إيلاف+

العود.. سلطان العطر والبخور

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

فضل الحبيشي من عدن: العلاقة بين التطيّب والإنسان علاقة حميمة عتيقة منذ زمن طويل ظلت قوية ومتألقة على مدى آلاف السنين، وكان العود هو الملك المتوّج الذي ظل يتربع على عرش التطيب والبخور على مر العصور، وحتى يومنا هذا، وإلى ما شاء الله.

ترى ما هي أشجار العود؟ وكيف تتكون مادة العود؟ وما هي أسرارها وخفاياها؟
محمد غيلان الدبعي أحد الاختصاصيين في تجارة العود، يقول: العود هو الاسم العربي، وله أسماء أخرى: هندية، كمبودية، بنغالية، إيرانية وصينية. وهو عبارة عن شجرة دائمة الاخضرار يصل ارتفاعها إلى نحو 20 مترا، ويتراوح عُمرها ما بين 70 - 150 عاما، تنمو في الغابات الاستوائية وشبه الاستوائية في قارة آسيا.

وتابع قائلا: تتواجد في الهند وكمبوديا وإندونيسيا وماليزيا وفيتنام، وتتركز زراعتها في الأراضي الجبلية غير العالية والسفوح المنخفضة ذات الأتربة الرملية.

ويتحدث الدبعي عن تكون العود بقوله: يتكون بفعل التغيّر في ساق الشجرة الاسطواني الشكل والأملس، وخاصة في المنطقة القريبة من الجذر أو التربة، إذ تصاب هذه المنطقة بأنواع من الفطريات تبدأ في الجزء الأسفل، وتبدأ بالانتشار تصاعديا داخل ساق الشجرة التي تفرز بدورها مادة تتفاعل مع الفطريات وتؤدي إلى تحول خشب الساق الأبيض الرقيق إلى خشب داكن اللون، ما بين البني والأسود، فيكتسب دهونا وزيوتا طيّارة تصدر رائحة عطرية زكية تسمى "العود"، الذي تزداد جودته كلما زادت كميّات الفطريات فيه.

وفي رده على سؤال حول انقراض شجرة العود بفعل القطع والاستهلاك غير المقنن، قال الدبعي: هذا صحيح إلى حد ما، والحقيقة التي لا يعرفها أكثر الناس أن أشجار العود لا تصاب جميعها بالفطريات لكي تنتج مادة العود، ولكن يصاب منها فقط 25 بالمائة. ولهذا كاد العود أن ينقرض لولا تدارك القائمين على هذا المنتوج، وقيامهم بإجراء عمليات أشبه بالتهجين أو التطعيم بدلا من الانتظار سنوات طويلة، حيث يضعون هذا النوع من الفطريات التي يأخذونها من الأشجار المصابة داخل سيقان النوعية نفسها من الأشجار غير المصابة بعد جرح ساق النبات جرحا عميقا وتشكيل أنفاق وممرات فيه لتسهيل نمو الفطريات وانتشارها وتفاعلها مع المواد التي تفرزها الشجرة بصورة طبيعية.

عملية الاستخراج
ويتابع خبير العود والبخور حديثه عن عملية استخراج العود قائلا: هذه العملية تسمى الحصاد والتقطيع، وتتم عادة في فصل الشتاء أو موسم الجفاف، وذلك بانتزاع أشجار العود بفصل أسفل الساق عن الجذور بواسطة عمّال مهرة، وقطع الأجزاء المصابة فقط؛ لأن الشجرة لا تصاب كلها بالفطريات، ثم يقومون بتنظيف وعزل الأجزاء المصابة عن غيرها وتخليصها من المواد الخشبية العالقة بصورة دقيقة ومتأنية، وتقطع باستخدام معدات نحت. بعد ذلك تبدأ عملية التلميع باستخدام آلات تشبه "المبرد" غير الحاد، ثم تقطّع هذه الأجزاء إلى شرائح، حسب الطلب، بآلة تسمى "المدق"، بحيث لا تُرمي النفايات الناجمة عن عملية التقطيع والدق بل يتم الاحتفاظ بها لتستخدم في صنع "دهن العود".

وعن عملية الفرز قال إنه يجري تنفيذها بواسطة خبراء في هذا المجال، يقومون بفرز العود حسب معياري اللون والوزن، وتصنيفه إلى عدة أصناف:
أولا : العود (دبل سوبر) ويعتبر أثمن الأصناف وأغلاها، حيث يمكن أن يصل سعر الجرام الواحد عندنا هنا في اليمن إلى أكثر من ستة آلاف ريال، ويتميّز بلون أسود داكن وثقيل الوزن وصلب نوعا ما، وله رائحة نفاذة قوية.

ثانيا: العود "سوبر" يكون أقل دكونة وأقل وزنا وسعرا من الأول.

ثالثا: العود (المتوسط) لونه بني فاتح، ويعتبر أقل وزنا من سابقيه.

رابعا: العود (العادي) ويكون لونه بنيا مائلا إلى الصفرة، وهو الأدنى سعرا.

خامسا: العود (الدقّة) وهو ناتج عن تكسر وتقطيع خشب العود وعملية الاستخراج، ويعتبر خليطا من كل الأصناف، وتكون أسعاره أحيانا متوسطة.
وماذا عن استخراج دهن العود؟ هذه العملية غالية التكاليف جدا، جدا، وبما أن عملية تقطير خشب العود الممتاز عالي الجودة مكلّفة جدا، فإن سعر الدهن من الطبيعي أن يكون سعرا خياليا. لذا ما يتم تقطيره في الغالب خشب العود الأقل جودة والناتج عن أعمال تنظيف الأجزاء المصابة والمخلوطة مع الأجزاء الأدنى جودة.


*كيف يقطّر؟

-بداية يقطع خشب العود إلى قطع صغيرة جدا، أو يطحن، ويحول إلى مسحوق، ثم توضع القطع الصغيرة أو المسحوق في المياه لفترة تتراوح ما بين 15-30 يوما، حتى تحدث عملية التخمّر التي تساعد على تحويل جزء منه إلى مادة شمعية. بعد ذلك يوضع المنقوع في "قدور" تقطير تختلف سعتها حسب الحاجة، وقد تحتوي كمية من 10- 300 كيلوجرام، ثم يتعرض للنار (نار الحطب) التي تتميز بقوة لهبها وبطء احتراقها لمدة لا تقل عن 60 يوما، إلى أن يتغيّر لون العود نفسه ويصبح سائلا لزجا، يتم بعدها التقطير عبر أنبوب التقطير، فيجمع الدهن المتواجد على سطح الماء في وعاء الجمع عند طرف أنبوب التكثيف، ثم يجمع الدهن باليد، وذلك بوضع الكف في الوعاء ليعلق الدهن بها، ويتم حكه بالجفنة (وعاء بيضاوي مفتوح) ليسيل إلى داخلها، وفي المرحلة النهائية يوضع الدهن المتجمّع في إناء غير مغطى لفترة لا تقل عن 30 يوما مع تعريضه لأشعة الشمس ليتبخر ما علق به من ماء، وبذلك يستخلص دهن العود الصافي، إنهاء عملية معقّدة وغالية الثمن.

معمول البخور وعيدان "الند"
*هل معمول البخور وند البخور الموجود في الأسواق هو من العود؟
- نعم، ولكن دعني أشرح لك كيف: عند ما تتم عملية استخراج الدهن تنتج عنها مادة متخلفة أو بقايا تسمى "العود المدقوق"، رائحتها غير نفّاذة، وتعتبر أردأ الأنواع، لكن يمكن إضافة قليل من السكر المذاب إليها مع بعض العطور لإنتاج "معمول البخور"، أو تضاف إليها بعض الروائح العطرية والأصباغ لتصنيع عيدان "الند"، التي تباع في أسواقنا اليمنية بأشكال مختلفة.
وعن الفوائد الأخرى للبخور يقول: بحسب ما أعرفه، أن الخشب الأبيض الخفيف غير المصاب بالفطريات لا يرمى ولكنه يستخدم في صناعات أخرى كالسبح (جمع مسبحة)، وأقلام الرصاص، بينما يدخل منقوعه في بعض العلاجات العشبية كعلاج الديدان والنقرس والروماتيزم ومقوي عام، أما دخانه يستعمل كطارد للحشرات، مثل: البعوض، وما شابه.


* كيف نعرف أن العود مغشوش؟
-أساليب كثيرة للغش. منها صبغ العود الرديء والأقل جودة بلون قريب من اللون الأصلي ووضعه على الجمر حتى تطلع منه فقاعات شبيهة بالأصلي. ومن الغش أيضا: خلط نوعيات رديئة بأصلية أو إضافة زيت القطن إلى دهن العود الأصلي لتزيد كميته، وغيرها من الأساليب.
أما كيف نعرف المغشوش: فهذا صعب بالنسبة لعامة الناس، لكن بالنسبة للمشتغلين المتخصصين في مجال العطور يتم اكتشافه من خلال رائحته ومذاقه، ولنتذكر في كل معاملاتنا التجارية قول الرسول الكريم {من غشنا ليس منا}.

*هل يمكن زراعة أشجار العود في اليمن؟
-في الحقيقة، لا؛ لأن ظروف نمو هذا النبات غير متوفرة في اليمن. فلا بُد أن تتوفر لهذه الشجرة بيئة موائمة وخاصة جدا، ودرجة حرارة ورطوبة معيّنة، وظروف أخرى عديدة مساعدة ليست متوفرة، إلا حيث شاء الخالق أن تكون.
هكذا، تبقى الأشجار المنتجة للعود ومستخلصاته سرا من أسرار الكون البديع الذي يقف المرء أمامه طويلا يتأمل إعجاز الخالق في كيفية صنعه ونشأته ومراحل تكوينه.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف