمضان شهر مبارك ..".
وخلال هذا اللقاء أو الاجتماع الأسري الذي يعقد قبل رمضان بأيام تلتقي فيه الأسرة لوضع ( برنامج رمضان ) بحيث كل فرد يعطي رأيه في كيفية الترحيب بهذا الضيف العزيز الصغير يقول رأيه مثله مثل رأي الكبير ويحترم رأيه وتسجل كل هذه الاقتراحات حتى تتم متابعتها وتقييمها في حفل وداع رمضان العائلي.
تعاليم صيام الأطفال
ولابد، حسب النظام المتبع لدى الكثير من الأسر اليمنية المحافظة- أن تبدأ التهيئة قبل رمضان بأيام ويعرف الطفل أن هناك صيام ان صوم المكلفين وصوما لأشبال صيام المكلفين وهم القادرين من أبناء الأسرة على الصيام، وصيام الأشبال" الصبيان " من أفراد الأسرة غير القادرين على الصيام الكامل،وذلك لحديث عن الربيع بنت معوذ بن عفراء قالت أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة قال " من كان أصبح صائما فليتم صومه ومن كان أصبح مفطرا فليتم بقية يومه " فكنا بعد ذلك نصومه ونصوم صبياننا الصغار منهم إن شاء الله ونذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللعبة من العهنة ( الصوف ) فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناها إياه عند الإفطار.
ومن وأقع هذه المبادئ والقيم، يتبين كيف يصوم الصبيان (الأطفال)،والذي عادة ما يتم تدريبهم عليها من سن السابعة وما إلى ذلك، وحثهم وتشجيعهم على الصيام في البداية حتى منتصف النهار، قبل أن يتسابق الأطفال ويدخلون في تحدي مع النفس، والمفاخرة فيما بينهم على مستوى العائلة والحي في القدرة على الصوم أطول فترة.
ومن البدائل التقليدية التي تحث وتشجع الأطفال على الصيام، ماتحتفظ به الذاكرة الشعبية من أقوال وكلمات وحكم وعبارات، تردد على مسامع الأطفال بصيغ وأساليب مختلفة، ومنها ما يقال في الغالب للأطفال من قبيل المزاح أو الدعابة، وبما يحببهم في رمضان ويسهم في تقبلهم لمثل هده الأقوال بالابتسامة والتفكير، ومنها ما يقال بما معناه: أن رمضان جاء، وهو يضحك على من يأكل أو يفطر فيه .. وأن على الصغار أن يتخفوا عند الشعور بالجوع والحاجة إلى الأكل في نهار رمضان".
وهناك بدائل عصرية لألعاب الصوف وغيرها التي تسلي الأطفال وتنسيهم آلام الجوع خاصة عند اقتراب وقت المغرب ومنها ألعاب الكمبيوتر الهادفة ومشاهده برامج ومسلسلات الأطفال المسلية .
أما عن صور الصوم للأشبال التدريبي، صوم اليوم كله لمن استطاع في أواخر شهر شعبان، وصوم جزء من اليوم والصوم عن بعض أصناف الطعام ( صيام المكرونة ـ صيام اللحمة ـ صيام السمك)، الصوم عن بعض الحلوى ( صوم الشيكولاته ـ صوم البنبوني )، صومه عن بعض الألعاب ( صوم الكومبيوتر ـ صوم البلاي ستيشن).
وتتفق الكثير من الأسرة على منح جوائز معينة لكل من التزم بصيامه الخاص به كجانب تحفيزي يشجع ويهيأ الأطفال نفسيا على الصيام واستقبال رمضان بنفس الكيفية، بالإضافة إلى الحرص على اصطحاب الأطفال إلى المساجد ودور العبادة وممارسة العبادات وطاعة الله عز وجل.
طرائف رمضانية
من طرائف صيام الأطفال في رمضان،ما تحكيه (فاطمة ربة بيت) عن طفلها (7 سنوات) والذي تشير إلى أنه من كثر حديثها له عن رمضان وسخريته ممن يفطرون فيه أعتقد أنه شخص بدم ولحم، وعندما شعر بالجوع طلب منها أن تريه رمضان لكي يستأذن منه بالإفطار، وترجيه في المنام بأن لا يخبر اقرأنه من أبناء العمارة بأنه افطر.
موقف طريف أخر، ترويه (ثابتة أم لثلاثة أبناء) عن إفطار طفلها الأكبر (أحمد 7 سنوات)-وتقول: اتفقت مع ابني على الصيام حتى منتصف النهار(أذان الظهر) بداية من أول رمضان وفوجئت بصحيانه من النوم في اليوم الأول للشرب كما تعود؟
اما (أم ضياء) فتقول أن ابنها الذي تشكوا من عناده لم يصدق مجيء رمضان، ورغم ذلك كان يصوم لمدة ساعة أو نصف ساعة وعندما يشعر بالجوع يختلي بنفسه في زاوية مظلمة وبعيدة عن الأنظار (تحت درج المنزل) ويأكل قبل أن يشبع ويضطر للظهور عليها ويخرج لسانه لها مثبتا انه صائم ولم يفطر.
التعليقات
اليمن السعيد.
يمنيه.. -الله عليك ياليمن عرفناكي هيك دايما..