إيلاف+

رسائل الفلاح المصري الفصيح إلى الرئيس أوباما

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

السفارات والمواقع الأميركية تتلقى كمية هائلة من شكاوي البسطاء
رسائل الفلاح المصري الفصيح إلى الرئيس أوباما


نبيل شرف الدين:للمصريين تراث طويل مع الشكوى، يضرب بجذوره في ذاكرة التاريخ القديم، ولعل أبرزها ما كتبه "الفلاح الفصيح" من قطع أدبية تفيض رقة وعذوبة إلى الحاكم الفرعون، والتي كان يشكو فيها مظلمته من حاكم الإقليم، وهي النصوص التي دفعت المؤرخ الكبير جيمس هنري برستيد إلى حد وصف هذا الفلاح الفصيح بأنه أحد "الأنبياء الاجتماعيين" الأوائل في تاريخ الإنسانية المعروف.
هذه الظاهرة تجلت بوضوح قبل وأثناء وحتى بعد زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما لمصر، فالرجل بجاذبيته ومغناطيسيته الشعبية لم يمثل حلماً أميركياً فحسب، بل لعله أصبح حلماً إنسانياً لكافة المظلومين والمهمشين، ومن هنا فقد تدفقت على السفارة الأميركية في القاهرة كميات ضخمة من الرسائل سواء الورقية أو الإليكترونية التي حملت قصصاً وشكايات تراوحت بين الشؤون السياسية العامة، وأخرى شخصية للغاية، وإن كانت الولايات المتحدة طرفاً فيها بدرجة أو أخرى، كأن تكون هناك زوجة أميركية، أو شركة أو مؤسسة أميركية يعمل لصالحها الشاكي أو غير ذلك من التفاصيل التي لا حصر لها.

لكن هناك من يرى الأمر على نحو آخر، وهو أن هؤلاء الذين اختاروا أن يبرقوا أو يرسلوا عبر البريد الإليكتروني للرئيس الأميركي ضاقت بهم السبل، ولم يعد أمامهم من رجاء سوى هذه القفزة في المجهول، "لعل وعسى"، فهي مجرد خطوة لن يخسروا بالإقدام عليها شيئاً، وليس مستبعداً أن تحدث المعجزة وتتحقق الاستجابة لمشكلات تبدو من فرط تعقيدها مزمنة، ويجري تداول بعضها في ساحات المحاكم سواء داخل مصر أو في الولايات المتحدة.

كما أن بعض هذه الشكاوي الآخر ينتقل في أروقة الإدارات القنصلية ومكاتب وزارتي الخارجية المصرية والأميركية، كقضايا العمل لدى جهات أميركية ومنازعات الملكية، والزواج والطلاق ورؤية الأبناء وغيرها من المشكلات التي يكون فيها طرف أميركي، سواء كان هذا الطرف زوجاً، أو رب عمل أو غير ذلك.
وسننحي جانباً مقالات الرأي التي تنشرها الصحف، مع احترامنا بالطبع للكتّاب المحترفين، وكل ما نشروه من مطالب ينشدونها من الرئيس أوباما، ودعونا في هذه السطور نقلب جانباً مما تيسر لدينا ـ عبر مصادرنا الخاصة ـ من الرسائل التي بعث بها عشرات من المصريين البسطاء إلى الرئيس الأميركي سواء عبر البريد الإليكتروني، أو البريد العادي على عنوان السفارة الأميركية في القاهرة، أو حتى عبر مواقع الخارجية الأميركية والبيت الأبيض على الشبكة.
وتضمنت الرسائل التي حملها البريد الإليكتروني والعادي إلى الرئيس الأميركي دعوات إلى العمل على دفع عجلة الإصلاح السياسي وتعزيز حقوق الإنسان والحريات العامة، فضلاً عن مواجهة انعكاسات الأزمة المالية الاقتصادية العالمية وما سببته من خسائر، خصوصا في الدول النامية والتي تقع معظمها في العالمي العربي والإسلامي، اللذين وجه إليهما أوباما كلمته التاريخية عبر منبر جامعة القاهرة.

شكاوي رسمية وشعبية
وكما أسلفنا فوفقاً لمصادر في السفارة الأميركية في القاهرة فقد تلقت كمية هائلة من الرسائل بعضها من مؤسسات حقوقية ومنظمات ناشطة في المجتمع المدني، ولكن أيضاً بعضها الآخر من مواطنين مصريين عاديين، وتتضمن حزمة من التطلعات تجاه السياسات الأميركية في مصر والمنطقة، وهناك أيضاً شكاوى خاصة وأحياناً وشخصية يتعلق كثير منها بمشكلات فيها طرف أميركي، ولكن هناك شكاوى مصرية بحتة لا تخص أميركا من قريب ولا من بعيد.

وانتهزت المراكز الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني في مصر فرصة زيارة الرئيس الأميركي للقاهرة، وبعثت برسائل تفاوت مضمونها بين الدعوة لحث مصر على احترام حقوق الإنسان فضلاً عن التقارب بين العالمين الغربي والشرقي بدلاً من صراع الحضارات.

كما وجهت عدة أحزاب صغيرة رسالة إلى أوباما دعته فيها إلى ما أسمته وقف التدخل الأميركي في الشؤون المصرية الداخلية، وأشارت الأحزاب التي لا تحظى بأي تأثير شعبي يذكر إلى تقارير الحالة الدينية وحقوق الإنسان، فضلاً عن استضافة الكونغرس الأميركي لشخصيات مصرية، والتي وصفتها رسالة الأحزاب الهامشية إن توجهاتها معروفة بالعداء لمصر وأنها تستهدف النيل من سمعتها ومكانتها، كما تقول تلك الأحزاب المصرية التي يتندر عليها الوسط السياسي بوصفها بتعبير "أحزاب الأنابيب"، بالنظر لمحدودية دورها وسيرها في فلك السلطة من بوابة التعددية الشكلية التي لا تمثل معارضة جدية.

كما دعا مركز حقوقي أوباما إلى توجيه جهوده خلال المرحلة المقبلة للعمل على إنهاء سياسات وأفكار صراع الحضارات، وطالب مركز "ماعت" للدراسات القانونية والحقوقية الرئيس الأميركي بالاعتذار عن سياسة سلفه جورج بوش.
وفضلاً عن رسائل المنظمات والمراكز الحقوقية فقد أشار مصدر في السفارة الأميركية بالقاهرة إلى أنها تلقت رسائل حتى من مواطنين بسطاء يواجهون مشكلات عادية بعيدة عن السياسة، وأشار المصدر إلى أن السفارة تهتم بهذه الرسائل وتحيلها لجهات الاختصاص المعنية سواء في القاهرة أو واشنطن.

وحول طبيعة الشكاوي التي تصل لمكاتب كبار المسؤولين عموماً سبق أن قال سامي شرف مدير مكتب الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر إن مكتب الرئيس كان يستقبل يومياً سيلا من شكاوى المواطنين وصلت في بعض الأحيان إلى أكثر من 100 ألف رسالة يومياً ، كان أغلبها شكاوى واستغاثات من تجاوزات يرتكبها موظفو الحكومة، أو تعسف المسئولين المحليين، مؤكداً أن هناك إدارات كاملة تصنف هذه الرسائل وتفحصها وتعرض ما يستحق منها على الرئيس شخصياً لقراءتها بنفسه.

وعن تفسيره لهذه الظاهرة يرى المسئول المصري السابق أن كثيرا من المواطنين يعتبرون رئيس الجمهورية هو ملاذهم الأخير لرفع مظالم وقع عليهم من مسئولين حكوميين، ويتوقعون أن ينصفهم الرئيس، وكان هذا يحدث بالفعل ربما لأن شخصية الرئيس الراحل عبد الناصر تحديداً كانت تشجع المواطنين على الاستعانة به لإنصافهم والوقوف بجانبهم، وكان الرجل يتمتع بكاريزما شعبية معروفة جعلته قريباً من البسطاء.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف