إيلاف+

سيارات متهالكة تجوب أرقى أحياء نواكشوط

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

تودروا: سيارات متهالكة تجوب أرقى أحياء العاصمة الموريتانية

محمد ولد الشيخ من انواكشوط: في ساحة كبيرة مقابلة للسوق المركزي بالعاصمة الموريتانية انواكشوط يتجمع عدد كبير من السيارات العتيقة، حيث تمثل تلك الساحة مر كزا انطلاق لما يعرف محليا بسيارات "تودروا" أو الخط الثابت التي تنقل باتجاه أحد أرقى أحياء العاصمة: حي تفرغ زينة. يشترك سائقو تودروا الساحة مع باعة التمر وبعض الباعة المتجولين حيث لا يبدو أن هؤلاء الشركاء قد وقعوا اتفاقية حسن جوار فالأصوات ترتفع بين الفينة و الأخرى بسبب الخلافات على المواقع.

تتميز السيارات العاملة في هذه الخطوط بأنها سيارات عتيقة ومتهالكة لم يعد لها حظ في المنافسة في الخطوط المفتوحة خصوصا مع حركة الاستيراد النشطة لمختلف أنواع السيارات. كما يتميز سائقوها بهدوء الطبع و الصبر الذي يقتضيه حال سياراتهم كثيرة المشاكل. أغلب هؤلاء شيوخ متقاعدون وجدوا في هذه المهنة شغلا لفراغ يحاصرهم ومصدر عيش لا يضايقون فيه.

الصبر عدتهم.

كثرة هذه السيارات نسبيا، ومحدودية مجال عملها إضافة إلى قلة الركاب كلها عوامل فرضت على السائقين طول الانتظار، فهم ملزمون بطابور يتقدم ببطئ شديد مع تقاطر الركاب. هكذا يجلس الواحد من هؤلاء أوقات طويلة داخل سيارته وربما تأخذه سنة نوم وقد ينال منه التعب فيستغرق في النوم في ظلها في حين يتبادل آخرون أطراف الحديث أو يلعبون لعبة الشيوخ في هذا البلد: لعبة الطاولة المعروفة محليا باسم "ظامت". أما البعض الآخر فيغتنم أوقات الطابور الضائعة في قضاء بعض حوائجه المتشعبة. بعد ما يأتي دور السيارة يدب نشاط جديد في سائقها فيبدأ بالتجول حولها مناديا على هذا وسائلا تلك وهو يردد وجهته حيث تنقسم السيارات في هذه المحطة الى نوعين: فمنها ما يتجه إلى الملعب الالومبي ومنها ما يتجه صوب حي سوكوجيم.

رحلة لا تخلو من متاعب!

يبدأ السائق الستيني أحمد يوم عمله باكرا حيث جاء في الصباح و أوقف السيارة ثم لعدم وجود ركاب انطلق لأداء بعض أعماله لكن بعد عودته تفاجأ بأن سيارته أصبحت في مؤخرة الطابور فقد حركها زملاءه حيث لا تحتاج أغلب هذه السيارات الي مفتاح شخصي بل يتم تشغيلها بتماس كهربائي بين أسلاك المحرك. وقف صاحبنا منتظرا دوره من جديد. وبعد فترة أمضاها بين الوقوف والجلوس والإضجاع أحيانا، جاءه الدور و بدأ يجمع الركاب مثنى و ثلاث حتى بلغوا الخمس، ثلاثة في المقاعد الخلفية و اثنان تقاسما المقعد الأمامي!. "بسم الله" قال الرجل محاولا تشغيل المحرك الذي لم يستجب إلا بعد محاولتين أو ثلاث. عندها انطلقت السيارة التي كانت من نوع R12 والتي لا تخفى عليها آثار تعاقب الجديدين مع الاستخدام المفرط. من الخارج خردة صدئة لا يوجد فيها مصباح تنبيه و بالكاد يمكن إغلاق أبوبها. أما من الداخل فالمقاعد مربوطة بالحبال ومن الأعلى يتدلى على رؤوس الركاب بقايا قماش كان يغلف السيارة من الداخل.
بعد الانطلاقة الصعبة بدأ السائق يكابد هموم السياقة التي تختلف عن المهنة العادية فمثل هذه السيارات يتطلب مجهودا عضليا لا بأس به فمحدد السرعة صعب المراس لا يأخذ وجهته إلا بعد عراك طويل حيث يصدر أصوات مزعجة يقابلها الشيخ الستيني بتأوهات تعبر عن استنفاذ المجهود. هذا إضافة إلى ما يبذله الرجل من جهد في هتافات يعوض بها زمار السيارة المتعطل منذ زمن.
و للركاب حظهم الموفور من متاعب الرحلة فبالاضافة الى الأصوات المزعجة و الهزات العنيفة التي تواكب طوال الرحلة فان روائح البنزين الكريهة تملأ أرجاء السيارة حيث لا يستخدم أغلب أصحاب هذه السيارات الخزان الاصلي لها بل يستبدلونه بقنينة 5 لتريضعونها مع محرك السيارة. و السبب في هذه "العملية الجراحية" هو تآكل الخزان بسبب الصدء اضافة الى أن أصحاب هذه السيارات ينتاهجون طريقة خاصة في التزود بالوقود دفعهم لها ضعف الدخل فهم لا يشترون أكثر من لترين أو ثلاثة قد يدفعون ثمنها من اجرة الركاب لأن الحصيلة اليومية بالكاد تكفي الملح من حاجات المنزل فلا يعود الواحد في اليوم الموالي الا بما يبدأ به دورته الأولى. ونتيجة لهذا التزود الضئيل فان السيارة تطل معرضة للتوقف في أية لحظة و عندها يكون على الركاب الانتظار حتى يأخذ السائق قنينته و يذهب الى المحطة لجلب الوقود!

زبائن العودة قبل الوصول

ما ان تصبح السيارة في وصط مقاطعة تفرغ زينة و تقترب نقطة الوصول حتى يبدأ السائق في الالتفات يمنة و يسرة بحثا عن زبناء جدد يصطحبهم في طريق العودة، و عندما يرى أحدهم ينادي عليه للتأكد من وجهته ثم يطلب منه الانتظارحتى يعود اليه. والدافع الى هذ الفعل الذي قد يبدو مفرطا في الشره هو أنه في طريق العودة تكون المنافسة مفتوحة فلا وجود للطابور و النظام.

حل اللغز!

قد يستغرب البعض أن يعمل مثل هذه السيارات المتهالكة في أرقى أحياء العاصمة لكن تفسير هذه المفارقة هو أن زبناء "تودروا" ليسو من سكان قصور تفرغ زينة الفرهة بل ان أغلبهم من العمال في تلك المنطقة من عمال بيوت و تجار و غيرهم اضافة الى بعض الطلاب و أصحاب الحاجات المؤقتة. ويجمع كل هؤلاء على أن "تودروا" على علاتها تخدمهم كثيرا بسعرها المقبول مقارنة بسيارات التاكسي العادية التي ترتفع أجرتها في المناطق الراقية.

سليمان ولد داداه طالب جامعي من مستخدمي "تودروا" يتفق مع الرأي السابق الا أنه - بحكم ثقافته - ينظر الى الموضوع من جهة أخرى فهو يرى أن هذا النوع من السيارات بمنظره السيئ يشوه منظر المدينة خصوصا بمرورها من شوارع كبيرة و مأهولة بمؤسسات أجنبية و بعثات دبلوماسية.
هكذا مع هذه الايجابيات و السلبيات تظل "تودروا" تجوب شوارع العاصمة راسمة قصة كفاح أبطالها رجال رفضوا الرضوخ لعزلة التقاعد والبطالة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف