إيلاف+

صوت الجلم أو فن جزّ صوف الماشية بالجزائر

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

صوت "الجلم".. فن جزّ صوف الماشية في الجزائر

كامل الشيرازي من الجزائر: كثيرا ما يصادف المتجولون بأروقة الأسواق الأسبوعية لمحافظة المسيلة الجزائرية، آلة أشبه إلى المقص على شكل الحرف اللاتيني "V" تنتهي بدائرة تصنع بنوع من الحديد الطوعي الذي يلتقي جزئيه بفعل القبض عليه باليد ويعود إلى حالته عندما تبسط راحتها، والعارفون بشؤون تربية الماشية محليا، يدركون على الفور بأنّ هذه الأداة هي ما يسمى محليا بـ"الجلم" أي مقص "جز الصوف" كما سيتبادر إلى ذهنهم انطلاق موسم الجز بأغلب مناطق الجزائر، خصوصا مع حلول فصل الصيف، أين لا تتضرر الماشية حينما يتمّ جز صوفها.

وبالرغم من صعوبة معرفة مصدر "الجلم" التي يشير البعض من التجار إلى أنه استقدم من جنوب الجزائر ومن عاصمة ميزاب تحديدا (650 كلم جنوب)، إلاّ أنّ قطاعا آخر يؤكد أنّ هذا الجلم من صنع أنامل حرفيي الولاية، إلا أنّ هذه الأداة التي تصدر صوتا أقرب إلى آلة "القرقابو" الموسيقية حين يجري الضغط عليها باليد وإرخائها، تحتاج إلى الكثير من الدراية حتى تكون ذات مقاييس توفر الراحة لمستعملها.

وحسبما يشرحه عارفون بجز الصوف تحدثوا لـ"إيلاف"، فإنّ "الجلم" يجب أن تتساوى شفرتيه، وحالما زاد قياس أحدهما عن الأخرى، فإنّ ذلك سيؤثر على مساحات الصوف الذي سيجري جزه من ناحية وقد يصاب جلد الشاة موضوع العملية وهو ما يتجنبه محترفو الجز، وفيما يتعلق بموقع بعد الشفرتين عن بعضهما البعض، فإنّ ذلك يكون وجوبا في بداية "الجلم" أي بعد موقع الدائرة الموجودة في بداية الأداة السالف ذكرها، وإذا حدث وأن التقت الشفرتان في موقع غير المشار إليه، فإنّ "الجلم" سيكون ذو مساحة قص قصيرة مقارنة مع المعتاد.

ويقول نذير، عثمان، وعاشور المشتغلون بجز صوف الماشية، أنّ دائرة "الجلم" غير مغلقة، لكنها ذات مقاييس متساوية حتى وإن اختلفت مصادر صناعة الأداة، حتى أن العارفين باستعمالها يؤكدون أن الدائرة إذا كانت ضيقة سوف تؤدي إلى تعب مستعملها كونها تغلق الشفرتين بسرعة وإذا ما توسعت الدائرة فإنّ المشكلة أكبر حيث أن الشفرتين سوف لن تنغلقان ويصبح استعمال "الجلم" مستحيلا.

وبالنظر لاستعمال هذه الأداة مرة كل سنة، فإنّ العارفين في مجال "جز الصوف" يؤكدون على أنه يتم تشحيمها بشحم الحيوان متفادين شحم النفط كونه يؤدي إلى انزلاقها عند الاستعمال عكس ما يتعلق الأمر بشحم الحيوان الذي يذوب عندما يسخن لعدة دقائق، ومن بين مخزني "الجلم" من يقوم بمسكه بواسطة خيط ووضعه في غمد قماشي، وبينهم من يتخلى عنه أملا في شراء أداة جديدة في موسم الجز الجديد كون سعرها لا يتعدى المائتي دينار (في حدود دولارين) على أكثر تقدير.

وفي هذا الشأن أكّد "قدور" وحسين وبشير وهم موّالون، بأنّ استعمال "الجلم" يقتصر على قلة من الموّالين غالبيتهم من الكبار في السن اكتسبوا الخبرة والمهارة من خلال الممارسة ليس إلا، ويسمع المتتبع لعملية "جز الصوف" صوتا أقرب إلى آلة "القرقابو" الموسيقية أو "قعقعة سيف" أو "احتكاك مقص" حيث يقوم "الجزاز" بتحريك "الجلم" بعد القبض عليه براحة اليد اليمنى، كما يبدأ العمل من أرجل الشاة والذهاب إلى رأسها أي بمستوى نمو الصوف حيث أنّ عكس العملية يؤدي إلى الصعوبة والبطئ في الأداء، وهذه المعلومات حسب "جزازي الصوف" يتم اكتسابها من الممارسة التي تملي عليهم استعمال اليد اليسرى في دفع كمية الصوف الذي تم جزه وهذا تفاديا لتراكمه في موقع "الجز" حيث أنه إذا ما حدث ذلك، فإنّ القائم بالعملية سيفقد الموقع الذي وصله في "الجز" من ناحية، ويتراكم الصوف ويصعب الجز من ناحية أخرى.

وبالتوازي مع ما ذكر، فإنّ تلك القلة التي لا يزال الطلب على خدماتها يزداد مع كل بداية موسم "الجز"، باعتبارها من تجيد تقنيات العملية سواء من ناحية جز كمية كبيرة من الصوف من الشاة الواحدة مع عدم إلحاق الضرر بها من خلال جرحها لعدة مرات على مستوى الجلد.

ويتعرّف الموالون على عمل "جز الصوف" من خلال عدد الإصابات بالجلد، وإن كان القائم بالجز محترفا، فإنّ ذات الإصابات تنعدم أو تقل وإن كان العكس فإنها تظهر للعيان، وحينما تصاب الشاة أثناء عملية "الجز"، فإنه يتم معالجتها باستعمال القطران كونه حسب الموالين يعمل من ناحية على الجفاف السريع للجرح كما يعد من ناحية أخرى مضمّدا ومطهّرا فعالا.

ومن بين العارفين بجز الصوف، من تخصّص أكثر في "جز" شعر الماعز المستعمل في عدة منتجات صوفية تقليدية كالتليس والحنبل وغيرها، حيث يعتبر هذه الفئة من "جزازي الشعر" أكثر دراية وتخصصا كون الماعز أكثر حركة أثناء الجز مما يؤدي إلى الإصابة في أغلب الأحيان كما أنّ جلد الماعز يعتبر حسب العارفين أكثر انزلاقا "للجلم" مقارنة مع جلد الأغنام.

وباعتبار العملية متعبة بالتوازي مع الكم الذي ينتج من الصوف، فإنّ الأخبار المستقاة من وسط الموالين والمربين تؤكد بأنّ "جز الصوف" يقتصر فقط على أولئك الذين يملكون قطعانا يفوق تعداد رؤوسها الثلاثين، وبحسب هؤلاء فإنّ "جز" الصوف بالنسبة لما يقل عن العدد السالف ذكره، سوف يجعل العملية تعبا دون مقابل كون الكيلوغرام الواحد من الصوف، ينتج أزيد من ثلاثة رؤوس ذات جلد مكثف بالصوف، وقد يتضاعف العدد إذا ما علم وأنّ الشاة التي يجري "جزها" هي ليست بميزات كثافة الصوف.

ومن بين الأغنام حسب الموالين من لا تمسها العملية السالف ذكرها، وهذا بالإضافة إلى القطعان القليلة العدد صغيرة السن التي يقل عمرها عن ستة أشهر والتي لا يكسو جلدها الكثير من الصوف في ذات المرحلة من السن، وبحسب هؤلاء فإن أصعب المواقف التي يعيشها المحترف لـ"جز" الصوف هي تلك التي يتعامل خلالها مع الكباش القرنية التي بالرغم من أنه يجري تقييدها قبل العملية إلا أنها تبقى في حركة تصارع لأجل أن تفك القيود وتتخلص من "جز" الصوف، وهو ما يتسبب في كثرة الإصابات بعد الماعز لدى الكباش.

وبالرغم من الانتشار الواسع لأدوات "الجز" الكهربائية، إلا أنّ استعمالها قليلا لدى جمهور الموالين في الجزائر، وهذا نظرا لحاجتها حسب عينة من ذات الفئة إلى خيط كهربائي يجري مده على مسافات بعيدة من ناحية، إضافة إلى كون هذه الأداة باهظة الثمن، كما أنّ "الجز" يجري مرة كل سنة، وبالتالي فإنّ القيام به بصفة تقليدية أحسن وأفضل بالنسبة للموالين، على منوال ما تمّ تحقيقه الموسم الماضي، حينما أفضت عملية الجزّ إلى تحصيل 18 ألف قنطار من الصوف، هذا الأخير يحتاج إلى تثمين عبر التوسيع من استعمالاته الصناعية، وذاك يقتضي حتما توجه الموالين إلى إنتاجه الذي يبقى حاليا مقتصرا على بيعه في الأفراح بفرض استعماله في الأفرشة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف