سكان المقابر في مصر أو العيش في حمى الأموات
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
فتحي الشيخ من القاهرة: بينما وقف أهل المتوفي علي باب الحوش يتلقوا العزاء في فقيدهم الذي واروه القبر منذ دقائق، كان ثلاثة اطفال، حفاة، يملكون من سنوات العمر ما لا يتعدي الخمسة، سعداء ظلوا يلعبون امام حوش ابيض اللون، كانت رائحة الحياة تفوح من باب الحوش
مشهد يتكرر كثيرا فى المقابر الموجودة في العاصمة المصرية القاهرة، مع بعض الاختلافات البسيطة في التفاصيل تتقارب مشاهد القبور وتتقارب وتكاد تتطابق، خاصة في تجمعين كبيرين أحدهما يشمل مناطق الإمام الشافعي والإمام الليثي والتونسي والسيدة عائشة والسيدة نفيسة والخليفة وسيدي عقبة وسيدي عمر بن الفارض، و الثاني يضم مناطق باب الوزير والمجاورين والقرافة الشرقية وقايتباي والغفير.
يسكن ابراهيم (46 ) سنة في مقابر السيدة نفيسة منذ 15 سنة عندما قرر ان يهجر قريته الي القاهرة ليكون بالقرب من مكان عمله كعامل مسجد وياخذ اسرته معه المكونة من زوجته وبنتين، كان يريد ان يستقر في القاهرة و مرتبه غير كافي ليستاجر حتي اوضة يسكن بها، وعندما علم احد رواد المسجد الذي كان يعمل به سمح له ان يعيش في حوش العائلة بدون اجر قائلة له اعتبر نفسك بتحرسه، كانت المشكلة الاكبر في الانتقال هو رفض زوجته و اهلها في البداية ولكن في النهاية جاءت معه ورزقهم الله بولدين وبنت اخري ليعيش هو وزوجته وابنائه الخمسة في الحوش المكون من غرفة واحدة، ام سحر زوجته تصف حياتها في المقابر في البداية كنت اشعر بالخوف خاصة في الاوقات الذي كان ابراهيم في عمله فيها ولكن مع الوقت ووجود الاولاد اختلف الوضع، وكان هذا الاختلاف يشمل الكثير من الاشياء مثل الكهرباء والمياه في حين كنا الاول نقوم باخذ الكهرباء سرقة ولا نستطيع اشعال لمبة الا في وقت متأخر وهو ما تغير الان في حين نذهب لنحضر المياه من اول الشارع، ايضا المنطقة الان اغلب الاحواش بها اصبحت ساكنة وفيه ناس بتأجر الاحواش الان واغلي حوش بيتاجر ب150 جنية، والمشكلة الموجودة و شكلها مش هتتحل هي ان مفيش صرف صحي.
اخر احصائية صادرة عن الجهاز المركزي للمحاسبة في عام 2008 أن هناك 1.5 مليون مصري يعيشون في مقابر البساتين والتونسي والإمام الشافعي وباب الوزير والغفير والمجاورين والإمام الليثي، وجبانات عين شمس ومدينة نصر ومصر
الجديدة.
هذا العدد الضخم الذي يسكن المقابر جذب العديد من المتخصصين لعمل دراسات عن سكان المقابر و من الدرسات الهامة في هذا المجال دراسة قام بها عالم الاجتماع المصري الدكتور محمد الجوهري، التي خلصت إلى أن دوافع السكن في المقابر تعود إلى مشكلات المساكن الايلة للسقوط والانهيارات الفعلية الي جانب الاكتظاظ السكاني في القاهرة مع ارتفاع اسعار المساكن، الي جانب الهجرة باتجاه القاهرة من الريف.
وعن الحياة داخل المقابر تشير الدراسة ان اهم الشخصيات داخل هذا المجتمع تتمثل في صاحب "الحوش" الذي يقوم بتأجير حوشه مباشرة لبعض أقاربه أو معارفه أو لرقيقي الحال دون مقابل مادي وذلك بدون توقيع عقود لأن هذه الأماكن غير مخصصة للسكن.
وتشير الدراسة إلى أن سكان المقابر فيما يتعلق بالعمل سينقسمون إلى فريقين، الأول فريق "يعمل" والثاني "لا يعمل"، والذي يعمل ينقسم إلى نطاقين الأول داخل المقابر والثاني خارجها مثل زوج فاطمة السيد.
فاطمة.. امرأة في مقتبل العمر لديها أربعة أطفال بنتان، و ولادان، تروي فاطمة قصتها بابتسامة حزينة علي شفتيها قائلة " كنت وزوجى الذي يعمل "فاعل" (عامل فى الانشاءات العمرانية)، في الكويت وعندما اجتاحت العراق الكويت، خرجنا عام 90 الى اليمن وبحثنا عن مصدر رزق واشتغل زوجي أكثر من عشرين شغله لكن البلدية كانت تطارده ولا تدعه يعمل، فعاد إلى مصر، وبعربية لبيع التسالي (اللب والسوادني )،ثم الخضروات..عمل كل شئ وفي النهاية دائما كانت تأتي سيارة البلدية (شرطة المحليات) وتأخذ العربية وفوقها أكثر رأس ماله من البضاعة وفجأة نصبح مدانين وهرب الزوج.. تواصل "فاطمة" وهي تبكي: ضاقت بي الدنيا وما عرفتش أتصرف ازاي ؟ خصوصا في وجود عيالي وكلهم بنات والأولاد صغار، أكبرهم 8 سنوات، وحاليا، يشحذ في اشارات مرور الشوارع الرئيسية،و تضيف الام الحزينة، فكرت في كل شئ وكنت أشوف الابواب كلها مسدودة، في وجهي إلا المقبرة فأخذت أولادي وما بقي من عفش بيتي بعد أن بعناه كله وجئت إلى المقبرة والحمدلله على كل حال.
أما التقسيم المهني لساكني المقابر فهناك أولا الحرفيون وهذه الفئة تمثل أبرز المهن حيث تبلغ نسبتهم 37% من إجمالي السكان العاملين، ثم ثانيًا الموظفون وتنخفض نسبتهم حتى تصل إلى 9.4%، أما نسبة المشاركين في أعمال التجارة فتنخفض نسبتهم كثيرًا لتصل إلى 1.7، وأخيرًا أصحاب الأعمال المتصلة بمنطقة المقابر حيث تبلغ نسبة هذه العمالة نحو 5.5 %.