الهول إبداع راسخ في الفلكلور الحساني بالجزائر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
كامل الشيرازي من الجزائر: يشكل الطابع الانشادي المعروف بإسم "الهول" نمطا إبداعيا شعبيا في الثقافة الحسانية بولاية تندوف الجزائرية (أقصى الجنوب الغربي للبلاد)، وترتبط هذه الثقافة بفئة إجتماعية تحترف هذا الفن وتعتاش منه، وتظل موسيقى "الهول" حاضرة بإستمرار في ذاكرة ووجدان وحياة السكان المحليين ومصاحبة لهم في كل لحظات وجودهم .
وتفيد مراجع على صلة بالملف، أنّ "الهول" هو نزعة صوفية ويمثل قيمة سامية عند الحسانيين وهم أولئك الذين ينطقون اللهجة الحسانية بالمنطقة، لذا يعتبر حضور الهول أساسيا في سائر الأعياد والمناسبات وكذا مختلف المسامرات الليلية والرقصات الفردية والجماعية، وأيضا أثناء المواعيد الدينية ومختلف مظاهر الأفراح الإجتماعية.
ويستذكر الشيخ الجليل "أحمد" بافتخار عراقة الهول وتاريخه الضارب في القدم، ويقول أنّ سكان المنطقة مولعون منذ قرون بالموسيقى والطرب، ويعقدون له مجالس وندوات ومجالس سمر، مثلما ينحرون النحائر في مقامات تسمع فيها قصائد المديح والفخر والتغني بالمآثر وذكر الغزوات وبطولات الشجعان والانتقاص من الأعداء وهجوهم.
وللمطربين الشعبيين بمنطقة تندوف مكانة مرموقة في المجتمع المحلي، لاسيما لدى المشايخ، فهم مجموعة مدللة لا يقدمون على أحد من السكان ويتمتعون بنفوذ خاص، فهم لسان حال القبيلة ووسائل إعلامها لدى القبائل الأخرى، وللنشاط الغنائي الحساني طقوس وممارسات خاصة تظل في طبيعتها جانبا من هوية المجتمع الحساني التندوفي، حيث تبدأ السهرة الغنائية عادة بالعزف على مقام يسمى "كر" المخصص لذكر الله والرسول المصطفى، قبل الإنتقال إلى العزف على المقامات الأخرى المسماة "أظهورت الهول" و التي تتناول موضوعات أخرى كالنسب والفخر والحماسة.
كما تقوم فئة أخرى بأداء عروض رقص وتشخيص تمثيليات هزلية قصيرة مستعارة من التراث الشعبي الحساني تجسد من خلالها بعض المظاهر الإجتماعية السائدة بالمنطقة، وتعزف الفرقة في المراحل الأخيرة للسهرة مقام يسمى "لبتيت " وهو آخر بحور الشعر الشعبي الحساني ومعناه "البت" أي القطع، وعندما يسمع المتفرجون العزف في هذا المقام يستعدون إلى الإنصراف لأنه يعبر عن نهاية السهرة.
ويكاد يجمع المختصون أن علاقة الموسيقى بالشعر الحساني متداخلة ومتشابكة مثلما يذهب البعض منهم إلى أنّ الإيقاع هو القاسم المشترك بين الفئتين، ولعل من السمات الفنية المميزة للأغنية الشعبية الحسانية، مثلما يشير الباحث الأكاديمي "عادل زدام" هي إرتباطها بالشعر الحساني الشعبي إنطلاقا أولا من كون هذا الشعر يسمى في الحسانية بـ"لغن"، لذلك يطلق على الشاعر إسم مغني، مع الإشارة إلى اعتماد عرّابي الثقافة الموسيقية الحسانية على مصطلحين متلازمين هما "لغن وأزوان".
وبحسب جمهور الباحثين، فإنّ الإيقاعات الحسانية في التراث الشعبي ترتسم من الطبيعة الصحراوية الممتدة والشاسعة، بين ذلك على سبيل المثال لا الحصر، إيقاع (الجمل) وهو أشبه بالحذاء وإيقاع الخيل وهو مستوحى من سير الخيل وإيقاع ضرب الوتد أثناء نصب الخيم وبنائها، وتسمى هذه الإيقاعات أيضا بـ"أقران".
وللحسانيين أيضا طقوسهم الشعبية الخاصة في مجال العزف وممارسة الغناء والطرب والتي يعتمدون فيها بالأساس على إستعمال مجموعة من الآلات الإيقاعية والهوائية والوترية التي أبدعوا وتفننوا في صنعها إعتمادا على سنائد ومواد مستمدة من خامات البيئة الصحراوية كجلد الأغنام ووبر الإبل ومن الخشب والتراب وغيرها.
ورغم ما يمثله من إرث قيّم، إلاّ أنّ طابع الهول يتعرض إلى إهمال، ما جعل الفرق التي تنشط ضمن هذا اللون الغنائي، تتناقص بشكل ملحوظ، وهو ما جعل كثير من الغيورين يسارعون لإحياء هذا التراث والمحافظة على ما تركه الأسلاف، وجعله في متناول الباحثين والمهتمين بالموروث الشعبي والتراث اللامادي.