إيلاف+

صيادون لبنانيون يطاردون لقمة عيشهم في البحر

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

حنان سحمراني من بيروت: لم ينتبه أمين حين كان يجدّ في تجريد شباكه من الأسماك التي التقطها هذا الصباح لأحد القطط الهائمة حوله كعادتها حين تناول سمكة "لؤز" كبيرة بفمه وهرب بها.. لم يكن أمامه سوى أن يركض خلف القط بمشهد كوميدي أضحك كل من كان موجودا هناك. وفعلاً إستطاع بكثير من الجهد ومع إنقطاع أنفاسه أن يصل إلى القط الجائع المسكين الذي أجهد نفسه أكثر من أمين بحمل السمكة الثقيلة. إختطفها منه أمين سريعاً وألقاها في سلته، لكنه أشفق عليه وأرضاه بخنزيري بحر صغيرين ربما أرتاى انه يعطيه من خلالهما جائزة ترضية على مجهوده الماراثوني الذي لم يكتمل.

ينشط صيد الأسماك على امتداد الشواطىء اللبنانية حيث يوجد 3000 صياد سمك رسمي تقريباً يعتاشون من هذا المورد الوحيد لهم، والذي تتخلله بطالة موسمية معروفة بسبب أحوال الطقس شتاءً، وبطالة سياسية تفرضها مراقبة الشواطىء اللبنانية عبر بحرية العدو الإسرائيلي الذي حد من إبحار الصيادين في عمق المياه ومنعهم من ممارسة عملهم بحريّة.

في هذا السياق إستطلعت إيلاف في جولة لها على الشواطىء اللبنانية آراء عدد من الصيادين اللبنانيين الذين عرفونا على الصيد البحري وأنواعه ومشاكله وأهميته كمورد عيش لهم.

الجاروفة

أحمد صياد لبناني عجوز يمارس عمله منذ أكثر من أربعين سنة يرفع قبعته القش البالية فتظهرعلى ملامحه السمراء المتجعدة خبرته وحكاياته مع البحر.. يخبر أحمد إيلاف عن "الجاروفة" وتتم هذه الطريقة عبر مد حبال يبلغ طولها خمسة أمتار على اليمين وخمسة أمتار على الشمال كذلك في المياه، يتوسطها عشرون متر شباك. ويقف على كل جانب ستة صيادين يشدون الحبال حتى يتم سحبها إلى الشاطىء، وبعد وصولها يكون في آخر الشبك "عب" كبير ممتلئ بجميع انواع الأسماك حيث يقوم الصيادون بفرز الأسماك كل نوع وحده. وبعدها يقومون بلف الحبال وتنظيف الشبك من الحشائش البحرية والطحالب، وتتم هذه الطريقة في الشواطىء الرملية كشاطئ صور جنوباً والرملة البيضاء في بيروت. ودائماً ما يرافق هذه الطريقة جمهور كبير من الناس يحتشدون للتمتع بالمشاهدة ورؤية أنواع الأسماك المتعددة.

الأشراك

أما الصياد عمر فيحدث إيلاف عن طريقة أخرى للصيد البحري هي الأشراك التي تتألف من 150 خيطا وأكثر في رأس كل واحد منها سنارة، يمدهم الصيادون في الليل ويأتون في الصباح ليروا حصيلة ما إصطادوه فيه من أنواع الأسماك. ويضيف عمر أن هناك نوعا آخر من أنواع الصيد البحري المبطن وهو عبارة عن شبك يوضع في البحر يتقلص تدريجياً حتى يصطدم به السمك ويعلق في الشبك وبعدها يتم سحبه وفرز الأسماك منه.

الجرجارة

،يخبر إيلاف سليم عن طريقة طريفة لإصطياد الأسماك وإسمها الجرجارة وهي عبارة عن ثلاث سنانير مربوطين ببعضهم البعض يوضع عليهم ريش دجاج أو ريش ديك حتى يتم إخفائهم عن الرؤية. يربط أحد الصيادين الخيط الطويل بمركب سريع وينطلق بمركبه وخلال إسراعه تلمح الاسماك الريش فتسبح ناحيته إعتقاداً منها انه سمكة فتهرع لإلتهامها عندها تعلق في السنارة وخاصة أسماك البلاميدا (التونا) ليأخذها الصياد ويبيعها فيما بعد بسعرٍ مغرٍ.

إصطياد السردين

أما كيفية إصطياد السردين فيخبرنا الصياد عبد الواحد عن وجود مركب يسمى بالمبطنة في مؤخرته قاعدة لمصباح ضوئي كبير، وعادةً يتواجد في عرض البحر ما يقارب 25 مبطنة تضاء جميعها لتأتي أسماك السردين بآلاف الكيلوغرامات وتتجمع على الضوء، فيلقي الصيادون بشباكهم ويطوقون بها الاسماك بطريقة تجعل من الشباك تضيق على بعضها البعض من تحت الماء حتى تصبح أشبه بالبركة، عندها يحمل كل صياد دلوا كبيرا ويغرف به السمك ليضعه داخل المركب وتتكرر العملية حتى يتم إمتلاء المركب بعدها يتم إفراغه في مركب آخر لتصفية الأسماك من الماء. وتنتهي هذه الطريقة عادةً بإمتلاء مركب الصياد بحسب إتساعه بعدها يخرج شباكه ويتوجه نحو مراكز البيع ليوضع السمك في الأفراش (صناديق مخصصة مستطيلة الشكل وقليلة العمق) ويباع في المزاد طازجاً.

الديناميت

الديناميت أحد انواع الصيد البحري الخطر يعرفني عليها الريس جميل الذي يشيد بخبرته باقي الصيادين المتجمعين حوله، يسمح لي الريس جميل بتجربة النزول إلى مركبه الصغير الذي يعد مورد رزقه الوحيد، مع تحذيري من الإنتباه إلى خطواتي حتى لا أقع في الماء رغم تأكيدي له أنني أجيد السباحة.

يقول الريس إن الصياد عادةً ما يأتي بأصبع الديناميت ويضع في وسطه كبسولة ويقسم الفتيل من الرأس ليضع فيه عود كبريت، وعندما يشاهد الأسماك أثناء جولته بالمركب في عرض البحر يشعل الفتيل فيتصاعد البارود من الفتيل مع الكبسول ليرميه سريعاً في الماء. ويضيف الريس أن طول الفتيل يكون بحسب عمق الماء فخمسة أمتار يجهز لها القصير، أما العشرة فالطويل وذلك ليتسنى للصياد إصطياد الأسماك الأكبر حجماً.

أما إذا لاحظ الصياد أن كمية الأسماك كبيرة جداً فهنا يرمي بأكثر من إصبع ديناميت مربوطين ببعضهم البعض بإسم "حزمة"، ليتم بعدها إنتشال الأسماك العائمة على سطح الماء من قبل الصيادين بالأشباك المخصصة لذلك. ولا تنتهي العملية إلا بغطس بعض الصيادين إلى عمق البحر حتى ينتشلوا ما تبقى من الأسماك التي إستقرت في قعره.

ويهم وليد صياد آخر يقف بجانب الريس جميل بإخبار إيلاف عن قصة مأساوية حدثت لأحد رفاقه الصيادين، حيث صودف مرة أن رفيقاً له كان يسبح ورأى كمية كبيرة من الأسماك فرفع يده فوق الماء بطريقة بحرية وسبح باتجاهها وأشعل الفتيل وهو ينظر من خلال القناع الموجود على وجهه فإنتشر السمك لينسى الصياد أنه قد اشعل الفتيل، وينفجر أصبع الديناميت بيده ويموت على الفور.

وأساليب أخرى
التقينا بزياد صاعداً من أحد الشواطىء الصخرية في بيروت يحمل على كتفه سنارة وفي يده سلة متوسطة الحجم وعند إقترابي منه أرى كمية لا بأس بها من الأسماك قد إصطادها ويخبرني أن طريقة إصطياد السمك بالصنارة العادية هي في معظم الأحيان للهواية وفي أوقات الفراغ لمحبي الصيد البحري وليس للتجارة.

يعرفنا زياد كذلك على نوع من أنواع الصيد البحري وهو ما يسمى بـ"الفونسة" ولديه طريقتان؛ الأولى وهي قديمة حيث يضع الصيادون كيساً من الخيش ويلفونه بإحكام بشرائط على عامود من حديد طوله ما يقارب المترين حتى يصبح شبيها برأس الشعلة، فيحمله أحد الصيادين ويحمل في يده الاخرى إبريقا من المازوت وعند الإقتراب من مكان تجمع الأسماك يضع على رأس العامود كمية من المازوت ويشعله بعود من الكبريت، فعند ذلك ترى الاسماك الضوء وتأتي ناحيته لتصاب بالفونسة وتصطدم ببعضها البعض عندها يسرع الصياد بإنتشال ما يقدر عليه من الأسماك في الشبك الخاص بإلتقاط السمك أما الثانية فشبيهة تماما بالأولى لكنها في الأدوات تستخدم مصباحا كهربائيا جاهزا.


كذلك هنالك بعض الطرق الأخرى الرائجة كالصيد عبر الأقفاص الحديدية التي يحبذ أن تكون صدئة توضع في الماء وفي داخلها بعض الحشائش والعجين لوقت معين وتسحب بعدها. وتستخدم هذه الطريقة في المناطق الصخرية. وهنالك التسميم والصيد بـ"بارودة" أو مسدس الماء والصيد عبر الغطس والإلتقاط كما هو الحال مع "التوتيا" أي "قنفذ البحر".

مشاكل الصيادين

ويخبرن إيلاف الريس سعيد وهو أحد الصيادين القدامى ومركبه البالي يوضح خبرته البحرية، أن الصيادين يتعرضون لمشاكل جمة منها عامل الطقس الذي يجعل من الصيادين يعيشون بطالة موسمية تهددهم بالعوز والفقر طيلة موسم الأمطار وتحت أنظار الدولة التي لا تمد يد العون ولا حتى بتأمين الضمان الإجتماعي لهم كحد أدنى ككل المهن المسجلة في الضمان الذي يؤمن الطبابة والدواء.

ويضيف الريس أن هناك عاملا ثانيا يؤثر على رزق الصياد وهو تأمين المواد المستلزمة للصيد التي تعتبر مرتفعة الثمن بالنسبة للصياد الفقير، الذي يلتقط رزقه يوماً بيوم ومنها أدوات الصيد والشباك والمركب الذي لا يتمكن كل صياد من امتلاكه.

أما أهم مشكلة فهي خطورة التهديد والمراقبة الدائمة من البحرية الإسرائيلية في الشواطئ الجنوبية والتي تنغص على الصياد اللبناني عيشه، وتمنعه من ممارسة عمله بحريّة تسمح له بالتعمق في عرض البحر حيث توجد الأسماك الكبيرة والتي تباع بسعر مرتفع فهناك يتسنى له إصطياد كمية أكبر من الأسماك تزيد مدخول رزقه؛ "لا يتجرأ أي صياد على الدخول إلى عمق البحر حتى لا يحدث معه كما حدث مع الصياد فران التي خطفته البحرية الإسرائيلية ولم ترجعه بعد" يقول الريس سعيد.

إن كنت صيادا لبنانيا يجب أن تتحدى الخطر والموت من أجل كسب رزقك في ظل الركود الإقتصادي بعد الأزمة التي لحقت بالوطن والتهديد الإسرائيلي الدائم للشواطئ، والـتي جعلت من الصيادين اللبنانيين يسعون إلى كل وسائل الصيد الممكنة لتأمين لقمة العيش لهم ولأولادهم.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
بحر
بدر -

لوحة رائعة تختصر مهنة هي توأم البحر تعتصر شقاءها ومعاناة افرادها ولكن مع كل ذلك فان الصياد لايستطيع ان يبتعد عن بحره فهو حاله حال قوته