القضاء العرفي بسيناء يحكم النزاعات برضى الدولة المصرية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
منذ قرون خلت والقضاء العرفي في بادية سيناء بمصر هو الذي يفض النزاعات بعقوبات هي محل رضى واحترام المتخاصمين، وينال رضى الدولة المصرية إيضاً، حيث يجنبها حمامات من الدم قد يتسبب بها اعتداء بسيط يتطور لجريمة قتل ومايتريتب عليها من قصة الثأر والثأر المضاد.
فتحي الشيخ من سيناء: متهمون بدون قفص اتهام، أو حراس وقضاة بدون منصة وبدون ممثلي ادعاء أو محامين دفاع أو اتهام او حتي حاجب للمحكمة. و أحكام تصدر ليس فيها موت أو حبس. و مع ذلك تحترم ويرضى بها الجميع. وتتكافل قبيلة المتهم كلها لتنفيذ الحكم الذي يكون في الغالب غرامة مالية.
حتي الدولة نفسها رضيت بهذا النوع من القضاء بل ودعمته في شبه جزيرة سيناء في مصر، وذلك بحضور القيادات الحكومية المصرية جلسات القضاء. بل صرح محافظ شمال سيناء أن سوف يخصص مرتبات للقضاة العرفيين في محافظة شمال سيناء.
وقد بدأ القضاء العرفي في سيناء مع نزول القبائل العربية الي سيناء إبان الفتح الاسلامي و توطدت اركانها بهجرات القبائل من شبه الجزيرة العربية الي سيناء بعد ذلك، كما يؤكد لإيلاف الباحث في شئون سيناء خليل جبر ان اهم مصدرين للقضاء العرفي هما الاعراف العربية القديمة والشريعة الاسلامية.
وتنقسم درجات التقاضي عند بدو سيناء إلى ٣ درجات، لكل درجة منها قاض، فالقاضي الأول بمثابة "محكمة ابتدائية"، والقاضي الثاني بمثابة "محكمة استئناف"، والثالث بمثابة "محكمة النقض" وللوصول إلي مرحلة النقض يستلزم ذلك أن يكون حكم القاضي الاول مناقضا لحكم القاضي الثاني،أما رسوم التقاضي فتسمي بـ"الرزقة"، هي ضمانة لجدية الدعوي وتختلف قيمتها حسب قدرة المتخاصمين و تتم إعادته لهما بعد انتهاء القضية إذ إن جميع اجراءات التقاضي مجانية، ولا يشترط أن تكون "الرزقة" مبلغاً مالياً، فربما كان الطرفان لا يملكان مالاً فيرتضي القاضي وقتها بأي ضمانة يضعانها أمامه حتي ولوكانت عقال أحدهم أوعمامته،
وفي الشهادة يكفي في عرف قبائل سيناء شاهد واحد لإثبات الدعوي، لكن شريطة نزاهته وحسن سلوكه الأخلاقي.
أما حلف اليمين للشهادة فيتم قبل الإدلاء بالشهادة، وأنواع الحلف المقبول عند بدو سيناء هي أولاً: الخطة والدين والخطة دائرة ترسم علي الأرض برأس السيف ويجلس الشاهد وسطها ويحلف بستة كلمات ثم ينطق بالشهادة، وثانياً: الحلف بالرأس بأن يضع المدعي يده علي رأس المدعي عليه، ويذكر اسم الله ثلاثا قبل تأدية الشهادة، وثالثا: الحلف بالحزام، وهو أن يضع المدعي يده في حزام وسط المدعي عليه ويحلف بالله ثلاثا أن يقول الحق قبل أن يؤدي شهادته.
ورابعاً: الحلف بالعود، حيث يأخذ الشاهد غصن شجرة، ويقول: "وحياة العود والرب المعبود ومن أخضره وأيبسه رأيت كذا". ويضاف نوع آخر للحلف هو الحلف بـ"الطلاق ثلاثا"، ولا يتم اللجوء إليه كثيراً، حيث يقول الشاهد ثلاث مرات "امرأتي طالق"، ثم يؤدي الشهادة، فإذا أعطي شهادة زور وقع الطلاق.
ويتسم نظام القضاء العرفي بين بدو سيناء بتخصص القضاة، حيث إن لديهم قضاة لكل نوع من القضاة، و هناك بعض القبائل المتخصصة للحكم في بعض القضايافقي محافظة جنوب سيناء مثل القضاء "العقبي"، الذي يتم اختيار قاضيه من قبيلة بني عقبة. وعادة ما يتخصص في قضايا السيدات، والنوع الثاني وهوالقضاء المسعودي، الذي يتم اختيار قاضيه من قبيلة المساعيد ويختص بقضايا الأملاك والزراعات.
حيث كان هناك شاب يحب فتاة من عائلة أخرى. وكانت عائلتها ترفض ارتباطهم فقرر الشاب أن يهرب مع الفتاة واتجه الى بيت الفتاة لياخذها ويهرب. ولكن اخوة الفتاة علموا فقاموا بالاعتداء على الشاب. وكانت عائلتا الشاب والفتاة على خصومة سابقة. فكان هذا الحادث ينذر بحدوث مجزرة في تلك القرية، لولا تدخل بعض العقلاء والالتجاء الى القانون العرفي. و بعد سماع الواقعة من الجانبين حكم المحكمون على الشاب بان يغرم بعدد الخطوات من بيته الي بيت أهل الفتاة الف جنيه عن الخطوة الواحدة لانه كان يريد الاضرار بحرمة هذه العائلة.
وهو ما اقنع اهل الشاب الذين كانوا يطلبون بالثار بالتريث وبأن ابنهم هو المخطيء منذ البداية وانتهت القضية بدون اراقة دماء. ويضيف المحكم العرفي: الحمد لله وقد هنائني محافظ شمال سيناء شخصيا بعد رجوعي من هذه القضية قائلا لي رفعت راسي لان الحكم جاء عن طريق قاضي سيناء الذي كان أصغر القضاة وقتها.
هناك بعض الصفات التي تميز القضاء العرفي عن القضاء العادي، اهمها إعطاء مكانة خاصة للانسان ووضع الاعتداء عليه كاحد الجرائم الكبري وذلك لطبيعة البيئة التي يعيش فيها البدوي حيث يترك بيته في الصحراء ويسعي الي عمله وبالتالي يجب ان يأمن على أهله. وكذلك أحكام الغرامات المالية الباهظة في بعض القضايا مثل الحكم الذي صدر في نزاع بين قبيلتي البياضية والترابين في منطقة سيناء بعد محاكمة أول صحفي أمام مجلس عرفي بسبب نشره تقرير وجه فيه عدة تهم لقبيلة الترابين وكان الحكم الصادر ضده بتغريمه 2،7 مليون جنيه حيث تنازلت قبيلة الترابين عن مبلغ مليون جنيه من قيمة الغرامة المفروضة على قبيلة البياضية التي ينتمي إليها الصحفي.
وقررت قبيلة الترابين إعفاء قبيلة البياضية من بقية المبلغ فور قيامها برفع 12 راية لدى كل قبلية للاعتذار مكتوب عليها "أنا غلطان وكتر خير الترابين قدروا وعفوا ".
وكان الصحفي قد نشر تقريرا تضمن اتهامات لقبيلة الترابين بأنهم قطاع طرق ومتورطون في عمليات خطف السيارات.
وهكذا يقبل المجتمع السيناوي في مصر بالقضاء العرفي ويعتبره ظابطا لايقاع الحياة في سيناء. وهو ما ارتضته الدولة ايضا ولم تعتبره انتقاصا من سيادتها في ذلك الجزء من البلاد.