هل فعلاً للسياسة مضارب في الأفنون!؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
شاهد عيان // خاص إيلاف //
* هل فعلاً للسياسة مضارب في الأفنون!؟
سامي سليمان
samsol@live.fr
وبادئ ذي بدء يستحسن الاشارة قبل كل شئ الى تطور هذا اللفظ على مدى العصور، فتسمية فن كانت تستخدم عربياً لكل ما له علاقة بالصنع والفعل والعمل، ولا أريد هنا الاندراج في التبويب اللغوي الذي تباين على مر الوقت بالتطور والاختلاط بالتعابير الغربية التي مازت مابين القرون الوسطى والعصرية والحديثة، حيث كانت تسمية الفن في العصور الاوربية الوسطى تفيد بتأثير الحضارة العربية، لكنه عاد الى معناه القديم في عصور النهضة الاوربية بإيطاليا ليعني الصناعة الماهرة وأستمر حتى القرن السابع عشر ليتطور في القرن التاسع عشر ويصبح رمزاً لمسائل الجمال والاعتبارات الفكرية المتصلة به تبرز وتنفصل عن معاني الصناعة.
وإن كان عربياً أو أوربياً، فإن للسياسة مضارب فعلية وحقيقية محكمة في الافنون بكل إتساعاته لاسيما الفكري والجمالي ومن هنا فمن الظلم أن نبخس السياسة كل إيجابياتها فهي تدير مجتمع بمئات الالوف الى مئات الملايين الى ألوف الملايين كما هو حال الصين الشعبية، وكم هو صعب على القائد السياسي أن يدبر رواتب قطاعات حكومته، وما أريد قوله هو أن للسياسة أوجاعها مثلما هو للرياضة والفن وغيره، والعلاقة سائدة بين السياسة وبين جميع قطاعات الحياة وهو أمر طبيعي وعادي يلزم فهمه.
أما الأفنون، ومنه الفن الجمالي فلا بد الوقوف على أطلال هذا العالم الذي يعاني وكما يسود الاعتقاد عند العارفين أضعاف ما تعانيه الرياضة وبطرق شتى، وتدخل السياسة فيه بشكل فادح ومباشر، وللحاكم السياسي رؤيته التي يسطرها في عهد حكمه، فهناك من يوصل هذا الفن الى أوجه وعلوه المرموق من خلال إنفتاحه وهناك من يضع هذا الفن جانباً وكأنه هراء لانفع له.
ويدخل في هذه القيمة مبدعي الفكر والفن الجمالي بشتى أشكاله، حيث يلزم الاشارة الى أن واقعنا العربي وعلى الرغم من التطورات التي حدثت على مر العقود المنصرمة، فإنه بقي وللساعة مستورد للفن وليس مصدراً له كما كان تعبير الفن في القرون الاوربية الوسطى، ومن هنا يأتي التدخل السياسي السافر في عمق عملنا الفني الذي لايعبر في كل الاحوال الى واقعنا وعيشنا والمشاكل المندرجة منه وله وعليه.
وكم من الاعمال الفنية التلفزيونية العربية السورية على سبيل المثال التي نبحث فيها عمن تتحدث، ولماذا هذا التكلف في صناعتها، هذا في الوقت ذاته الذي نجد فيها أعمالاً تستهوي القلب من حيث فكرة النص لكنها تبقى خارجة عن كمال الجمالية من حيث فن الصورة وطبيعة المشهد وحتى الصوت، لكنه في الاجمال إجتهاد إنتاج ومحاولة التسابق نحو الافضل.
أما في الخمسينيات والستينيات وحتى السبعينيات فقد تركت السينما المصرية أثاراً طيبة في أفلامها وعلى الرغم من إفتقادها للألوان إلا أنها كانت جد معبرة عن واقع وعن طريقة عيش وبالإجمال فإن هناك عجز في هذا المجال ولا أعتقد أنه يمكن إتهام السياسة حيث يذكرني الفنان القدير أحمد زكي رحمه الله في حديث جانبي شاركنا فيه المخرج محمد خان بباريس وكان أحمد زكي ودون تردد يلمح الى جانب الهواية في العمل الفن ولا يهمش الى حرفته كممثل سينمائي على الرغم من شهرته الواسعة في هذا المجال، ومن هنا يمكن الرصد القائل من حيث الارقام لمعرفة قيمة الفن لدينا في كل الاحوال وهو مالذي يصرف سنوياً على صناعة الفن في هذا المكان أو ذاك حتى يمكن قياس الابداع، فلا أعتقد الارقام تزيد عن الملايين، هذا في الوقت الذي يحظوا فيه فيلم سينمائي واحد الى أكثر من خمسة ملايين تذكرة دخول بعد أول أسبوع من عرضه في دور السينما الفرنسية، أي نتحدث عندئذ عن 30 مليون يورو وقد يصل الى الضعف، هذا في الوقت الذي وصلت فيه صناعة بعض الافلام الرائدة في هوليوود الى أكثر من 150 مليون دولار، هذا التصنيع الذي هو في نفس الوقت بوابة العيش الى الوف العوائل التي تكرس حياتها للإجتهاد في هذا الواقع، وليس ذلك فحسب بل إنها إستيراتيجية سياسية تدخل لتعبر عن أفكار يراد نشرها لتوعية الاجيال المنعقد عليها الواقع في هذا البلد أو ذاك، كما هو الحال للتكيف بالرأي العام في حال الدفاع عن فكرة سياسية.
وليس في هذا عيب، فكل حر في داره، وبالتالي هذا الفن أو الافنون ومشتقاته لاسيما والجانب اللغوي كان بمثابة أسلحة تفوق على حتى أسلحة الدمار الشامل، وكيف يمكن سحق الثقافات وحتى اللغات بسوى الثقافة كما يبين الكاتب الايطالي إمبرتو إيكو في تلميحه عن حروب الماضي عبر نشر الثقافات واللغات كما كان هو حال نشر الدين.
واللغة التي هي سلاح حرب، ومن باب المصادفة ليس إلا .. فنحن في العالم العربي نعيش هذا الواقع تماماً وكمالاً في هذه الايام، وإن لم تكن السياسة تتدخل في هذا الواقع يلزم علينا دعوتها للدخول فيه من بابه الواسع لكونه يحتاج الى عناية رصينة بدءاً من ثبات لغتنا الجميلة الى فكرنا وتقاليدنا ولم لا ديننا دون أن يوضع لإعادة النظر، فهذا الذي عندنا كان مبعث إعجاب وتلهف أوربا في عصرها المظلم عندما كان تعبير الفن يعني العرب، وكيف سطر ذرياب فنون الموضة والزينة وحلو المائدة كما هو حال الموسيقى من خلال قرطبة التي كانت عاصمة النور في الظلام الاوربي الدامس.