الطرفة السياسية العربية.. متنفس البسطاء والمقهورين

لا تعتبر الطُرف السياسية برغم إضحاكها طرفا عادية، بل هي كما قال عنها الكاتب البريطاني جورج أوريل " ثورة مصغرة ومحاولة لقهر القهر ". وهي التي توصف بعمق دلالتها وكونها تمثل رسائل هائلة المعنى توجهها الشعوب لحكامها، أو قد تتبادلها ضد بعضها كنوع من الأسلحة المتاحة حتى وإن كانت لا تروى إلا في أماكن يجتمع فيها الأصدقاء المخلصون أو المقربون، هذا وبحسب سقف الحرية المتاح.

محمد عطيف من الرياض: تتميز الطرفة السياسية بأنها سريعة الانتشار والأثر، بل هي قادرة على الحضور المباشر والتناقل، ولا تعتبر في ذات الوقت من الطرائف السهل تركيبها، أو تأليفها، بل هي غالباً ما تعتمد على ثقافة كبيرة، ومتابعة مستمرة، خصوصا في الناحية السياسية سواء في تعلقها بأفراد كالحكام أو مجموعات أو شعوب. ولذلك تنوعت كثيراً فهناك الطرفة السياسية العربية، وثانية عن اليهود، وثالثة عن الإنجليز، ورابعة عن الأمريكان، وهكذا. وكلها تهكمية أو ساخرة بالدرجة الأولى وقد تصل لحد كونها انتقامية أو رد فعل على شبيهة مماثلة، وتتعلق غالبا بصفات لشعب دون آخر وهي بالمجمل صفات غير محببة.

وفي الغالب وعلى سبيل المثال يسخر الانجليز من الأمريكي الساذج،ويرد الأخير بالسخرية من برود البريطانيين، فيما يضحك الفرنسي من الأكلات الانجليزية، ومن تفاخر الأمريكيين الذين يردون بما هو أقبح ومن ذلك ما حصل بين الكاتبين الشهيرين الفرنسي بول بورجييه والأمريكي مارك توين حينما قال الأول " إن الأمريكي حين يجد متسعا من الوقت فإنه يبحث عن أصوله وأصل جدوده "، ليرد عليه الثاني " هذا صحيح.. لكن الفرنسي يقضي كل وقته للبحث عمن هو أبوه!".

أيضا تطول الطرف السياسية بعض الشعوب، مثل التندر على كسل الأفارقة، وفوضى اللاتينيين، وكثرة الصينيين، وإدمان الروس للشراب. وأكثر ما تتولد الطرف عن الأزمات السياسية، والأحداث الدولية، وغيرها من التي تشغل الرأي العام أو تلفت انتباهه.

ويرى الكاتب مجدي كامل أن الطرف السياسية قد تتخذ مظاهر أكثر مثل قيام السياسيين بتأليفها عن أنفسهم. ويعتبرون ذلك دهاء مثلما فعل تشرشل وريجان وبوش وغيرهم، ومن ذلك ما روي عن مجيء سيدة غاضبة إلى الزعيم تشرشل وقولها له " لو كنت زوجي لقدمت لك فنجانا من السم لتموت بسرعة "، فرد عليها بهدوء " ولو كنت زوجتي لشربته فوراً ".

ولاشك أنه من العوامل المساعدة على انتشارها كان تطور وسائط الاتصال والتواصل مثل البريد الاليكتروني ورسائل sms لتصبح الطرائف والنكات المحظورة على وجه الخصائص بين يدي الجميع بعد نشرها بدقائق.

- الطرفة السياسية العربية :

الطرفة العربية السياسية شهيرة جداً في هذا المجال، ويرى بعض الكتاب أن مرد ذلك أنها محرمة، وتعتبر جريمة يعاقب عليها القانون، ومن أسباب ذلك ما يقال عن الحرمان من حرية التعبير في الأمور السياسية لدى معظم الدول العربية ولذا جاءت السخرية قوية ولاذعة ومتألمة في ذات الوقت، ومنها ما قيل أن مواطناً عربياً أهدى رئيسه سلحفاة وقال له " هذه تعمر 400 سنة "، فقال رئيسه وهو يهز رأسه " سنرى "!.

وأيضا مثل ماقاله زعيم غربي لنظيره العربي " إن المواطن الموظف لدينا يحصل على 5000 دولار ويتبقى معاه إلى نهاية الشهر نصفها ومن ديمقراطيتنا لا نسأله عن كيفية الصرف، فرد الزعيم العربي - واثقا - " موظفنا راتبه 200 دولار ومع نهاية الشهر يكون لديه آلف دولار.. وطبعا نحن لا نقل عنكم ديمقراطية لذا لا نسأله كيف ذلك؟".

وبالرغم من اختلاف اللهجات في نسج هذه الطرف بخصوصية عربية إلا أنها كلها تحمل نفس المعني والمغزى، وبعضها يتم استخدامها في عدة دول مع تغيير بعض المفردات وتركيبها على شخصيات جديدة. وهي بالإضافة إلى ذلك يقال أنها بالذات ترصد لها المخابرات ويقرأها الزعماء العرب على طاولات الإفطار، ويتخذون القرارات بشأنها، بعد أن يرصدوا منها واقع نظرة الشعوب لهم. ويروى أن الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر وبعد نكسة 1967م قال في أحد خطاباته " كفاية نكت". وأنه كان لديه قسم في استخباراته لرصد الطرف والنكات واستقاء دلالاتها.

وعن حديث الطرفة السياسية عن أساليب المخابرات يروى أن زعيما عربيا أراد التأكد من كون الناس يصفقون له في إحدى دور السينما عندما تعرض صورته في البداية وبالفعل وجدهم يصفقون ولم يفعل هو ليلكزه جاره قائلاً " صفق ياعم.. إنت بايع عمرك ولا عبيط! السينما كلها مباحث ومخبرين ".

وتذهب العديد منها للسخرية من اعتقاد الزعيم العربي لحب الشعب له ومن ذلك ما يروى أن زعيما عربيا في طائرة الخاصة سأل حاشيته عما سيحدث لو ألقى مبالغ نقدية من الطائرة لمواطنيه فكان الرد أن بعض الشعب الذي سيحصل عليها سيحبه، ليفاجئه الطيار بأنه لو ألقى نفسه فسيحصل على " محبة كل الشعب"!.

وعن السخرية من الحرية يروى أن أمريكيا فاخر عربيا بأنه يستطيع أن يشتم رئيسه الأمريكي وهو يقف أمام البيت الأبيض، فرد العربي بأنه هو يستطيع أن يشتم الرئيس الأمريكي في وسط العاصمة العربية!! "

من جانب آخر اتجهت الطرفة السياسية العربية لتتخذ نوعاُ خاصاً من المواجهة مع العدو الإسرائيلي والسخرية من أنظمته وحكامه. والأمثلة كثيرة على أنواع الطرف التي يرويها العرب عن اليهود ومن ذلك ما روي عن يهودي سقطت حشرة في فنجان قهوته ففكر قليلا ثم أخرجها وباع القهوة لأمريكي، والحشرة لصيني. ومن ذلك أيضاً أن الحكومة الإسرائيلية أصدرت قراراً باعتقال كل من يستيقظ باكراً باعتباره من "النشطاء "!.

فيما تتحدث من جهة أخرى عن مبالغة الولاء العربي لأمريكا لدرجة القول أن العديد من الجنود العرب ادعوا ملكية دبابة حربية كتب عليها ( USA ) بحجة أن الحروف هي بداية للعبارة ( الولايات المتحدة العربية ).

وأحياناً تتخطى النكتة معاناة الأزمات وتبدأ في الوصول لمرحلة الحديث عن نفسها وأحوالها بسخرية لاذعة جداً، وأبرز مثال على ذلك الطرفة السياسية الفلسطينية التي عنت مواجهة الشعب للكثير من الأزمات الداخلية والخارجية بين الفصائل ومع العدو ولا يكاد الفلسطينيون يمررون حدثا دون خلق بعض الطرائف عليه.

ومن أبرز ما يتم تناقله ما يروى عن السيد عرفات رحمه الله وروحه المرحة وقادة فتح وحماس وآخرون، ولعل من ذلك : ما قالته سيدة عجوز لرئيس الوزراء الذي سألها عما ستفعل إذا وافق على تبرعها بطقم أسنانها؟ وكيف ستأكل؟ فردت : يا أبني أصلا من يوم ماجئتوا مش لاقين نأكل.! ومن ذلك أيضاً : أنه عندما أجريت عملية مرارة لأحد الزعماء الإسرائيليين أعلنت عدة فصائل مسئوليتها فوراً.

غير أن الطرائف السياسية غزيرة جداً في العالم العربي وهي تظهر بسمات البلد الذي يطلقها بخصوصيات معينة تتعلق طبعاً بطبيعة الأحداث والمكان والناس، ففي لبنان مثلا يقال أن الحرب وصراعات الطوائف هي التي فجرت في نفسيات الناس البحث عن هذا النوع من الطرائف كمتنفس وخصوصاً مع الغارات الإسرائيلية العدوانية المتكررة وهدمها لبنية المواصلات على وجه التحديد حيث يتناقل الناس طرائف مثل أن اللبناني بات يخشى تركيب (جسر ) لأسنانه خشية الغارات.

وبحكم كون لبنان مزدهرة فنية فقد تلقت الكثير من الشخصيات الفنية الكثير من التهكم في ظاهره، الحسرة في حقيقته على سلبية ما ومن ذلك وصف سيدات المجتمع اللبناني الراقي بأنهن سعيدات بالحرب لأنها " أعادتهن عشرين عاماً إلى الوراء ".

أما العراقيون فينطبق عليهم فعلا القول أن نكاتهم تبكي أكثر مما تضحك وتنكأ الجراح بلا هوادة، وهم يصيغونها ببراعة وخفة دم، و طبعا شكلت الويلات التي يمر بها البلد مئات المناسبات لإطلاقها، وحظي نظام الرئيس السابق صدام حسين وزعماء القيادة الأمريكية بالإضافة للطائفية، ونظام الاستخبارات بالكثير في ظل أنها كانت تعتبر جريمة كبرى.

ومما يمكن اختياره أن عراقياً سأل صديقه عن والده (شو أخبار الوالد؟) ولكنه تذكر بسرعة أنه أعدم في فترة سابقة فسارع للقول ( بعده بنفس المقبرة؟!).

وأيضاً ما تم سبكه وتناقله أن مراسلاً لفضائية العراق صور العديد من الجثث وقال للكاميرا " الدنيا أمان وكما ترون الناس ينامون بالشوارع ". وعن المذاهب أن زوجين من مذهبين مختلفين اختصما فقالت لزوجها (باريت أتزوجت إبليس ولا إنت ) فرد : ( لا عيني..مايصير الأخ يأخذ أخته!).

أما أشهر الدول العربية في الطرف وروح الدعابة فهم المصريون بلا شك حيث يقال أن هذه الطرائف بدأت من عهد الفراعنة، ولأن مصر شهدت طوال تاريخها أحداثا ساخنة فقد ولدت الكثير من النكت والطرائف المعبرة، وذات الدلالة وتعلقت أكثرها بالزعماء أو تعليقاً على أحداث اقتصادية بالدرجة الأولى، وبعضها كان مؤثراً وفاعلاً مثلما فعلت طرفة عن الأرز تقول أن مواطنا من العاصمة ركب القطار إلى الإسكندرية للحصول على الأرز وأنه يتوفر هناك، ولكن الكمساري طلب من النزول عند طنطا قائلاً " انزل هنا.. هنا آخر الطابور! ". حيث يقال أن الرئيس بعدها أمر وزير التموين بسرعة التصرف لتغطية النقص.

يقول الدكتور شريف كناعنة ويؤيده العديد من الباحثين أنه " عندما يُغيّب دور الشعب في التاريخ بلا صحافة حرة، أو بلا أسواق حرة للكتاب، ناهيك عن المشاركة في السلطة عندها يرد الشعب بضربات على شكل نكات، على أولئك القابعين على مقدراته ".