المدارس الأهلية في العراق: معلمون لايبتسمون
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
عباس سرحان من كربلاء: اتصلت أم رضا بالعديدات من صديقاتها بحثا عن معلمة يمكن أن تعطي ابنها رضا (12 سنة) وهو في الصف الرابع الابتدائي دروسا خصوصية لاسيما في مادة اللغة الانكليزية التي تمت إضافتها هذا العام، ضمن المنهج الدراسي للصفين الثالث والرابع الابتدائي، بعد أن كانت تدرس بدءا من الصف الخامس الابتدائي.
بينما يشكو رضا من "تقصير المعلمين وعدم اهتمامهم كثيرا بشرح المواد الدراسية" فهم برأيه لا يكترثون سواء تعلم التلميذ ما يقولونه أم لا، ويكتفون بشرح موجز مصحوب بعبارات التعنيف والتحقير في أكثر الأحيان".
وليست أم رضا الوحيدة التي تجد نفسها مع كل عام دراسي في مواجهة مشكلة من هذا النوع، فأبو فاطمة يبحث هو الآخر عن"معلمة متخصصة بتدريس اللغة الإنكليزية وأخرى بتدريس الرياضيات وثالثة بتدريس اللغة العربية" لتدريس ابنته فاطمة (13 سنة)، وهي طالبة في الصف الثاني المتوسط.
ويعتقد أبو فاطمة (35 سنة) أن مستوى " المدارس الأهلية أكثر حرصا من المدارس الحكومية على إيصال المادة العلمية للتلاميذ"، منتقدا "شيوع استخدام العنف ضد التلاميذ، في المدارس الحكومية سواء بالضرب أو استخدام الألفاظ".
ويعكس تزايد أعداد المدارس الأهلية من عام لآخر حجم الإقبال الذي تلاقيه هذه المدارس من الأسر التي تفضل التعليم الخاص على التعليم الحكومي برغم تكاليفه، وقد تم افتتاح مدارس أهلية في حي الحسين وحي الموظفين وحي المعلمين، منها مدارس البراعم والأرجوان والتكامل و"الرسول الأعظم"، ومدرسة آمنة الصدر، بعضها ابتدائية وأخرى متوسطة وثانوية، كما وهناك جامعة أهل البيت الأهلية، وكلية الهندسة الأهلية.
ويشرح المواطن ابو مهدي سبب اهتمام بعض أولياء الأمور بنقل أبنائهم إلى المدارس الأهلية، بالقول إنه نقل ابنيه، مهدي (14 سنة) إلى مدرسة متوسطة أهلية، ومصطفى (11 سنة)، إلى مدرسة ابتدائية أهليه "لأن البيئة المدرسية في المدارس الحكومية سيئة"، في إشارة إلى الافتقار للخدمات من مياه وحمامات وحدائق وستائر وزجاج للنوافذ، وهي ليست الأشياء الوحيدة التي دفعت أبو مهدي، لنقل ابنيه إلى قطاع المدارس الأهلية، "فمستوى التعليم المتدني" أبرز الأسباب التي يقول أبو مهدي إنها كانت وراء قراره هذا.
ويضيف أبو مهدي، (43 سنة) متسائلا "لماذا يحرص المعلمون أو المدرسون على بذل جهد وفن دراسي اكبر حين يعملون في المدارس الأهلية، بعكس الحال حين يعملون في المدارس الحكومية؟".
ويميل أبو مهدي للاعتقاد بأن "الحصول على عائد مادي إضافي سبب مقنع لدفع المعلمين والمدرسين لبذل جهد اكبر في المدارس الأهلية، لطالما أن المرتبات التي يتقاضونها من الدولة مضمونة ولن تتأثر بمستوى عطائهم".
وترى مديرة مدرسة "الرسول الأعظم" الابتدائية أحلام كاظم أن بعض المدرسين والمعلمين في المدارس الحكومية "يتعمدون عدم الاهتمام بالمستوى العلمي سعيا وراء الدروس الخصوصية".
وهو ما يؤكده مواطن آخر، أبو جعفر (25 سنة) بقوله إن "مدرسين ومعلمين كثر باتوا يصرحون أمام طلبتهم عن استعدادهم لإعطائهم دروسا خصوصية، ويتعمدون عدم إيضاح المادة الدراسية لدفع الطلبة إلى اخذ تلك الدروس".
وتشكل البيئة المدرسية في المدارس الحكومية هما للكثير من الأسر لجهة الافتقار للخدمات وشيوع العنف المادي والمعنوي من قبل التلاميذ ضد بعضهم أو من قبل المعلمين والمدرسين، وهو ما يدفع ببعض الآباء إلى نقل أبنائهم إلى المدارس الأهلية التي يصف المواطن، علي الطالقاني، بيئتها بأنها "ممتازة قياسا بالبيئة في المدارس الحكومية، فعدد الطلبة في الصف الواحد قليل وقد لا يتجاوز العشرة أحيانا، وهو بأي حال لن يزيد على الـ20 طالبا، بينما هو يزيد في المدرسة الحكومية عن 50 طالبا في أغلب الأحيان".
ويضيف الطالقاني (35 سنة) أن "المدارس الأهلية تحتوي على برادات للمياه وستائر أنيقة وحدائق وحمامات نظيفة مغلفة بالسيراميك، وتعلو الابتسامات وجوه المعلمين والمدرسين حين يستقبلون أولياء الأمور والتلاميذ والطلبة، كما يسمح للطلبة بإدخال أجهزة الهاتف النقال إلى المدرسة وإن فرض عليهم تسليمها عند الاستعلامات بعكس المدارس الحكومية"، التي يقول المواطن علاء كريم (49 سنة، إنها" تفتقر لكل ذلك حتى ابتسامات المدرسين والمعلمين"، معتقدا أن "إظهار القسوة والشدة سلوك مألوف في المدارس الحكومية، وهو أحيانا مسعى مقصود لدى معلمين لدفع الطلبة نحو المدارس الأهلية التي يعلمون فيها".
وتقلل مديرية تربية كربلاء من شأن هذه الاتهامات وتقول إن "عدد المدارس الابتدائية والمتوسطة في كربلاء قليل" في إشارة إلى أن العاملين فيها من المعلمين لا يمكن أن يشكلوا ظاهرة تضغط على التلاميذ والطلبة للتوجه نحو التعليم الأهلي.
ويعزو مدير التعليم العام في المديرية جواد مهدي السبب الرئيس وراء نقل الأسر المقتدرة ماليا أبناءها إلى التعليم الأهلي إلى "البيئة المدرسية ".
ويوضح مهدي في حديث لـ"السومرية نيوز"، أن المدارس الحكومية "تشكو من الدوام المزدوج وقدم بناياتها، وهناك افتقار للأموال التي يمكن أن توفر خدمات ضرورية في المدارس".
ولا يخفي مهدي تحفظه على التعليم الخاص "لأن هذا التعليم قد يحمل أجندة ما"، كما يقول، ويرفض الحديث عن تلك الأجندة؛ مكتفيا بالقول إن "التربية لا تدري ما هي الأفكار التي تسوق للطلبة بين ثنايا المواد الدراسية".
ويبدو أن المعلمين والمدرسين في المدارس الحكومية لم يرفعوا الرايات البيضاء، فالتعليم الحكومي ما زال لديهم أفضل من التعليم الأهلي.
ويقول المعلم صباح الكريطي (52 سنة) وهو معلم في مدرسة ابتدائية حكومية إن "العديد من التلاميذ الذين انتقلوا إلى مدارس أهلية عادوا إلى مدارسهم الحكومية بعد أشهر"، ويعزو ذلك إلى "عدم اهتمام المدارس الأهلية بالمستوى العلمي للتلاميذ، فهي تمنح الدرجات الامتحانية جزافا"، بحسب قوله.
ويتضح ذلك، بحسب المعلم صباح، "حين يؤدي التلاميذ الامتحانات الوزارية التي تشرف عليها التربية، والتي يخفق كثير من تلاميذ المدارس الأهلية في اجتيازها".
وتقول المعلمة نوال الموسوي (41 سنة) وتعمل في مدرسة حكومية إن "المدارس الأهلية لم تحقق نسبة نجاح خلال العام الماضي، وبعضها كانت نسبتها صفرا"، بحسب تعبيرها.
من جهته، يرفض المدرس خالد حسين وهو معاون مدير في متوسطة أهلية تلك الانتقادات، ويرى أن هناك أسبابا للإقبال على المدارس الأهلية منها "البيئة المدرسية الجيدة والتعامل الحضاري مع التلاميذ والطلبة".
ويقول خالد ردا على من يقولون بتدني مستوى النجاح في المدارس الأهلية إن "المدارس الحكومية لم تحقق نجاحات هي الأخرى في العام الماضي"، نافيا أن "تكون المدارس الأهلية تمنح درجات النجاح جزافا"، لكنه يحمل بعض أولياء الأمور مسؤولية رسوب أبنائهم "لأنهم يعتقدون أن المدرسة الأهلية يمكن أن تزق العلم برؤوس أبنائهم من دون متابعة منهم"، على حد قوله.
برزت ظاهرة التعليم الأهلي في العراق بجلاء بعد 2003 إذ تم افتتاح العديد من المدارس الابتدائية والمتوسطة ورياض الأطفال فضلا عن الجامعات والكليات الأهلية التي تستقبل الدارسين والتلاميذ مقابل أجور تدفع على شكل أقساط. وتتراوح تكاليف الدراسة في المدارس الابتدائية الأهلية بكربلاء بين400و500، ألف دينار للعام الدراسي يضاف إليها أجور نقل التلاميذ من وإلى المدرسة وهي قد تصل إلى200 ألف دينار لكل سنة دراسية، وترتفع هذه التكاليف في الجامعات.
أما تكاليف الدراسة في المدارس المتوسطة والإعدادية الأهلية فتتراوح بين 500إلى 600 ألف دينار للسنة الدراسية بالإضافة إلى أجور النقل، ولا يوجد للمدارس الأهلية بنايات مصممة لتكون مدارس، إنما هي عبارة عن منازل كبيرة يتم استئجارها لتكون بنايات مدرسية.
وتعتقد مديرة مدرسة "الرسول الأعظم"، الابتدائية الأهلية أحلام كاظم أن هذه المنازل المستأجرة "توفر بيئة مدرسية مريحة، فهي تحتوي على أجهزة تكييف وبرادات مياه وحديقة ودورات مياه صحية".
وتقول كاظم إن مدرسو المدارس الأهلية هم "في الغالب من الخريجين ممن لم يحصلوا على فرصة في التعيين، وتتراوح مرتباتهم بين 150 -200 ألف دينار"، معتبرة أن "هذا المقدار قليل مقارنة بما يتقاضاه المعلمون في المدارس الابتدائية حيث تتراوح مرتباتهم بين 300-500 ألف دينار.
وتضيف كاظم انه على الرغم من أن "مقدار الأجور التي يتقاضاها المعلمون والمدرسون في المدارس الأهلية قليل قياسا بغيرهم ممن يعملون في القطاع الحكومي، إلا أن ما يدفعهم إلى العمل هو الرغبة بمزاولة المهنة لدى الكثير منهم".
وتوضح مديرة المدرسة الأهلية في كربلاء أن "الربح ليس سببا كافيا لتأسيس مدارس أهلية أو العمل بها فتكاليف تأجير منزل ليكون مدرسة ابتدائية هي 11 مليون دينار في العام، تضاف إليها مبالغ أخرى لشراء أثاث ومستلزمات دراسة، فضلا عن أن المدرسة تدفع تكاليف النقل للأيتام ممن يدرسون فيها، ولا تتقاضى منهم أية مبالغ لقاء الدراسة"، بحسب قولها.
وتضيف المديرة أحلام كاظم أن "التعليم الأهلي أوجد فرص عمل لعدد من المعلمين المتقاعدين" لاسيما وأن لدى هؤلاء مهارات وخبرة متراكمة جراء سنوات طويلة من العمل في سلك التدريس".
ولكن في مواجهة هذا الرأي هناك من يعتقد أن التعليم الخاص ما زال مشروعا استثماريا لدى أصحابه، ولا يمكن أن تكون الجهود التي تبذل في التعليم الخاص دون مقابل.
وترى الباحثة النفسية ندى عبد علي من دائرة صحة كربلاء في حديث لـ"السومرية نيوز" إن "توفير بيئة سليمة للتلاميذ والطلبة يسهم بنشأة سليمة على المستويين التربوي والعلمي "سواء توفرت هذه البيئة السليمة في المدارس الحكومية أو الأهلية".
وتضيف الباحثة أن "صحة كربلاء كانت حذرت من تردي البيئة في المدارس الحكومية قبل بدء العام الدراسي، وإذا ما اقترن تراجع البيئة المدرسية بتدني مستوى التعليم فإن لذلك اثر في إعاقة النمو السليم للطاقات العقلية التي يحتاجها البلد مستقبلا".
يذكر أن نسبة النجاح للعام الدراسي الماضي في الصف السادس العلمي لعموم العراق قد بلغت 26.23%، وفي الأدبي 27.02%، وهي نسبة متدنية، بينما تزداد شكاوى أولياء الأمور ودائرة صحة كربلاء وحتى مديرية التربية من سوء البيئة المدرسية بشكل يؤثر سلبا على المستوى العلمي، حيث يزيد عدد التلاميذ والطلبة في مدارس كثيرة على الـ50 طالبا وتلميذا في الصف الواحد، وتُشغل البنايات المدرسية من أكثر من مدرسة، وقدرت تربية كربلاء حاجتها للبنايات المدرسية بـ100 بناية جديدة.