إيلاف+

لبنانيون يعملون صيفاً ليتمكنوا من الدراسة شتاءً

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

حنان سحمراني من بيروت: غالبا ما تستغل الطفولة في اللهو واللعب والإستمتاع بمباهج الحياة وخاصة في فصل الصيف الذي يعتبر الفصل الجميل بالنسبة إلى الاطفال بسبب إنتهاء العام الدراسي وإمكانية اللهو والنزهة والتردد إلى الأماكن الترفهية كالنوادي والمسابح والأماكن السياحية الكثيرة الموجودة في لبنان. لكن هناك فئة من الأطفال شبه محرومة من روعة الصيف ومباهجه بسبب الحالة الإقتصادية المتدهورة في لبنان التي دفعت بكثير من العائلات الفقيرة بعد أن خيّم شبح الفقر عليها وخاصة بعد الحرب التي قسمت الطبقات إلى طبقة غنية وطبقة فقيرة فقط، إلى ترك أطفالها يعملون بدوام صيفي حتى يؤمنوا قسط المدرسة أو ثمن الكتب أو حتى المساعدة في تحمل المسؤولية مع الوالد في مصاريف المنزل.

في سياق ذلك إستطلعت إيلاف آراء عدد من الأطفال الذين يعملون صيفاً ويتعلمون شتاءً وقد عبر كل طفل عن رأيه في العمل وبطريقته الخاصة إما المتمردة على مجتمعه ووضعه الإقتصادي، أو اللامبالية، أو الخجولة والمكسورة التي أجبرت على العمل بدافع من الأهل وتحمل مشقات المهنة وإهانة مسؤوليهم لهم.

مجبرون على العمل

كريم في الصف السادس يعمل في محل عصير في منطقة الغبيري في بيروت، ولأن المحل لأحد اقرباء والده فهو مرتاح من الإهانات التي يتعرض لها سائر الأطفال من قبل أصحاب العمل، لكنه يخجل كثيراً إذا ما دخل إلى المحل أحد رفاقه في المدرسة حيث تكون نظراتهم دائماً مليئة بالسخرية أو الشفقة.

يخبرني كريم ونظرة الغضب ظاهرة في عينيه أنه لم يكن يريد العمل لكن والده دفعه إليه حتى يشتد عوده ويصبح رجلاً، لأن العمل بنظر والده يجعل من الطفل رجلا ذا شخصية قويةً تخوله تحمل المسؤولية تجاه عائلته.

كريم يهزأ من أفكار والده التي يعتبرها خاطئة لأن العمل في سن مبكرة للطفل يضعف شخصيته، ويجعله متمرداً على أهله ومجتمعه ويعرضه للإذلال والإهانات من قبل الناس وأصحاب العمل الذين يمارسون في اغلب الأحيان شتى أساليب العنف والإهانات تجاه الطفل العامل ويدعون أنهم بذلك يعلمونه المهنة؛ "أتمنى لو يغير أبي أفكاره لأتمكن من الذهاب إلى الكشافة وممارسة النشاطات الكثيرة التي أحبها" يقول كريم.

الظروف القاهرة والعمل

أما علاء وهو في الصف الثامن فيعمل عند ميكانيكي سيارات. الثياب المتسخة من آثار الشحم التي يلبسها تخبر عن مدى مشقة عمله، يقول علاء إنه يعمل في الصيف بسبب وضع العائلة المادي بعد وفاة الوالد منذ ثلاث سنوات بحادث سير، ولأنه الإبن الأكبر فمن الطبيعي أن يتحمل المسؤولية بجانب والدته ويساعدها ولو بمصروفه وبتوفير ثمن الكتب والقرطاسية وثمن ثيابه المدرسية.

يعتقد علاء أن الطفل إذا كانت ظروفه المادية صعبة فمن واجبه أن يساعد عائلته التي تضحي من اجله وهو يضع اللوم على الظروف التي جعلته محروما من مباهج الصيف لأنه لو كان والده غير متوف لما سمح له بالعمل وتحمل التعب والإهانات؛ "سأبقى أعمل في الصيف وأتعلم في الشتاء حتى أنهي تعليمي الجامعي وأتوظف وبذلك يتسنى لي أن اساعد والدتي وأخوتي بقدر أكبر واوفر لهم حياة مريحة" يقول الفتى.

العمل يقوّي الشخصية

حسن طالب بكالوريا قسم ثاني يعمل منذ أربع سنوات في الصيف في محل بقالة قريب من بيته في منطقة "برج أبي حيدر" في بيروت. يهزأ حسن من شباب اليوم الذين بنظره لا يتحملون المسؤولية وهم عالة على أهلهم وهمهم الوحيد اللهو والسهر والتعرف إلى الفتيات عبر الإنترنت. يقول حسن إن العمل ليس مخجلا ويجعله يشعر بتحمل المسؤولية بجانب والده ويقوي شخصيته، وعلى كل شاب في مثل عمره أن يساعد أهله إذا كان وضعهم المادي متدنيا. لكن في الوقت نفسه يتمنى حسن لو يسنح له الوقت أكثر من يوم واحد في الأسبوع ليمارس هواية كرة القدم التي يحبها كثيراً.

برأي حسن على الشاب من الطبقة الفقيرة أن يدرس في مدرسة تشبه طبقته حتى لا يتعرض للسخرية من الرفاق الذين ليسوا من طبقته، ولانه في مدرسة رسمية فكل رفاقه يعملون في الصيف مثله، ويجتمعون في أيام العطل لممارسة رياضة كرة القدم أو الذهاب إلى البحر للسباحة.

توفير قسط المدرسة الخاصة

أصادف أحمد خارجاً من محل أحذية حاملاً بيديه صناديق كثيرة تكاد تغطي وجهه يضع بعضا من الصناديق ليتسنى له مخاطبتي. أحمد في البكالوريا قسم أول يعمل بدوام صيفي كل سنة حتى يتسنى له توفير قسط مدرسته الخاصة. العائلة مؤلفة من أربعة أولاد وبنت وهذا ما يجعل من والده غير قادر على تحمل كل المسؤولية بسبب دخله المحدود. يقول أحمد إنه وأخوته الثلاثة الباقين يعملون لمساعدة والدهم ويخصصون كذلك مصروفا لأخته الوحيدة حتى تشتري به ثيابا وبعض الحاجات. فالفتاة بنظر أحمد عليها أن لا تعمل إذا كان لديها أخوة شبان نظراً لما يتعرض له العامل الصغير من إهانات وشتائم.

يتمنى احمد لو تتغير ظروفهم المادية ليتسنى له المرح وإرتياد النوادي لممارسة هواية كرة القدم وكرة السلة التي يعشقها كثيراً، كسائر رفاق مدرسته الذين يستغلون فصل الصيف بالتردد إلى النوادي والأماكن الترفيهية وغالبا ما يتلقى منهم نظرات التعالي والشفقة عليه لكن ذلك لا يهمه أبدا.

الهروب من ضيق المنزل

محمد في الصف التاسع ويعمل في محل تصليح مولدات كهربائية. عند سؤاله عن سبب عمله في الصيف يقول محمد إن والده لم يجبره على العمل لكن بعمله يسلي نفسه ويؤمن مصروفا يتيح له الذهاب إلى المسابح والكشافة مع رفاقه، ويجعله يهرب من جو المنزل والمشاحنات مع أخوته الباقين بسبب ضيق المنزل المؤلف من غرفتين لا تتسعان لهم.

محمد طفل لا يتعدى الأربع عشرة سنة لكن حركاته وتصرفاته تصور لك أنك تخاطب رجلاً. يصف محمد الأولاد الذين يماثلونه عمرا ولا يعملون بأنهم كالفتيات ولا يصلحون بأن يكونوا رجالاً؛ "لأن العمل خلق للرجال ويجعل الطفل سيد نفسه أمام عائلته بسبب مشاركته بتحمل مسؤولية الإنفاق مع والده" يقول محمد.

مساعدة الوالد في مهنته

يقف ربيع بفخر أمام محل لبيع السجائر تابع لوالده الذي يجلس على كرسي خارج المحل ولكن عند الإقتراب منه وسؤاله عن سبب عمله يتراجع خجلاً إلى داخل المحل، لكن والده ينهره ويقول له: إن العمل للرجال وليس مخجلاً أبداً. عندها يشجع ربيع نفسه ليقول إنه يساعد والده في المحل ليتعلم فنون المهنة حتى تساعده عندما يكبر إذا ما فشل في دراسته.

ولكن عند سؤاله إذا ما كان يفضل العمل أو الذهاب إلى الأماكن الترفيهية والتمتع بمباهج الصيف ينظر إلى والده بخوف ويجيب بصوت منخفض أنه يتمنى لو يشترك في كشافة المدرسة كباقي رفاقه ليتسنى له الذهاب إلى البحر والنشاطات الجميلة التي يمارسونها.

العمل بنظر ربيع متعب جداً ويجعله منهكا بسبب وقوفه للبيع طوال النهار ويتمنى لو أن لديه أخا آخر ليساعد والده ويخفف عنه مشقة العمل.

تعرف إلى وجوه جديدة

أما سمر فإنها في الأول ثانوي وتعمل في محل ملبوسات وتقول إنها اختارت العمل لتتسلى ولا تبقى في المنزل لأن العمل يتيح لها التعرف إلى رفاق جدد ورؤية وجوه كثيرة. وكذلك يؤمن لها مصروفا شهريا يجعلها تشتري به ما تشاء من ثياب وأحذية واكسسوارات كباقي البنات في مثل عمرها.

تقول سمر إنها في يوم عطلتها لا يسمح لها بالخروج إلى الأماكن الترفيهية وحدها ومع رفاقها لأنها بنت والبنت بنظر أهلها عيب أن تخرج لوحدها بل تذهب مع العائلة إلى القرية أو أي مكان يختارونه للنزهة" تقول الفتاة.

تمرد وخمول
إيهاب في الصف التاسع يعمل عند خاله في معمل خياطة نسائي. هو ليس بحاجة للعمل أو للراتب الذي يتقاضاه بسبب دخل والده الجيد، لكن والدته دفعته للعمل حتى ترتاح من مشاكسته مع اخوته وليتسلى وتقوى شخصيته الخجولة بحسب إعتقادها.

يقول إيهاب إنه يتمنى لو لا يعمل أبدا حتى يتسنى له النوم لساعة متأخرة من الصباح وليجلس أمام شاشة الكمبيوتر للعب، فالعمل متعب جداً بنظر إيهاب ولا يصنع الرجال بل يجعل الطفل ينتقم من أهله.

إيهاب لم يصدق متى ارتاح من انتهاء العام الدراسي حتى ينام ملء جفنيه ويخرج مع رفاقه ويمارس هواياته الكثيرة. لكن والدته حرمته هذا العام من ذلك فهي توقظه من أحلامه كل يوم عند السابعة ليذهب إلى العمل لدى خاله الذي كان يعطيه مصروفا دون عمل عنده.

بعد الإطلاع على آراء شريحة من الأطفال الذين يعملون في الصيف ويتعلمون في الشتاء وجدنا أن السبب الرئيس والوحيد بغض النظر عما يقوله بعض الأطفال هي الحالة الإقتصادية المتدهورة في لبنان والتي دفعت معظم الأطفال للعمل وحرمتهم من التمتع بمباهج فصل الصيف الذي ينتظرونه كل سنة بفارغ الصبر بعد عام دراسي طويل ومتعب.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
يحيا العمل
لينا -

اخوتي الشباب كانوا دوما يعملون بالصيفوانا كان علي ان ابقى في البيت اعاني الملل والخمول كنت اتمنى العمل عند كوافيرة او اي شئ الا ان امي كانت ضد ذلكالعمل مهم في الحياة و هو يجعل مننا اناس مسؤولين نافعيناذا كان طبعا غير قاس و في جو محترمانا لا اخجل من العمل بل اشجع كل الناس ان يحملوا اطفالهم مسؤولية ولو بسيطة لكنني اتمنى ايضا ان تهتهم الحكومة باوضاع الاطفال المجبرين على الاعمال القاسية

يحيا العمل
لينا -

اخوتي الشباب كانوا دوما يعملون بالصيفوانا كان علي ان ابقى في البيت اعاني الملل والخمول كنت اتمنى العمل عند كوافيرة او اي شئ الا ان امي كانت ضد ذلكالعمل مهم في الحياة و هو يجعل مننا اناس مسؤولين نافعيناذا كان طبعا غير قاس و في جو محترمانا لا اخجل من العمل بل اشجع كل الناس ان يحملوا اطفالهم مسؤولية ولو بسيطة لكنني اتمنى ايضا ان تهتهم الحكومة باوضاع الاطفال المجبرين على الاعمال القاسية