النوبة أو أرض الذهب: إرث ضائع وحنين متواصل

يرتبط نهر النيل بثقافة وتراث النوبيين بشكل لافت فقد ضحوا بالكثير في سبيل ترويضه عند انشاء السد العالي عليه في الستينات من القرن الماضي، إذ تركوا قراهم ومقابرهم والنيل الذي ارتبطوا به ليسكنوا منطقة صحروية في صحراء كوم امبو باسوان.

فتحي الشيخ من القاهرة: بلغة خاصة بهم و بكثير من العادات والتقاليد التي افرزتها اقدم الحضارات على ارض مصر وهي حضارة كوش والتي نشأت في بلاد النوبة والتى تعني الذهب في لغتهم. هاجر النوبيون من قراهم التى عاشوا بها الاف السنين، وتركوا البيوت والاراضي و مقابر محتفظين بالنوبة حيه في قلوبهم، و حنين لا ينتهى الى قراهم القديمة بين الجميع حتى من ولد منهم بعد التهجير وعرف النوبة من خلال حكايات الاباء والاجداد.

محمود عبدالسلام (63 عاما) مازال يذكر قريته ادنتيان كانها امام عينه ويقول عنها كان التنقل من والى القرية يتم عن طريق المراكب الشرعية وكان اول ما يقابلك على شط النيل في القرية أشجار السنط كان عددها كبير.. بعدها كانت غابات النخيل لمسافة كبيرة جدا لأن النخل كان هو الثروة الاقتصادية للنوبة كلها من جريده، كان يصنع الكثير من السلال وبعض قطع الاثاث، ايضا كان يتم بيع التمر للتجار الذين يمرون بالمكان في طريقهم الى السودان والعكس، وبعد النخيل تجد الأراضي الزراعية التى كانت تزرع محاصيل مختلفة وبعد هذا تجد بيوت القرية التى شكلها مميز عن اي بيت في مصر و ورائهم الجبل و يضيف عبدالسلام لايلاف هذا اغلب حال كل قري النوبة القديمة التي كانت تقع كلها علي النيل وبيوت النوبة مميزة من حيث الشكل حيث يتم بناء الجدران الخارجية للبيت النوبى على قطعة مربعة أو مستطيلة من الأرض، تتسع لصحن داخلي تتوسطها مكونات الدار وهي، مدخل البيت، ويوجد به المندرة المخصصة لاستقبال الضيوف، ثم الفناء الذى يعرف في النوبة باسم "الحوش السماوى"، وتحيط به غرف النوم التى يطلقون عليها "القباوي"، يجاورها فى أحد الأركان "المخزن" الذي يحتوى على كل احتياجات المنزل من غلال، ثم المطبخ الذي يعرف فى النوبة باسم "الديوكة"، ثم الحمام، وفى مواجهة بوابة المنزل فى الفناء ترى "المزيرة" الخاصة بوضع "أزيار" الماء.

وللبيت النوبى باب خاص بدخول النساء والخروج منه، دون المرور بجوار المضيفة، يعرف هذا الباب عند عرب العليقات باسم "نقادة"، وعند الكنوز والفديجا، باسم "السر". ويتجسد عشق النوبى للألوان والزخارف فى تصميم بيته، حيث تزين جدران المنزل من الخارج بنقوش شبه غائرة، تجمع بين الأشكال الهندسية، وصور الكوكب والنجوم والحيونات والطيور، كما يلجأ النوبى فى تزيين بيته لاستخدام أطباق خزفية ترشق فى الجدران، وتحمل غالباً اللون الأبيض أو الأزرق، وهما لونان يحملان دلالات تراثية لدى النوبى، لمنع السحر والحسد.

اما داخل بيوت النوبة فالنظافة الشديدة هى العنوان الأول فى كل البيوت،ومازلت بيوت النوبة تحتفظ حتي اليوم ببعض التفاصيل التراثية حتي الموجودة منها في القاهرة ومن اهم هذه المعالم سلال الخوص، وأشغال الخرز، وأكلمة الصوف التى تزين الأرضيات بألوان غاية فى الإبداع الى جانب شىء اخر تمتاز به السيدات اكثر من الرجال وهو الزي النوبي المسمي الجرجار والذي يكون عبار عن قماش تل مزين بالوان مختلفة ويلبس فوق الملابس.

اللغة النوبية عمرها الاف السنين ومازلت مستخدمة حتى الان بين النوبيين كسر من اسرارهم، يستخدمها النوبيين فيما بينهم،وتنتقل من جيل الي جيل، جمال عبود 35 عام يقول احرص علي التحدث مع زوجتي باللغة النوبية امام البناء حتي يعرفها ابني كما عرفتها اني من اهلي برغم انتفالنا للعيش في مصر واتذكر جيد ابي عندما كان يحدثني عن قريته في النوبة وعن طفولته و كان يخبرني باسماء الالعاب التي يرني العبها مع اصدقائي ولها مثيل بالنوبي مثل لعبة "نافنافي" اي لعبة الاستغاميةو ايضا "هندكا" اي لعبة السبع طوبات وانا بدوري احكى لابنائي ماحكاه لي ابي واتحين دائما الفرصة لزيارة باقي الاهل في البلد او التواجد في اي تجمع للاقارب هنا في القاهرة لانها تكون فرصة كبيرة للعيش في جو جميل وسط الاقارب.

يظهر بشكل كبير ايضا تمسك النوبيين بتقاليدهم وعادتهم في افراحهم التي يتجمعوان فيها بشكل كبير ليتشارك الجميع في الغناء على نغمات الموسيقي النوبية المميزة ليشدو الجميع بالاهازيج باللغة النوبية.
يقول محمد دهب 57( عاما) نحن لا نزوج بناتنا من خارج النوبة. البنت لا تتزوج الا نوبيا مثلها وهذا للحافظ عليها والمحافظة على اسلوب حياتها التى تعودت عليه، و تبدأ مراسم الزفاف في ليلة الكوفرية وهي ليلة الحنة عند باقي المصريين ويحتفل به اهل العروسة الذين يتوافدوا علي بيت العروسة للتهنئة وتقدين التهاني والنقوط للعروسة تليها " الباليه " او الزفاف ويتوافد اهل العريس و العروسة علي مكان الاحتفال وتبدا حلقات للرقص والغناء يشارك فيه الجميع ابتهاج بالعروسين ويمكن ان يرتدي العريس في هذه الليلة الجلباب الابيض والطاقية التى تكون مزخرفة ويشارك هو العروسة الاهل في الغناء والرقص معهم والتي تمتد حتى الصباح تقريبا.

النوبيون في مصر يبدون كمجتمع غير قابل للانصهار في البوتقة المصرية رغم اعتزازهم كنوبيين بمصريتهم الا انهم مع ذلك يحافظون على خصوصيتهم الثقافية في لغتهم وملابسهم وتقاليد الزواج لديهم، بل في الاكلات الذي يحتفظ باسرارها البيوت النوبية. وهو ما يفسره خليل عبدالحفيظ قائلاً: نحن وان كنا هجرنا من ارضنا التي عشنا فيها الاف السنين الا ان النوبة هي التي تعيش داخلنا في قلوبنا.
و لهذا هي مازالت باقية حيث تجد الجمعيات النوبية منتشرة في مصر كلها لتجمع النوبيين باسماء القرى النوبية ليجتمع فيها النوبيون ويتعارفوا ويتشاركوا مصاعب الحياة.