أهالي أم قصر يروون قصصهم في ذكرى الحرب

البصرة: الغيوم السوداء التي نفثتها بحيرات النفط الأسود المشتعل للتمويه تغطى الآفاق، لتجثم فوق صدر البصرة وتجعلها تختنق بالتوجس والترقب والخوف من القادم المجهول، ومدينة أم قصر إحدى مدنها التي يطرطش خاصرتها الماء، هي الأكثر خوفا وهلعا، فقد عشقها الغزاة واستمرئها المحتلون.

قال سعيد الشمري 60 عاما ( موظف) في ميناء أم قصر لوكالة (أصوات العراق)rdquo; قبل نحو عشرة أيام من بداية الهجوم، كانت الدنيا تمطر علينا سخاما، كنا نشرب الماء ممزوجا بالسخام، والرغيف محببا بندب سوداء، جراء برك النفط الأسود المشتعلة التي كانت تحيل حياتنا جحيما والتي أوقدها العسكر للتمويه والخداع، فضلا عن الأخبار التي كانت تردنا و تزيدنا كمدا عن سعة وضراوة الجيوش الغازيةrdquo;.
وأضاف ldquo;ومع مساء يوم 20 /3 شعرت بالأرض تهتز تحت قدمي بفعل الانفجاريات، فأيقنت أن الهجوم قد وقع، وقلت لنفسي ما كان محتملا أصبح حقيقة، فجمعت عائلتي في زاوية إحدى الغرف وأسلمت أمري إلى اللهrdquo;.

وتقع أم قصر 60 كم غربي البصرة، واستخدمت منفذا لدخول القوات الأجنبية في حرب تحرير الكويت عام 1991، وحرب احتلال العراق عام 2003 ، فضلا عن تلقي مينائها في الحرب الإيرانية العراقية مسلسلات من القصف الجوي والصاروخي.

أبو حيدر 55 عاما (موظف) يعمل في سكك أم قصر قال لـ(أصوات العراق) وهو يغور بعيدا في أعماق ذاكرته ldquo;كنت أتمشى مع مدير الميناء لاتخاذ بعض الإجراءات الاحتياطية لخزن مواد عائدة لمديرية السكك في حالة وقوع هجومrdquo;. مبينا وفي نحو الساعة الثالثة والنصف ldquo;بدأت المدفعية الأمريكية تهدر لتصب حممها على قاعدة أم قصر العسكرية ومستشفى أم قصر، فاندلعت الحرائق في كل مكان فقفل كل منا إلى بيتهrdquo;.

وأضاف أبو حيدر rdquo; وفي تمام الخامسة والنصف، بعد موجات طويلة من القصف الصاروخي، حطت المروحيات الأمريكية (شيروكي) في ميناء أم قصر وترجل الجنود في أرصفة الميناء، وراحوا بالتوغل على خط (البصرة- أم قصر) عن طريق المنطقة المقابلة للحي السكنيrdquo;. وتوقف الرجل ليلتقط أنفاسه كأنه يعيش تحت وطأة ذلك المشهد العسكري العنيف، ثم استطرد rdquo; ولم ينتصف الليل حتى احتل الأمريكان جميع المناطق في أم قصر، وكفت القوات العراقية عن المقاومة وتوزع الجنود على الأحياء السكنية بحثا عن المأوى والطعام بل ألقى الكثير منهم أسلحتهم في الشوارعrdquo;.
واستدرك ldquo;ما عدا سرية قالوا أنها سرية مغاوير كانت خارج أحياء أم قصر تمسكت بالمقاومة، و ظلت تتراشق بالنار مع القوات الأمريكيةrdquo;. لافتا إلى أن ldquo;تسعة جنود عراقيين من الذين تخلوا عن القتال، مكثوا في بيته لمدة 12 يوماrdquo;.

واستذكر أبو حيدر ldquo;حاولت هذه السرية ضرب القوات الأمريكية الموجودة داخل الحدود الكويتية، فكان الرد عنيفا من قبل القوات المتعددة الجنسيات rdquo;
وأعتبر أبو حيدر الأنباء التي قالت أن القوات العراقية صمدت لمدة 19 يوما بوجه القوات الأمريكية غير دقيقةrdquo; موضحا ldquo;أنا لم أشاهد ذلك على الرغم من أني لم أغادر أم قصر طوال فترة الحربrdquo;.
ونقلت الكثير من وكالات الأنباء حينها أن القوات العراقية اشتبكت مع القوات الأمريكية في قتال عنيف في ميناء أم قصر الجنوبي، وهاجمت دبابات وطائرات أهدافا تردد أن نحو 120 على الأقل من أفراد الحرس الجمهوري العراقي يختبئون فيها.وبعد غارتين جويتين بطائرات هاريير البريطانية المقاتلة أسقطت في كل منها، قنبلة تزن 500 رطل أدت إلى تصاعد أعمدة من الدخان الأسود شوهد بعض العراقيين، يرفعون الرايات البيضاء مستسلمين.

ورأى الكابتن البحري كاظم الحمامي أن السبب في اختيار ميناء أم قصر منفذا لدخول القوات الغازية إلى العراق دائما هو ldquo;لاعتباره نقطة إستراتيجية من الناحية العسكرية للنفاذ إلى الداخل، إضافة لارتباطه بالقنوات البحرية الممتدة إلى الخليج العربي، فضلا عن قربه من جزيرتي وربا وبوبيان الكويتيتين والقواعد الأجنبية الموجودة في حوض الخليجrdquo;.
وأضاف أن ذلك ldquo;يسهل إيصال الإمدادات اللوجستية، مع ضمان عامل الوقت والسرعة والكمية المطلوبة للقوات الغازيةrdquo;. موضحا ldquo;وعلى هذا الأساس يعتبر ميناء أم قصر من المنافذ العسكرية الحيوية، المفتوحة بوجه هذه القوات، خصوصا بعد تلقي القاعدة البحرية ضربات صاروخية موجعة، دمرت كافة التعزيزات، وسهلت تغلغل القواتrdquo;.
مشددا ldquo;هذا ما حصل في حرب تحرير الكويت والحرب الأخيرة

وقال العميد البحري جواد كاظم لوكالة (أصوات العراق) ldquo;صمد جنود فوج المشاة البحري الذي كان يعسكر في مكان مقر معتقل بوكا حاليا بوجه القوات الأمريكية، صمودا بطولياrdquo;.
وأوضح على الرغم من أن تسليح الجنود كان ldquo;بسيطا ولا يتعدى قاذفات أر بي جي 7 ومدافع الهاون والأسلحة الأوتوماتيكية الخفيفة لكنه صمد أكثر من أسبوعينrdquo;. مشددا لأنهم كانوا ldquo;شجعانا وأبوا أن يهربوا من ساحة القتال حبا بالعسكرية، وليس حبا بالنظامrdquo;. منوها إلى النظام ldquo;قد انهار في هذه الفترة لكنهم ظلوا يقاومونrdquo;.
من جهته قال العميد أبو حسنين rdquo; الكثير من العسكريين انتهجوا طريق المقاومة حتى الموت ، فجماعة الفرع العسكري في المعقل خرجوا مع فدائيي صدام لملاقاة القوات الأمريكية، واستشهد بعضهم مثل العميد جبار كاظم بديوي وآخرينrdquo;.

وعن مدى الضرر الذي ألحقه الطيران في المنشآت البحرية العراقية قال أبو حسنين rdquo; تحطمت جميع القواعد البحرية كقاعدة أم قصر وقاعدة الخليج العربي التي كان فيها العديد من الزوارق البحرية فضلا عن سفينة ابن خلدون التي كانت بمثابة كلية بحرية عائمة يدرس فيها طلاب الأكاديمية البحرية، كذلك تم تدمير اليخت الرئاسيrdquo;.
وأرسل أبو حسنين نظرة ذات مغزى إلى مقر القاعدة البحرية في المعقل التي تقع قبالة بيتهم المجاور لجمعية المحاربين القدامى بحي الأندلس وهو يحدث نفسه rdquo; أين أسراب جنود البحرية الذين كانوا يزفون كالنوارس البيضاء وهم يدخلون ويخرجون من البوابة الكبيرة التي زينت بنصب تتحدث عن مجد البحارة العربrdquo;. وهز رأسه متأسيا وهو يجيب على سؤاله rdquo; لقد تحولت هذه القاعدة الكبيرة التي كانت تضوع برائحة البحر وصخب الجنود، إلى أطلال ومجمعات مبعثرة من بيوت الحواسمrdquo;.