رياضة

بكين 2008 ... قمة التداخل بين السياسة والرياضة

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك


الدورات الأولمبية... تاريخ من السياسة (3/3)
بكين 2008 ... قمة التداخل بين السياسة والرياضة

الأولمبياد ساحة مقاومة العنصرية وضحية الحرب الباردةملك اليونان طلب احتكار بلاده تنظيم الأولمبياد للأبد 1-3 محمد حامد - إيلاف : في عام 884 قبل الميلاد اجتمع ملوك وزعماء الامبراطوريات اليونانية المتناحرة واتفقوا على عقد "هدنة مقدسة" لا يجوز لأحد أن يخترقها وكان غرض هذه الهدنة إقامة الألعاب الأولمبية.... هذا الموقف الذي حدث منذ 3 آلاف عام يوضح بما لا يدع مجالاً للشك أبدية العلاقة الرياضة والسياسة، والدورات الأولمبية كانت ولازالت هي المجال الأبرز على مر التاريخ لتبلور هذه العلاقة، وربما يعود الأمر لطبيعة الاولمبياد كحدث عالمي يشهد أكبر تجمع عالمي كل 4 سنوات، ولعلنا نكون اقتربنا من الاجابة على عدة تساؤلات من خلال الرصد التاريخي الذي قدمناه في حلقتين سابقتين للعلاقة الأبدية بين الأولمبياد والسياسة على مر التاريخ.

تلك النوعية من الأسئلة سوف تظل قائمة كلما طرحنا علاقة السياسة بالأولمبياد... فمن السيد ومن الخادم؟ من الذي يستفيد من الآخر؟ ومن الذي يطوع الآخر لتمرير أهدافه؟ هل هي علاقة تفتقد إلى الندية أحيانًا؟ أم هي علاقة يسودها تبادل الأدوار قوة وضعفًا؟ هل كان الأولمبياد مطية السياسة؟ أم أن السياسة خضعت لمواثيق الشرف الأولمبية في بعض المواقف؟ وهل أصبح تصارع الدول على تنظيم الأولمبياد نوع من إثبات التفوق السياسي؟ أليس من العدل أن نصنف الدولة التي تحقق صدارة الأولمبياد وتلتهم الذهبيات بأنها الدولة الأعلى والأقوى في العالم؟

من إسبرطة إلى بكين 2900 عام والمعادلة كما هي ..!

بعد حوالي 2900 عام من هدنة ملوك الإمبراطوريات اليونانية من أجل عيون الأولمبياد، لازالت السياسة تتدخل في الأولمبياد بقوة، والأولمبياد بدوره يؤثر في السياسة بشكل لافت، حيث أصبحت دورة الألعاب الأولمبية "بكين 2008" التي تنطلق في الثامن من أغسطس المقبل من أكثر الدورات الأولمبية في التاريخ تأثرًا بالسياسة وتأثيرًا فيها، فالدورة تقام في البلد (القارة) وهو الصين التي تعد من أكثر دول العالم تأثيرًا في السياسة العالمية وفي الإقتصاد العالمي، كما أنها قوة سكانية هائلة، ولديها علاقات سياسية متداخلة مع القوى العظمى في العالم تلك القوى التي حاولت استغلال الرغبة الصينية الجامحة في تقديم نفسها للعالم في ثوب جميل بالضغط عليها في نقاط ضعفها، حيث الأضواء مركزة على العملاق النائم والفرصة سانحة للفت أنظار العالم لثغرات وخطايا ومشاكل هذا العملاق وتصفية الحسابات معه .

أطفال صينيون يلهون في تحضيراتهم للافتتاح كما منحت أولمبياد بكين الفرصة للمناهضين للحزب الصيني الحاكم وللسياسات الصينية فيما يتعلق بملف حقوق الإنسان، وكانت قضية إقليم "التبت" من أكثر القضايا التي أخذت ما لم يكن يحلم به أصحابها من أضواء ولفتت أنظار العالم بفضل الاحتجاجات المناوئة لشعلة "أولمبياد بكين" أثناء تجولها حول العالم خلال الشهور الماضية، ففي مثل هذا الموقف أصبحت الرياضة في خدمة السياسة بامتياز، وأصبحت الفرصة سانحة لتسليط الأضواء على قضية اقليم "التبت" والحصول على تعاطف العالم من نافذة "الأولمبياد".

بكين 2008 ... العملاق في مرمى النيران

لا شك أن الحكومة الصينية والحزب الحاكم يحاولان استغلال دورة الألعاب الأولمبية التي تنطلق في الفترة من 8 إلى 24 أغسطس المقبل في بكين، يحاولون استغلال هذه الدورة لأقصى درجة ممكنة لتقديم صورة جيدة عن الصين القوية إقتصاديًا وتقنيًا، والمتفوقة تنظيميًا والمتماسكة إجتماعيًا وسياسيًا والمتصدرة رياضيًا، والمستقرة أمنيًا، وجميع مجالات التفوق السالفة الذكر هي مجالات رمزية لا هدف لها سوى تكريس اسطورة تفوق النموذج الصيني على الغرب، من خلال انتهاج نظام اقتصادي وسياسي مختلف عن أي كيانات أخرى في العالم، والأولمبياد في هذه الحالة (خادم) للأهداف السياسية للنخبة الحاكمة في الصين .

ساركوزي وسبلبيرج وقصتهما مع "بكين 2008"

جاءت تصريحات الرئيس الفرنسي "نيكولا ساركوزي" التي طالب خلالها حكومة الصين بضرورة وقف العنف وتحسين ملف حقوق الإنسان، وإطلاق سراح المعتقلين وبدأ مفاوضات جادة مع الدلاي لاما حول قضية اقليم "التبت" جاءت تلك المطالب من جانب الرئيس الفرنسي كشرط لحضور الاولمبياد لتكرس الخلط بين السياسة والرياضة، واستغلال الحدث الأولمبي لتمرير مطالب سياسية معينة، ثم جاء انسحاب المخرج العالمي الشهير "ستيفين سبيلبيرج" من العمل مع اللجنة المنظمة للأولمبياد (كان يعمل مستشار فني) ولكنه انسحب احتجاجًا على موقف الحكومة الصينية من قضية إقليم "دارفور" السوداني، وعدم اتخاذ الحكومة الصينية موقف مناهض لممارسات الحكومة السودانية في الاقليم على حد وصفه، وهو موقف سياسي بامتياز من شخصية شهيرة، حيث يعلم تمامًا أن مثل هذا الموقف سوف تكون له أصداء عالمية واسعة نظرًا لأهمية الحدث والأضواء المركزة عليه، ونظرًا لأهميته هو شخصيًا وتمتعه بشهرة كبيرة، وبالتالي يكون سبيلبيرج" قد نجح في تمرير موقف سياسي من النافذة الأولمبية.

وعلى نفس الدرب خرجت تايوان بموقف أكثر تشددًا حينما رفضت مرور شعلة بكين بأراضيها وهو موقف يهدف إلى إجهاض المساعي الصينية الرامية إلى تقديم صورة جيدة عن الصين (المتحضرة راعية حقوق الإنسان) وجاء حدث الشعلة ليشكل مناسبة وفرصة ذهبية لتايوان لكي تمرر رسالتها السياسية تجاه الصين، ولعل هدف كل القوى المناهضة للنظام الصيني منع هذا النظام من استغلال دورة الألعاب الأولمبية لتقديم نفسه للعالم والدعاية السياسية لمصلحة هذا النظام تكرارًا لما فعله "هتلر" حينما استضافت ألمانيا دورة الألعاب الأولمبية عام 1936 وهي المناسبة التي استغلها الزعيم النازي لتقديم صورة جيدة عن نظامه ولفت أنظار العالم لألمانيا من خلال الدورة الأولمبية.


بوش يرفض المقاطعة رغم ضغوط أوباما

في بداية الشهر الحالي أعلن البيت الأبيض أن الرئيس الأميركي "جورج بوش" سيحضر الحفل الافتتاحي لاولمبياد بكين، وقالت الناطقة باسم البيت الأبيض إن بوش سيحضر حفل الافتتاح في إطار جولة سيقوم بها لشرقي آسيا الشهر المقبل تشمل الى جانب الصين كلا من كوريا الجنوبية وتايلاند، وكانت جماعات حقوق الإنسان وعدد من السياسيين المعارضين بمن فيهم مرشح الحزب الديمقراطي لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة باراك اوباما طالبوا بوش أن يقاطع حفل الافتتاح احتجاجا على قمع السلطات الصينية للاحتجاجات التي اندلعت في اقليم التبت الصيني في شهر مارس الماضي، ولكن بوش كان يصر دائما على أن الألعاب الاولمبية حدث رياضي محض لا يجوز تسييسه بأي حال من الأحوال.

والشعب الصيني يثق في حكومته بفضل الأولمبياد

وعلى الجانب الصيني فقد استفاد النظام الصيني من تقديم نفسه للعالم بشكل جيد، ليس هذا فحسب، بل نجح كذلك في تمرير فكرة أنه نظام جيد للشعب الصيني نفسه، حيث سادت روح وطنية وحالة من التقارب بين الشعب والحكومة وتكاتف من الجميع لتنظيم دورة أولمبية جيدة يشهد لها العالم، والفائدة غير المباشرة من وراء ذلك لا يمكن لأحد أن يخطأها، فالشعب أصبح على يقين أن حكومته والنظام السياسي السائد ليس بهذه الدرجة من السوء كما يروج الغرب، فتنظيم دورة أولمبية يرمز إلى انفتاح كبير على العالم، وقوة اقتصادية هائلة، وامكانات تنظيمية عالية، وقدرات تقنية غير عادية كبيرة، وحينما يكون النظام السياسي السائد قادر على الوفاء بمتطلبات هذا التنظيم فلا شك أنه نظام جيد.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف