رمضان العراق لا ماء ولا كهرباء

صباح الخفاجي من بغداد: توقف العراقيون منذ فترة حكم صدام حسين عن الاحتفاء بشهر رمضان والتجهيز له..وجعلت الحروب والحصار الذي فرض على العراق قرابة 13 عاما،.العراقيين عاجزين عن توفير لقمة عيش يومهم.اذ لم تكن أجور الموظفين تتجاوز 5 دولارات شهريا.وسقط العراقيون في الفقر والجوع والعوز.

رمضان بعد 2003

رغم تحسن الوضع ألمعاشي للعراقيين بعد الزيادة التي طرأت على أجورهم،اثر إزاحة نظام صدام حسين.لكن تلك الزيادة لم تكن كافية او مؤهلة لتمكين العائلة العراقية من تجهيز مائدة شهر رمضان الفضيل.وصار العراقيون يتبضعون كل يوم بيومه.

و كانت سوق الشورجة في السبعينيات والثمانينيات، المكان التجاري الأول الذي تؤمه العائلات العراقية لشراء احتياجاتهم خصوصا في رمضان.. لكن إقبال الناس على التسوق من الشورجة خفت كثيرا، لخوفهم من التفجيرات والمفخخات والاغتيالات والطرق غير الأمنية والازدحام الشديد..وفضلوا عوضا عن ذلك التبضع من الأسواق المنتشرة المئات منها في كل مدن العراق..!!

بالدم استقبل العراقيون قدوم رمضان
هزت تفجيرات الأربعاء الماضي العراق بجنوبه ووسطه وغربه.وألقت رسائل الدم وأطنان المتفجرات المتبادلة بين سياسيين المتنازعين على السلطة، ألقت ظلا دمويا ثقيلا أوغل حنا عميقا في أرواح العراقيين.وفي الوقت الذي احتفل فيه كثير من مسلمو العالم بتعليق الزينة واللافتات المرحبة والمهللة بقدوم شهر القران..فقد انشغل العراقيون بالتنقيب،تحت أنقاض المباني التي تهاوت على ساكنيها بحثا عن أهل لهم وأقارب وأصدقاء..وبدلا من لافتات الفرح والبهجة،حلت لافتات الموت ونعي القتلى..

الصوم في آب اللهاب

تزامن قدوم شهر رمضان بارتفاع درجات الحرارة التي فاقت 55 درجة،مما جعل الصوم بالنسبة للعاملين في الشارع كأفراد الشرطة والجيش أمرا يكاد يكون مستحيلا..

وطبيعة عمل الشرطي نصير العكام تجبره على الوقوف بالشارع ليل نهار.فأصابته الشمس اللاهية بمرض التيفوئيد،اذ حرقت شمس تموز وآب جسده قبل وجهه.

قال الشرطي نصير :أصابتني الشمس بالتيفوئيد وانخفاض الضغط الحاد..اضطررت إلى اللجوء الى الحقن.فقد أوصى لي الطبيب بحقنة مركبة لتساعدني في التمكن من الوقوف على قدمي..

وأضاف الشرطي نصير: صمت أول أيام في رمضان، لكني سقطت مغميا علي بعيد الظهر بقليل..رمضان يتطلب العبادة وأداء مناسك خاصة..لكن صحتي لن تساعدني للأسف على إتمام صيام شهر البركة..

ورغم ان العديد من المؤسسات الحكومية والوزارات، كانت قد أصدرت تعليمات تقضي بتقليل ساعات الدوام تماشيا مع ظروف شهر رمضان..وهو أمر أعان الموظفين على إمكانية صوم شهر رمضان ولزم منازلهم..إلا أن الامر مختلف بالنسبة لأفراد الجيش والشرطة..فالمنتسبين يئنون بشدة من زيادة ساعات الدوام..بعد وضعهم في حالة إنذار واستعداد وتأهب قصوى تحسبا"لأي. طارئ امني،

فيما ينعم الضباط بمرونة كبيرة جدا بما يتعلق بساعات الدوام من عدمه..

لا كهرباء ولا ماء

تعاني العاصمة بغداد بشدة من انقطاع الكهرباء و الماء اليومي المستمر حتى ساعات متأخرة من الليل..ولا ينفرد ساكني العاصمة بمعاناة انقطاع الماء والكهرباء..بل يشمل الأمر المدن الوسطى ككربلاء والنجف وبابل والديوانية والمحافظات الجنوبية والغربية من العراق..

كيف يمكن الصوم بدون ماء أو كهرباء في آب الحارق بدرجة حرارة تزيد على 55 درجة..؟

ولليوم الثالث على التوالي افطر الكربلائيون والنجفيون والسامرائيون افطروا وتسحروا في الظلام الدامس..وعلى ضوء( اللالة) الظلام طبخت ام مقتدى مرقه الباذنجان والرز..وعن ذلك قالت: الأسعار نار وبصراحة لا يستطيع زوجي الموظف في دائرة الضريبة على توفير مائدة رمضانية عامرة..راتبه 400 ألف دينار فقط..كيف نتمكن من الحصول على مائدة عامرة بمبلغ كهذا..!!

وأضافت: اشعر وأنا اطبخ على ضوء اللالة وكأني أعيش خارج العالم..نحن نعيش في سجن مظلم وسنموت فيه!!

وأثار انقطاع الماء والكهرباء سخط الناس على الحكومة الاتحادية،والحكومات المحلية على حد سواء....وعلى الرغم من تصريحات محافظي المدن على عزمهم توفير الكهرباء خصوصا في وقت الإفطار..كما فعل على سبيل المثال محافظي النجف وكربلاء.لكن العراقيين يعانون بمرارة من انقطاع التام للكهرباء..وما زاد الأمر سوءا اختفاء الوقود(البنزين) من محاطات تعبئة الوقود، والتي أغلقت أبوابها ليوم رمضان الثالث على التوالي.وحتى في السوق السوداء لم يجدوا اثرا للبنزين.الامر الذي قطع الطريق على تشغيل حتى المولدات البيتية.

ام محمد كربلائية موظفة في المصرف العقاري..و متزوجة من قريب لها في بغداد. قالت انها توسلت بزوجها ليرسل (جلكانا) من البنزين الى أهلها ساكني إحدى نواحي كربلاء.

أم محمد قالت لإيلاف: أمي مصابة بجلطة، وتعاني من ارتفاع الضغط و السكر المزمن. ورغم المشقة لكنها مصرة على الصوم..فاضطررت لإرسال 35 لترا من البنزين لها ولإخوتي وأطفالهم.

ولفتت ام محمد الى ان الماء مقطوع طوال النهار ولاياتي الا في ساعة متأخرة من الليل..وهو أمر مهين مذل للعراقيين الذي يعيشون الحياة بشق الأنفس..

ارتفاع أسعار اللحوم وكل المواد الغذائية

ارتفعت أسعار اللحوم الحمراء منها والبيضاء والأسماك. حيث بلغ سعر كيلو لحم الغنم ولحم البقر الى 12 دولارا. -ووصل في مناطق أخرى إلى 12 دولارا.

أما كيلو السمك الحر (البني-الكطان) فقد وصل إلى 17 دولار..اي مايفوق 18 ألف دينار للكيلو الواحد.وتتراوح اسماك الكارب بين 7-9 دولارات قابلة للزيادة-أي مايعادل 8-9 الاف دينار.

وبالنسبة إلى المواد الغذائية والخضراوات.فرغم أن السوق العراقية عامرة بأنواع السلع،إلا ان أسعارها شهدت ارتفاعا أوصل ميزانية العائلة العراقية إلى العجز..

وتتراوح أسعار خضروات مثل الطماطم والبصل والبطاطا والثوم والخيار بين 1-2 ونصف الدولار..وهو ما يعادل ألف وربع-2،5 دينار بالعملة المحلية للكيلو الواحد

.وينطبق الأمر ذاته ويزيد بالنسبة للخضراوات الأخرى والفواكه والبقوليات..

الحجية ام ظافر ألقت بلائمة ارتفاع الأسعار الذي وصفته (ارتفاع جنوني) على عاتق الحكومة، لأنها لم توفر أسواقا للتبضع بأسعار مدعومة.ولم تضع رقابة صارمة رادعة على التجار الجشعين الذين لا رحمة في قلوبهم حسب وصف الحجية أم ظافر..

وتحدثت ام ظافر لإيلاف بحرقة قائلة :المفروض أننا مسلمون -ويوجب ديننا علينا أن يرحم المسلم أخاه المسلم خصوصا في شهر البركة والخير رمضان..لكن في العراق لا يوجد من يرحمنا.- الحكومة لم توفر لنا أسواقا نشتري منها بأسعار نستطيع تحمل أعباؤها..والتجار والقصابين والباعة لا يرحمون بل يستغلون الفرصة أبشع استغلال.

ولفتت أم ظافران أن مسؤولية الحكومة خدمة الشعب،وكان يتوجب عليها فرض رقابة صارمة على التجار، لانها لو فعلت ذلك،لما ارتفعت الأسعار الى هذا الحد..

وأضافت متسائلة: عندي 15 فرد في عائلتي أولادي وأحفادي كيف أتمكن من توفير فطور لائقا للجميع..ولو افترضت اني استطيع شراء كيلو لحم..فهل سيكفيهم الكيلو الواحد الذي لا استطيع شراؤه أصلا لغلاء سعره.!!

الحصة التموينية ناقصة

وعدت وزارة التجارة والعديد من ألحكومات المحلية في العراق مواطنيها بتوزيع حصتين بدلا من حصة واحدة من البطاقة التموينية بمناسبة شهر رمضان..

وقالت وكيلة وزير التجارة في تصريح لوكالة انباء محلية أن الوزارة تبذل جهودا حثيثة لتوفير المواد الغذائية التي تدخل ضمن مفردات البطاقة التموينية لتوزيعها على المواطنين في شهر رمضان، مشيرة الى ان الوزارة ستوزع حصتين من مفردات البطاقة التموينية على المواطنين

وأضافت"وان شاء الله ستتوفر المواد من الرز والطحين وحليب الأطفال والعدس والسكر وسنضاعف جهودنا خلال شهر رمضان من اجل توزيع حصتين للمواطن إضافة إلى الزيوت والدهون المتوفر لدينا بصورة كبيرة "لكن هذه الوعود لم تتحقق،رغم دخول العراقيين في اليوم الثالث من رمضان!.كما وان وزارة التجارة لم توزع في الشهر الماضي مواد أساسية في البطاقة التموينية كالرز والطحين والسكر والشاي والعدس وحليب الأطفال.

المعلمة أزهار جابر قالت انها لا تصدق الكلام الذي يصدر عن المسئولين العراقيين..وفيما يتعلق بتوزيع حصتين من البطاقة التموينية بدل الحصة الواحدة قالت: لم يوزعوا السكر والرز والطحين للشهر الماضي..كيف ومتى اذن يوزعون حصتين..؟

وأردفت: تصريحاتهم كاذبة علانية..يصرحون للإعلام شيء وفي الواقع يعملون العكس..حسبنا الله فيهم..!!

زلابية،بقلاوة وزنود الست ومحلبي

ترتبط أصنافا معينة من الحلويات عند العراقيين بشهر رمضان..فالزلابية والبقلاوة وزنود الست حلويات يكاد يقتصر تناولها على شهر رمضان دون بقية شهور السنة..وتقبل غالبية البيوتات العراقية على شرائها.وتمتاز الزلابية والبقلاوة المصنوعة بالدهن الحر والمصنوعة في الموصل غالبا،بغلاء أسعارها حيث يتجاوز كيلو البقلاوة 18 الف دينارا.لكن العائلات العراقية وجدت بديلا عن الحلويات غالية الثمن بشراء الأصناف المصنوعة منها بالزيت العادي. الأرخص ثمنا.

كما ويشهد رمضان إقبالا من قبل العائلة العراقية على تناول المحلبي المصنوع من مادة النشا والحليب والسكر..

إضافة للـ (الداطلي) وهو نوع من أنواع الحلويات يصنع من الطحين والسكر والماء..وتبرع كثير من البيوتات في صنعه..لكن تكاد مدينة كربلاء ان تنفرد بصنع أجود أنواع الداطلي وأطيبه.

إحجام عن الصوم

على الرغم من أوامر وزارة الداخلية الى رؤساء وحداتها الإدارية، والجهات المعنية باتخاذ الإجراءات القانونية، وإحالة المجاهرين بالإفطار إلى القضاء..إلا ان تلك الأوامر لا يوجد لها تأثير واضح في الشارع العراقي. اذ يعتبر أمرا مألوفا رؤية المفطرين يدخنون السجائر او يتناولون الطعام في مطاعم مفتوحة طوال اليوم خصوصا في العاصمة بغداد..

عادات وتهاني رمضانية عبر النقال

وبشكل عام تزداد شهية العراقيين للطعام في شهر رمضان..وتشهد الصيدليات بعد الفطور إقبالا كبيرا من قبل الناس على شرار الأدوية المهدئة لحموضة المعدة.(الفوار) على وجه التحديد..وبسبب ضعف البرامج والمواد الدرامية التي تقدمها القنوات الفضائية العراقية.فأنهم يفضلون مشاهدة القنوات العربية،خاصة الخليجية منها..

كما واعتاد العراقيين على تبادل التهاني،بإرسال الرسائل القصيرة (مسجات) عبر الهاتف النقال..تبادلوا التهاني وأمنيات وتبريكات حالمة بان ينعاد رمضان علي العراقيين والعراق بحال غير هذي الحال.