النموذج الألماني يسلط الأضواء على معضلة مانشستر يونايتد
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
لقاء بايرن ميونيخ مع مانشستر يونايتد اليوم في الدور الربع النهائي لدوري أبطال أوروبا ليس فقط معركة في الميدان بين اثنين من أكبر الأندية الأوروبية، بل إنه أيضاً يمثل صداماً بين فلسفتين ماليتين مختلفتين جداً.
ففي حين يدور الحديث في أولد ترافورد عن عمليات الاستيلاء، فإن أنصار بايرن آمنة لعلمها بأن مثل هذا السيناريو ليس مرجحاً أن ينكشف أبداً في اليانز ارينا. فالنظام الذي تسير عليه أندية بوندسليغا، مع التركيز على قواعد مالية والتراخيص الصارمة، يعني خلو بايرن من الديون، ما يتيح للنادي بيع بعض تذاكر الدخول بسعر أقل من 12 يورو (11 جنيه استرليني) في استاد من الطراز العالمي.
وبمثل هذه الأنظمة تعمل أندية كرة القدم في العالم، بصرف النظر عن نموذج الدوري الممتاز الانكليزي، الذي يعتبر هشاً إلى درجة أنه سمح لعائلة غليزر التي مقرها في الولايات المتحدة بإرهاق مانشستر يونايتد بالديون التي بلغت 716.5 مليون استرليني. وأصبح هذا الدين ثقيلاً جداً على الآلاف من مشجعيه إلى درجة أن "ريد نايتز" (الفرسان الحمر)، وهي مجموعة غنية من اتباع النادي، تحالفت مع "رابطة أنصار مانشستر يونايتد" في محاولة لانتزاع السيطرة عليه.
فقد دفع ستيوارت ديوكس، مشجع الشياطين الحمر وشالكه الذي يعيش في المانيا، 13 يورو (12 استرليني)، بما في ذلك تكلفة وسائط النقل العامة المجانية إلى الملعب من مناطق معينة، للوقوف في مدرجات فيلتز آرينا. وتبلغ تكلفة العضوية في النادي الألماني 96 يورو (86 جنيه استرليني).
وأكد ديوكس لهيئة الإذاعة البريطانية أنه يسمح بدخول الأجانب للاستيلاء على الأندية الانكليزية مثل عائلة غليزر، أو بامتلاك أربعة رجال أعمال لنادي بورتسموث في موسم واحد، إلا أن هذا لا يمكن أن يحدث في المانيا. فالنموذج الألماني يعني أن لبايرن ميونيخ وسائل لجذب الكثير من الاستثمارات ولكن من دون مخاطر، وهذا النموذج يختلف عما هو موجود في أولد ترافورد. وهذا ما يعتبره ديوكس فلسفة مختلفة كلياً بين البلدين. ويبدو أن بايرن لاحظ ما يحدث في المملكة المتحدة، لذا فهو لا يريد أن يكرر هذا في ناديه، لأنه يريد الاحتفاظ بالسيطرة عليه.
ويمكن القول إن هذه الحكمة المالية كان لها سعرها، فقد حدت من قدرة الأندية الألمانية لمنافسة نظيراتها في انكلترا في دوري أبطال أوروبا، فبايرن هو أخر نادٍ الماني الذي توج بطلاً لأوروبا في 2001، وسبق له ان خسر أمام مانشستر يونايتد في مباراة مثيرة للغاية في نهائي دوري أبطال أوروبا في عام 1999.
ومنذ ذلك الحين حققت الأندية الانكليزية اللقب الأوروبي مرتين، ووصلت إلى المباراة النهائية في ست مناسبات في السنوات العشر الأخيرة، في الفترة التي وصلت الأندية الألمانية مرة واحدة إلى النهائي الأوروبي عندما خسر باير ليفركوزن أمام ريال مدريد في عام 2002.
ويقول انتونيا هاجمان، مدير المشروع يعمل مع "المنظمة المباشرة" التي مقرها في المملكة المتحدة والتي تنفذ دراسة يمولها الاتحاد الأوروبي لكرة القدم عن الملكيات وتدخل مشجعي الأندية في كل أنحاء أوروبا: "عندما تستطيع الأندية من الانفاق ما تريده، كما هو الحال في الدوري الممتاز، فمن الصعب جداً على الأندية الألمانية أن تنجح. ولكن هناك فرصة عادلة إذ سيتعين على الأندية الأوروبية أن تضحك في النهاية، فالنموذج الألماني لا يقيد النجاح، ولكن الدوري الممتاز انشئ "سباق الفئران" للجميع في أوروبا، فهو يرى كرة القدم كعلامة تجارية وليس مهتماً بالتنظيم".
يذكر أنه في قلب النموذج الألماني هي الجماهير وليس المالكين أو المساهمين، فحتى أواخر تسعينات القرن الماضي كانت كل الأندية مملوكة بنسبة مئة في مئة لإعضائها - الجماهير الذين يدفعون أموالاً ليكونوا جزءاً من النادي. ومع ذلك، فإن الأندية تعترف أنها بحاجة إلى التنافس مع منافسيهم الأوروبيين، لأن هذا النظام قد لا يكون أفضل طريقة للقيام بذلك. وحتى بعضهم، بما في ذلك بايرن ميونيخ، فقد انبثق منه، خارج كرة القدم للمحترفين، شركات محدودة ومنفصلة عن النادي الأم لجذب الاستثمارات.
وبموجب قواعد الدوري الألماني، فإنه ينبغي على الأعضاء امتلاك 50 في المئة من أسهم النادي زائداً صوتاً واحداً إضافياً من هذه الفوائد العرضية، وهذا ما يسمى بـ"نموذج 50+1"، ما يجعل من المستحيل على المستثمرين من القطاع الخاص من السيطرة على النادي. ويرى الكثيرون أن هذا النموذج هو الأفضل في أوروبا وبعيداً كل البعد عن نموذج الدوري الممتاز الانكليزي، إذ أن معظم أنديته تكافح مع الديون وأصبح بورتسموث أول نادٍ في تاريخ الدوري الممتاز يخضع لحكم الإدارة. وكشف تقرير ليويفا في شباط الماضي أن مجموع ديون أندية الدوري الممتاز بلغت 3.4 بليون جنيه استرليني، هو أكثر بكثير من ديون بقية الأندية الكبرى في أوروبا مجتمعة.
وعلى رغم أن أندية الدوري الممتاز تشكل أكثر من نصف أصول النوادي الأوروبية، إلا أن ديون مانشستر يونايتد تكاد تكون أكثر من 150 مليون استرليني من مجموع ديون الـ36 نادياً في الدرجتين الأولى والثانية في الدوري الألماني. ذلك لأن في المانيا يجب على أندية البوندسليغا أن تقدم معلومات عن ميزانياتها والنفقات المتوقعة واثبات أنها مستقرة مالياً من أجل المشاركة في الدوري. وهناك أيضاً فحوصاً خلال الموسم، ويمكن سحب رخص الأندية المخالفة. وبالفعل جرى في وقت سابق خصم أربع نقاط من نادي الدرجة الثانية ارمينيا بيليفيلد لمخالفته شروط الترخيص بعد معاناته من العجز المالي وفرضت عليه غرامة قدرها 50 ألف يورو (45 ألف استرليني) بسبب هذا الانتهاك الذي اعترف به النادي في شباط الماضي.
ويعتقد مايكل أنسيلم من صحيفة "فرانكفورتر تسايتونج الجمانية" بأن هذا النظام الصارم ليس سوى واحداً من الأسباب الذي يمنع الأندية الألمانية من المنافسة في دوري أبطال أوروبا. ففي الماضي كانت لدى الأندية الألمانية مشاكل كثيرة مع أشياء مثل نظم التدريب البالية والمدربين المخضرمين، وهذا تغير كثيراً الآن مع جيل جديد من المديرين والمدربين. ومن ناحية أخرى فإن النظام الحالي منع الأندية من وقوع في كارثة وسمح لظروف مستقرة على النقيض من انكلترا أو ايطاليا.
وبالمقارنة بين ديون الأندية الكبرى في انكلترا وبين نظيراتها في المانيا، يقول أنسيلم: "يحتاج المرء إلى قيمة قوية لتحمل أعباء الديون الثقيلة لأندية مثل مانشستر يونايتد وليفربول. أما قيمة الأندية الألمانية فهي أقل من نظيراتها في انكلترا. والسبب أن لدى شالكه العديد من المشاكل مع السيولة هذا العام، لأنه لديه ديوناً تبلغ 140 مليون يورو (125 مليون استرليني)".
يذكر أن ديون شالكه تراكمت بسبب بناء ملعبه الجديد والتي خففت بمبلغ مئة مليون يورو (90 مليون استرليني) بعد اتفاق الرعاية مع شركة غازبروم، إذ أضاف أنسيلم: "بالنسبة إلى نادٍ ألماني كبير فإن هذا الدين يهدد حياته".
ولدى النموذج الألماني معارضيه، فقد انتقده مارتن كيند رئيس نادي هانوفر 96، وهو من معارضيه منذ فترة طويلة وانتقد صراحة نظام "5+1" مرات عدة، وطعن فيه أمام المحاكم في العام الماضي، ولكن 32 من 36 نادياً في الدوري الألماني رفض اقتراحه.
ويقول هاجمان: "الجميع في المانيا كان ينظر إلى الدوري الممتاز باعتباره نموذجاً مثالياً. ولكن الأندية الكبرى في انكلترا في ورطة خطيرة الآن. فقد أكدت للجميع بألا يتبعوا النموذج الانكليزي، لأنه ليس لدى مشجعيه أي كلمة. وهذا النموذج هو الأسوأ، فالأندية لها تصور ومستعدة لانفاق الأموال أكثر مما لديها".
أما توني وودكوك، مهاجم منتخب انكلترا السابق الذي أمضى فترة مع نادي كولونيا خلال ثمانينات القرن الماضي، فيؤكد أن القيود المالية المفروضة على الأندية الألمانية ليست عائقاً بالضرورة. وهو يؤمن بأن بايرن ميونيخ هو "المثال الرائد" في كيفية إدارة الأندية الألمانية بصورة جيدة. ويعتقد وودكوك بأنه يمكن للأندية الانكليزية أن تتعلم درساً أو اثنين من نظرائهم الألمان في كيفية التعامل مع مشجعيهم. ويضيف: "في أول دورة تدريبية لي مع النادي كان هناك حوالي عشرة آلاف شخص. في المانيا يرحبون بالمشجعين في مراكز التدريب ولكن في انكلترا فهذه المراكز تشبه قلعة فورت نوكس".
وعلى رغم أن بايرن قد هدأ قليلاً من اجتذاب اللاعبين النخبة مقارنة مع أندية أوروبية أخرى، إلا أن لديه بعض اللاعبين البارزين مثل فرانك ريبيري وماريو غوميز وارين روبن. ووفقاً لديوكس فإن مزيجاً من التذاكر بأسعار معقولة لمشاهدة ريبيري وروبن في مرافق رائعة يضمن لمشجعي بايرن سعادة أكثر بكثير من مشجعي مانشستر يونايتد في الطريقة التي يدار بها ناديهم. ويبقى أن نرى ما إذا كان يتمكن "ريد نايتز"، ويجب، على مدى الأشهر القليلة المقبلة من أن يحقق درجة مماثلة من الحكمة الألمانية في أولد ترافورد.
يذكر أن أندية بوندسليغا استطاعت للمرة الأولى منذ موسم 2008/2009 2008/2009 أن تصل مداخيلها إلى مستوى بليونا يورو (1.8 بليون استرليني). فهذا هو الموسم السابع على التوالي الذي يسجل مستوى قياسي بالنسبة إلى الحضور (في المتوسط 42 ألف مشجع لكل مباراة)، مع العلم أن متوسط سعر التذكرة يبلغ 20.79 يورو (18,70 جنيه استرليني)، أي حوالي نصف ما هو عليه في الدوري الممتاز. ولا ننسى أن الدوري الألماني يعتبر بطل أوروبا من ناحية اتفاقات الرعاية، إذ أن دخله السنوي يبلغ حوالي 573 مليون يورو (515 مليون استرليني