إيلاف+

قبائل الغجر الرحّل بين البنجاب وجبال كشمير الحرة

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

عبد الخالق همدرد: القبائل الرحل جزء من المجتمعات في الكثير من البلدان في العالم ولا سيما منطقة جنوب ووسط آسيا وشمالي الصين وحتى أسبانيا والدول السكندنافية. وبحكم كون باكستان إحدى الدول الجنوب آسيوية إلى جانب كونها ذات مناخ ممتاز وفصول أربعة؛ فإنها تؤوي القبائل الرحل من البلوش والبشتون والغجر الذين ينتقلون من مكان إلى مكان مع قطعان الغنم والشياه والجمال.

وبما أن هناك بعض الرحل الذين لا يملكون قطعان الغنم إلا أنهم يعيشون حياة الرحل وينتقلون من مكان إلى مكان صيفا وشتاء؛ لكننا بصدد قبائل الغجر الرحل الذين يتنقلون بين البنجاب وجبال كشمير الشاهقة.

من الصعب تحديد عهد بداية هذا التنقل؛ لأن الرحل يقولون إنهم وجدوا آباءهم على هذا الوضع وهم على خطاهم. وهم جزء من قبائل الغجر الساكنين في المدن والأرياف الباكستانية إلى جانب الغجر في الهند وكشمير.

مسكن الغجر الرحل

الغجر قوم لا يخلو أي إقليم باكستاني منهم إلا أن معظمهم يعيشون في إقليم البنجاب ولا سيما الرحل منهم. والقبائل الغجر الرحل يقضون الشتاء في المدن الشمالية من البنجاب والمتاخمة لحدود كشمير الحرة؛ لأنهم يجدون المناخ مناسبا إلى جانب توافر العشب والكلأ لدواجنهم. كما وأن فرصة العمل في الحقول وقت الحصاد تكون متاحة. ويكسبون في موسم الحصاد من المال الذين سيقضون به الصيف في الجبال.

السفر إلى جبال كشمير

تحظى باكستان بمناخ ذي أربعة فصول: الربيع والصيف والخريف والشتاء. وهي تكون ملموسة في المناطق الشمالية والغربية منها بكل وضوح. يبدأ الربيع في البنجاب بعد 15 من شهر مارس؛ وهو وقت يبدأ الرحل فيه استعدادهم للمغادرة إلى كشمير، بينما الربيع في المناطق العليا من كشمير الحرة يبدأ في منتصف أبريل بعد ذوبان الثلوج.

المسافة والمدة

تتراوح المسافة بين مشيت الرحل ومصيفهم بين 400 - 600 كيلو متر تقريبا. وهم يقطعون هذه المسافة في 20 - 30 يوما وذلك أيضا مشيا على الأقدام وبرفقة قطعانهم وأسرهم. ولا يركبون السيارات إلا نادرا أو في حالة ضرورية. ومشهد هذه القوافل يكون جميلا إذ يتضمن الخيل والبغال والشياه والمعزى؛ لكن لا وجود للبقر والجواميس في هذه القوافل. ولعل سبب ذلك يعود إلى طبيعة الجبال وانعدام قدرة البقر والجاموس على امتشاق مشاق السفر والتأقلم مع الجو.

توزيع الأعمال

الغجر الرحل يعيشون في أسر مترابطة ويكون الوالد كبير الأسرة بينما أولاده يسافرون معا وإن كانوا مستقلين في الممتلكات. والمرأة الغجرية لها دورها البارز في حياة الرحل وهي تتوزع المشاق مع الرجل على حد سواء، بل وأكثر في بعض الأحيان.

في الصباح الباكر تستيقظ الأسرة لتبدأ السفر. الرجال يقومون باقتياد القطيع بعد تناول فطور قد يكون كوبا من الحليب والرز المغلي أو خبز وسمن. وبعدها تحزم المرأة الحقائب - إذا صح التعبير- وتلف الخيام وتضعها على الخيل والبغال والطفل يساعدها في هذه الأعمال.

كيفية السفر

العجائز والأطفال الصغار يركبون الخيل. والأطفال الذين لا يقدرون على استلام زمام الخيل يتم ربطهم على ظهر الخيل بالحبال. وقد يكون على فرس واحد بين اثنين إلى أربعة أطفال. كما يربطون الحيوانات المصابة والحملان والفصلان على الخيل والبغال. والمرأة تمشي خلف قطار الخيل والبغال بينما قد تكون تحمل طفلا على ظهرها داخل رداء يكون أحد طرفيه مربوطا برأسها والآخر بخاصرتها.

وبعد منتصف النهار توقف القطعان تحت الأشجار المظللة إذا كانت أو على قارعة الطريق لأخذ قسط من الراحة. بينما الغداء لا يكون كالعادة بل يتناولون ما يتوفر لديهم من المأكولات والمشروبات.

يستمر السفر إلى وقت قبيل غروب الشمس. وعند ذلك تقف قافلة النساء التي تحمل الأغراض وتضرب الخيام وتبدأ المرأة في إعداد العشاء. ويصل الرجال مع القطعان إلى المنزل بعد ذلك؛ لأنهم يمشون بطيئين بسبب منح الغنم فرصة للرعي. ثم تجتمع الأسرة وتقضي الليل في مكان واحد؛ سوى أن الرجال يحرسون القطيع مع كلابهم التي لا تتخلف عن الغنم بل وإنها تساعد الراعي كثيرا من الأحيان في حماية القطيع. وهذه الكلاب التي تكون بالنهار مثل الكلاب المهملة، تتحول إلى أسود ضارية بالليل. وبناء عليه فإن الغجري يحب كلبه أيما حب.

وعلى نفس المنوال يستمر السفر إلى أن تصل الرحل إلى منازلهم في جبال كشمير. ومن المعروف أن الناس في كل مكان ليسوا سواء. وبالتالي فإن الرحل في بعض الأحيان يتعرضون للخشونة من أهالي المدن والقرى التي يمرون بها؛ لأنهم يشكون من حيواناتهم التي تقضم من حقولهم أو تضر بأشجارهم؛ إلا أن معظم السفر يكون هادئا آمنا.

في الجبال

يصل الرحل إلى جبال وادي نيلم وجهلم في كشمير الحرة أول شهر مايو أو أواخر شهر أبريل. ويلقون عصيهم بعد ضرب الخيام. وهنا أيضا تقيم الأسرة معا لتتمكن من مساعدة بعضها البعض عند الحاجة. ومن الغريب أن قطيع الغنم يكون على بعد من المخيم. والرجل هو الذي يتولى رعي الغنم نهارا وحراسته ليلا، بينما المرأة تبقى في المخيم مع الأطفال لاعمل لديها سوى جمع الحطب وطهي الطعام والاشتغال بصناعات يدوية.

أما الرجال الذين يمكن الاستغناء عنهم فإنهم إما يتوجهون إلى المدن للقيام بعمل يساعدهم في كسب مال أو يبقون في المخيم بدون أي عمل. كما وأن البعض يتوجهون إلى القرى المجاورة من أجل العمل وقت الاحتشاش أو أي أعمال أخرى، في حين يعمل البعض في تأجير الخيل والبغال.

مصدر الدخل

في منتصف الصيف يتوجه تجار المواشي إلى مخيمات الرحل لشراء الغنم منهم. ويباع الغنم في المروج بحساب الوزن. وهذه الحيوانات تُنقل فيما بعد إلى الثكنات العسكرية على الحدود التي تنزل فيها الثلوج؛ لأن الجيش يشتري الحيوانات لأكلها في الشتاء. وهذه الحيوانات هي الثروة الوحيدة للرحل وهي التي تؤمن لهم المال نقدا. كما وأن بعضهم يحضرون الحيوانات الجاهزة للبيع إلى المدن خلال موسم الأضاحي.

نهاية الصيف

مع بداية شهر سبتمبر يبدأ الجو في الجبال في التغير إذ ينتهي الصيف ويصبح الجو لا يطاق مع مرور كل يوم. كما وأن الثلوج أيضا يبدأ في الهطول. وعندئذ يبدأ الرحل في التفكير في العودة؛ لكن سفر العودة يستهل بعد منتصف سبتمبر. ويعود إلى الطرق مشاهد القطعان والقوافل. ومع نهاية أكتوبر يكون كافة الرحل قد عادوا إلى مشيتهم في المناطق الشمالية من البنجاب.

الغجري والكرم

ورغم جميع المشاق التي تحوم حول حياة الغجري طول السنة، إنه عادة يكون كريما ومضيافا في مخيمه في الجبال ويقدم إلى ضيفه ما يكون لديه من المأكولات ومعظمها تكون من منتجات الحليب.

التعليم

وبسبب الحياة المتنقلة بين الجبال والأرياف فإن نسبة الأمية مرتفعة جدا بين القبائل الرحل. وقلما يوجد بين المئات منهم من يستطيع القراءة والكتابة. أما الأمور الدينية فإن الكبار منهم يعلمون الصغار ما عندهم من العلم عن الصلاة والصوم صدرا عن صدر.

النضال في كشمير والغجر الرحل

أثر النضال المسلح في كشمير في العقد الأخير من القرن المنصرم سلبيا، إذ اضطر الكثير منهم إلى بيع غنمهم وشراء قطعات أرض بها في الأرياف لقضاء الحياة هناك، بسبب انسداد الطرق المؤدية إلى وادي نيلم في كشمير الحرة.

وقد تجدهم يتأسفون على الحياة الماضية عندما كانو يسافرون مع قطعان الغنم إلى المصائف والمروج في الجبال. وقد استذكر عجوز جالس تحت شجرة مع أحفاده في قرية قرب راولبندي الوقت الذي قضاه في جبال كشمير في يوم شديد الحرارة وجميعهم يتصببون عرقا، ولخصه في زفرة وقوله: " آه! كيف أنسى المياه العذبة الباردة التي كنت أشربها في جبال كشمير... ولا سبيل إلى العودة إلى تلك الحياة الجميلة لأنني قد بعت غنمي واشتريت بها قطعة أرض أقمت عليها كوخي.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف