الزواج المبكر في اليمن في قفص الخلاف
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
زهور البعداني من صنعاء:أصبحت قضية يبحثها المجتمع بعد أن كان أهم مطلب من متطلبات الزمن الماضي أو بمعنى أصح الجيل السابق، فكان من الطبيعي جداً أن تزف الفتاة بعد بلوغها مباشرةً أو عندما تصل لسن الخامسة عشرة كأقصى حد لعريسها الذي لا يتجاوز العشرين من عمره، وتبدأ رحلة الحياة بحلوها ومرها لينجبا الأولاد الواحد تلو الآخر.
وبالعصر الراهن أصبح الزواج المبكر موضة قديمة ينظر لها شبابنا على أنه تخلف ورجعية بل ويعتبره البعض ظلم يربط مصير الفتاة أو الشاب بقيود ومسؤوليات الحياة.
الزواج المبكر بين مؤيد ومعارض
1- الولادة المبكرة.
2- الولادة عبر عملية قيصرية نتيجة صغر حجم الرحم.
3- المشاكل الجنسية.
4- عدم التوافق بين الزوجين.
5- عدم مقدرة الزوجين على تحمل مسؤولية الأسرة من أطفال ومنزل وخلافه.
6- والمشاكل الاجتماعية المستمرة التي قد ينتج عنها الطلاق، هذا صحيا.
أما نفسياً فتتحدث أستاذة الطب النفسي نبيلة فوزي قائلة: "الزواج المبكر يعود بأضرار نفسية على الفتاة صغيرة السن وتدهور حالتها الصحية والبدنية والعقلية نتيجةً لعدم تقبلها العيش مع شخص أكبر منها سناً وخروجها عن جو المألوف الذي كانت تعيشه مع أسرتها سابقا، وكثير من الأضرار النفسية السيئة التي تنعكس سلبا على نفسية الفتاة؛ حيث قد تؤدي إلى إخضاعها للعلاج النفسي ومحاولة إعادتها لوضعها الطبيعي السابق".
الدكتورة ثرية العبسي -متخصصة نساء وتوليد- تقول من الناحية الصحية: "الزواج المبكر أفضل للمرأة وهي ما بين 18-25 سنة، لأنه بعد ذلك توجد صعوبات في الحمل والولادة ونسبة العقم، وتزيد هذه الصعوبات كلما ارتفع سن الزواج، ومن ناحية أخرى ثبت أن الزواج يقي الرجال والنساء متاعب الصداع العارض والمزمن، حيث يساعد الشعور النفسي بالعلاقة المستديمة المستقرة على تخفيف حدة اضطراب الجسم وعلى إفراز هرمونات السعادة بكم أكبر من هرمونات القلق والخوف والحزن".
فيما الأستاذ منذر إسحاق أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب بتعز قال: "الحديث عن الزواج المبكر باعتقادي ظاهرة اجتماعية بدأت تقل عن ما كانت عليه سابقا، واعتقادي هذا يعود لعدة عوامل مؤثرة من ضمنها العامل التعليمي وزيادة الوعي وتعليم وتثقيف المرأة، بحيث أصبحت المدارس والجامعات تشهد أعدادا متزايدة من الفتيات للالتحاق بالتعليم ويترتب على ذلك التحاقها بسوق العمل، وإن كان ما يزال بنسب ضئيلة، لكنه يمثل تغيراً اجتماعياً ملحوظاً عن ما كان عليه الأمر سابقا".
الجانب الاقتصادي: ازدياد نسبة الفقر، وتدني مستوى الدخل على صعيد الفرد أو المجتمع اليمني ككل، أيضا أسهم بتأخر سن الزواج ليس فقط لدى الإناث بل الذكور أيضاً، لأن الزواج يعني تحمل مسؤوليات وأعباء أسرية واقتصادية في ظل تدني مستوى الدخل المعيشي؛ ليصبح من الصعب الإقبال على الزواج سواءً للذكور أم الإناث، يعزز هذا العامل عامل ثالث هو البطالة التي تنتشر بشكل كبير في صفوف الذكور وبشكل أكبر في صفوف الإناث رغم المساعي الحثيثة من قبل الإناث للحصول على نسب عمل سواءً كان ذلك في التمثيل السياسي أم الوظيفي أم غيره، ولكن ما زالت الفتاة تعاني من البطالة، إضافةً إلى عامل التعليم وجد ما يمكن أن نسميه تغيراً ثقافياً ملحوظاً في المجتمع بحيث أصبحت فكرة الابتعاد عن الزواج المبكر فكرةً ملحة وقائمة، ولكن ليس من السهل تجاوزها بهذه السهولة أو السرعة.
ظاهرة الزواج المبكر:
ظلت منتشرة في المجتمع اليمني لفترة طويلة من الزمن ونحن الآن نخطو خطوة ناجحة نحو التخلص من هذه الظاهرة السلبية، ولكن ذلك لا يعني أننا تخلصنا منها فعلاً، فما زالت منتشرة في المجتمعات الريفية بشكل كبير، وفي مجتمعنا الطابع الريفي هو الذي يسود ليس لأن لدينا قطاعا واسعا من الريف، بل ظهور ظاهرة جديدة تسمى بترييف المدن بسبب نزوح أعداد كبيرة من الناس الريفيين إلى المدن وبالتالي نقل ثقافاتهم من عادات وتقاليد إلى المجتمع الحضري والعيش بثقافة الريف داخل المدن، وهذه من العوائق التي لا تزال تجعل من الزواج المبكر قضية اجتماعية حاضرة، ولكن باعتقادي الشخصي أن هناك مؤشرات تشير إلى أن هناك تراجع قد يكون محدود ولكنه ملحوظ بما يتعلق بهذه الظاهرة. وقد سعدنا جداً بقانون تحديد سن الزواج الذي صدر مؤخرا، أي نعم أنها ليست خطوة كاملة، ولكنها إيجابية جداً، فخير من أن نلعن الظلام أن نضيء شمعة.
قانونياً:
ذهبنا لنقابة المحامين والتقينا هناك بالمحامي فضل الخرساني ليفيدنا قانونيا حول ظاهرة الزواج المبكر حيث قال: "إن مثل هذا الزواج يعتبر باطلاً ولا صحة له لما يترتب عليه من آثار وعواقب وخيمة، وعلى ذلك فإن المادة رقم (10) تنص على أن كل عقد بني على إكراه للزوج أو الزوجة يعتبر باطلاً لأن من شروط العقد التراضي بين المتعاقدين، ولم يرد في القانون اليمني معاقبة ولي الأمر الذي يرغم ابنته على الزواج من دون موافقتها، إلا أن القانون أعطى الفتاة الحق أن تطلب فسخ العقد وأن تلجأ للقضاء لحمايتها، وفي هذه الحالة يحق للقاضي أن يفرق بين الطرفين. وفي مكتبنا تكثر مثل هذه القضايا والتي أنشأت لأجلها لجنة المناصرة التي نعمل من خلالها لحل هذه القضايا وإنهاء مأساتها وإبطال العقد، في السابق لم يكن هناك اهتمام بهذه القضايا، لكن الآن أصبح هناك اهتمام جاد وأنشأ القانون عقوبة للأمناء الشرعيين الذين يوافقون على عقد مثل هذه الزيجات، ومن أولياء الأمور من يزوج ابنته حرصا عليها والبعض الآخر طمعا في المادة، مع عدم مراعاة نتيجة أضرار الزواج المبكر، ما ساءني أن بعض خطباء المساجد الذين طلب منهم التوعية بخطورة ظاهرة الزواج المبكر ممن لديهم أفق ضيق ووعي رجعي رفضوا هذه الفكرة، بحجة أنه لم يرد نص قرآني يحرم تزويج الصغيرات". يضيف المحامي قائلا إنه منذ يومين أتت إليه "فتاة صغيرة السن معقود عليها برجل كبير في السن تطلب فسخ عقد نكاحها، وفعلاً حضرنا أمام المحكمة وتمكنا من إنهاء هذه المأساة وإبطال العقد".
الأستاذة هيام مدرسة في مجمع للبنات والتي تزوجت منذ سنتين تقول: "إنني أفضل زواج الفتاة وعمرها ما بين 20-25 سنة، أما إذا تأخرت عن ذلك فلا تستطيع أن تتكيف مع زوجها نفسياً واجتماعياً، ومرونة التكيف تكون أكثر مع الزوجة صغيرة السن، أما الفتاة الكبيرة في السن فقد حددت أهدافها مسبقا ولها نظرة ثابتة في الحياة مما يشكل عائقاً في تأقلمها مع حياتها الجديدة، كما أن الزواج المبكر يتيح فرصة أكبر للحمل والولادة وتنظيم الأسرة لإعطاء كل طفل حقه في الرعاية والاهتمام، حيث تكون الفتاة في قمة نشاطها البدني والعقلي وتكون قدرتها على التحمل، أكبر إلى جانب وجود طاقة وقدرة على العطاء العاطفي والنفسي والحركي، والمقدرة أيضاً على ممارسة الأمومة بنضج أكبر، وأنصح الفتيات بالزواج المبكر إذا أتاهن من يرضين دينه وخلقه، فبالزواج تحفظ الفتاة نفسها وتستقر نفسيا.
زميلي عبدالقاهر عبدالقوي موظف في صحيفة الثورة يحكي تجربته في الزواج المبكر يقول: "تقدمت لطلب يدها وهي في سن الثالثة عشرة سنة ووافق والدها فوراً، ولكنني في بداية الخمس سنوات عانيت كثيرا معها لأنها لم تكن تفقه شيئا من أمور الزواج، ولكن الحمد لله عدّت الأمور على خير وسلام، واليوم لدي منها أولاد وأنا مرتاح والحمد لله". ومن الطريف أن زميلنا عند سؤالنا له فيما إذا كان سيزوج ابنته لشخص أكبر منها رفض بشدة وقال: "لا أوافق ولن أسمح بذلك لأن ابنتي حينها ستكون صغيرة ولم يكتمل عقلها ونضجها في شيء ولن أزوجها إلا بعد أن تكبر وتتعلم". فسبحان الله! ما رضيه زميلنا لنفسه لا يرضاه لغيره.
خلال إعدادي لهذا الموضوع وبالصدفة فوجئت بجارتي تصرخ وتبكي فذهبت لأرى ماذا حدث، فسألتها: "ما الموضوع؟"، أجابت: بأن "ابنتها عادت إليها صباحاً مضرجةً بدمائها وتغطي الطعنات والحروق أجزاءً متفرقة من جسدها النحيل"، حيث أن جارتي سامحها الله هي وزوجها وطمعاً في العريس ومركزه وافقا على تزويج ابنتهما له، والذي بدوره أخذها وسافر بها لقضاء شهر العسل الذي لم ينقض نصفه إلا وبها تهرب عائدةً تستغيث وتستجير بجيرانها من الظلم الذي لحق بها، ليوصلوها بعد ذلك إلى أمها التي تبكي بحرقة وندم وتلوم نفسها على تفريطها في ابنتها.
رؤية الدين وممارسة المجتمع
الأستاذ محيي الدين رئيس قسم الدراسات الإسلامية قال في هذا الموضوع : "أولاً: قال تعالى: "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون"، وقال تعالى: "وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم"، وقال تعالى: "فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع"، وقال تعالى: "فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف"، للزواج مقاصد عديدة، منها: المحافظة على النوع الإنساني، سلامة المجتمع من الانحراف الخلقي، المحافظة على الأنساب، السكن الروحي والنفسي، حماية المجتمع من الأمراض الجنسية المختلفة بغياب الزواج الشرعي، تلبية حاجات النفس بالأمومة والأبوة. ومن ثم بعد أن استدليت بمحكم آيات كتاب الله العزيز أقول بأنه لم تحدد الشريعة الإسلامية سناً معيناً لعقد الزواج بل أجاز جمهور الفقهاء المتقدمين زواج الصغيرة أي دون البلوغ ولكن القوانين في بلادنا الإسلامية حددت سناً آخر للزواج حسب مزاجها، ومن هنا آتي لتعريف الزواج المبكر، إن المعنى الحقيقي للزواج المبكر من الناحية الطبية العلمية: هو الزواج قبل البلوغ فبالنسبة للفتاة الزواج المبكر هو زواجها قبل الحيض، وأما تسمية من تتزوج قبل الثامنة عشرة فإنه زواج باطل، فهذا لا يستند إلى قاعدة علمية، أو شرعية، أو إسلامية، فأمر الزواج مربوط بالبلوغ، والبلوغ عند الفتاة هو الفترة الزمنية التي تتحول فيها الفتاة من طفلة إلى بالغة، وخلال هذه الفترة تحدث تغييرات فسيولوجية وسيكولوجية عديدة، والبلوغ ليس بحدث طارئ، وإنما هو فترة من الزمان قد تتراوح ما بين سنتين وست سنوات، ويرتبط بعوامل جينية وراثية، وعوامل معيشية، وصحية، وفي آخر هذه الفترة يحدث الحيض، وعندها تصبح الفتاة بالغة، أما سن البلوغ فيتراوح ما بين تسعة إلى ستة عشرة سنة.
الدعوة إلى تأخير سن الزواج وما ادعي فيه من المخاطر والأضرار فإنها غير صحيحة، وقد استندوا بذلك إلى أعذار واهية كحرمانها من التعليم، وبأنها ما زالت غير قادرة على الحمل، وغيره من الأسباب الأخرى؛ كدعوى صغر حجم الأعضاء التناسلية عند الفتاة، وهذا الإدعاء مخالف لرأي الطب الذي قال، إن مرحلة بلوغ الفتاة تكون بين الثانية عشرة والرابعة عشرة، والإدعاء بزيادة الوفيات للأمهات الصغار جراء الحمل وسوء التغذية هو ادعاء غير مسلم، بالإضافة إلى أن الواقع يكذبه من خلال الحس والمشاهدة بالنسبة للوفيات، أما ادعاء سوء التغذية فهو بحاجة إلى زيادة وعي من البيت والأسرة والمدرسة والجامعة ووسائل الإعلام ودور الرعاية الصحية التي لو تم استخدامها بطريقة سليمة ودقيقة لأحدثت نقلة نوعية فائقة في هذا الأمر.