رياضة

ميسي الشِرك المدمر في برشلونة والأرجنتين

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

لقد اندهش بعض المراقبين من قراءة بعض مقالات الإعلاميين التي نشرت مؤخراً للطريقة التي انتقدوا فيها أداء ليونيل ميسي. ما يدل على الضغط الهائل الذي سيواجهه الأرجنتيني الشاب في نهائيات كأس العالم هذا الصيف في جنوب افريقيا. وقد يكون مثل الضغط نفسه الذي حطم صديقه وزميله السابق في برشلونة رونالدينيو قبل أربع سنوات.

فقد تتوقع الجماهير منه كل "حيل السيرك" إضافة إلى شيء خاص في كل مباراة. ومثل هذا الضغط قد يعتبر معضلة لنجم كروي كبير في عالم كرة القدم اليوم. فالإفراط في صناعة التسويق يعني أن هناك مزيداً من التركيز على الأفراد النخبة من أي وقت مضى، في الوقت الذي يجعل النمو البدني والتكتيكي كرة القدم أكثر جماعية.

وللعودة إلى مطلع خمسينات القرن الماضي عندما كانت الفرق تلعب بأسلوب WM (كان يوصف بأنه 3-2-5 أو باعتباره 3-4-3 أو على نحو أدق هو الأسلوب 3-2-2-3 الذي يعكس الأحرف التي ترمز إليه)، فإن كرة القدم كانت تمارس على أساس المبارزة بين لاعب ضد آخر: ظهير الأيمن ضد الجناح الأيسر، والظهير الأيسر ضد الجناح الأيمن، وقلب الدفاع ضد قلب الهجوم... وهلم جرا. ولكن المنتخب الهنغاري العظيم استطاع في منتصف خمسينات القرن الماضي من إعدام هذا الأسلوب الذي عفا عليه الزمن، عندما تراجع ظهير الوسط إلى العمق تاركاً فراغاً في الوسط، واندفع لاعبو خط الوسط إلى منطقة الهجوم من أجل تسجيل الأهداف أو المساعدة في تسجيلها. وأصبح اللاعبين مهمين ليس فقط للاحتفاظ بالمراكز التي يحتلونها، ولكن أيضاً بسبب نشاطهم للسيطرة على مساحات أخرى من الملعب.

ووجد البرازيليون وسيلة لحماية أنفسهم ضد هذا التهديد - مع أربعة لاعبين في خط الدفاع بالإضافة إلى مفهوم رئيسي للتغطية بمدافع آخر. ولكن مع سحب لاعب إضافي إلى مركز ظهير الأيسر، فقد ترك لاعبا خط الوسط فداناً من المساحة حولهم. وهي المشكلة التي رصدها آنذاك الجناح الأيسر ماريو زاغالو الذي تراجع إلى الوسط لتقديم المساعدة. وكما قال المدرب الفرنسي ايميه جاكيه بعد عقود لاحقة: "عَلم زاغالو العالم أنه يمكن أن يرتدي اللاعب قميصين في مباراة واحدة: قميص المهاجم وأخرى للمدافع". وكان زاغالو لاعباً أساسياً في فوز البرازيل بكأس العالم لعامي 1958 و1962. وبعد أربع سنوات في انكلترا اضطر الانكليزيان مارتن بيترز وآلن بول بتنفيذ وظيفة مزدوجة وذلك بمراقبة زاغالو. وهكذا ولد الأسلوب 4-4-2، وربما كان النظام الأكثر نجاحاً في تاريخ اللعبة.

وقد كانت لحظة رئيسية وثورية في طريق منتخب هولندا في 1974، مع نية واضحة على مشاركة أكبر عدد من اللاعبين في اللعب في أي لحظة، إما في محاولة لكسب الكرة مرة أخرى، أو لإعطاء خيارات أكثر للاعب الذي بحوزته الكرة. وكان الفريق بأكمله - حتى حارس المرمى - "يرتدي قميصان"، فقد اختصت كرة القدم بالمشاركة الجماعية.

ووفقاً للمتخصصين البرازيليين في الإعداد البدني في ذلك الوقت، فإن اللاعبين في المنتخب الهولندي العظيم كانوا يغطون مساحة خمسة آلاف متر في المباراة الواحدة. وبحلول منتصف تسعينات القرن الماضي تضاعف هذا الرقم، ويغطي بعض اللاعبين الآن ما لا يقل عن 13 ألف متر. ومن الواضح فإن هذا يترك مساحة أقل لإظهار اللاعب النجم مهاراته على أرض الملعب. وبدلاً من المراقبة السابقة للاعب لخصمه، فقد أصبحت اللعبة صراعاً دائماً بين 11 لاعب ضد 11 آخرين، حيث أن الفرق تكافح الآن من أجل خلق مساحة للاعبيها الموهوبين.

والآن، وأكثر من أي وقت مضى، فإن القاعدة تنطبق على أن النجوم يبرزون عندما يجد الفريق توازنه الصحيح، لأنه من المستحيل الحكم على الفرد الموهوب من دون الإشارة إلى الكيفية التي يتناسب فيها مع السياق الجماعي. ولكن في ظل المناخ السائد اليوم، فإنه يمكن اخفاء هذه البديهية الحقيقية، إذ مع توقيع الصفقات الفردية والجائزة السنوية للاتحاد الدولي لكرة القدم لأفضل لاعب وما شابه ذلك، فإنه من السهل جداً أن نغفل عن حقيقة أن كرة القدم هي لعبة جماعية. وعلى رغم كل ذلك، إلا أنه لا يمكن الحكم على أداء لاعب بعدد الخطوات التي يقوم بها، ولكن كيف أن أداءه ساهم في تحقيق فريقه لهدفه.

ليونيل ميسي ضد ارسنال، خصوصاً في المباراة الأولى للدور ربع النهائي لدوري أبطال أوروبا، هو المثال الواضح. إذ كان للاعب القصير تأثيراً عميقاً في اللعبة، فقد كان يريد أن تكون الكرة بين قدميه، حيث أصبح لخصمه ما يبرر ذعره لعدم معرفته بما سيقوم به الأرجنتيني الذي غازلهم في إحدى محاوراته، لذا احتشد لاعبو ارسنال للضغط عليه والحد من خطورته، فتقدم قلب الدفاع الذي كان يراقب ميسي إلى الأمام حتى يحرمه من أي مساحة، ما يعني أن زلاتان ابراهيموفيتش تمكن من أن يتحرك بحرية بعيداً عن ظهير وسط ارسنال الثاني، وهو في طريقه لتسجيل هدفه من دون وجود أي غطاء، فبمجرد وجود ميسي فإنه ألغى الميزة الأساسية لتشكيل رباعي خط الدفاع.

أما في مباراة الاياب التي جرت يوم الثلاثاء فقد أثبت ميسي لمنتقديه وأنصاره أنه يمكنه أن يفوز بالمباراة انفرادياً كما جماعياً، عندما سجل الأهداف الأربع لإقصاء برشلونة ارسنال من دوري أبطال أوروبا. وهذا هو الـ"هاتريك" الرابع له هذا الموسم.

وبناء على أدلة الفوز 1- صفر على المانيا في الشهر الماضي، فقد عملت الأرجنتين أيضاً على كيفية استخدام ميسي شِركاً مدمراً عندما استطاع أن يسحب دفاع الفريق الخصم إلى اليمين وخلق مساحة لانخيل دي ماريا ليمرح على الجهة الأخرى.

وهذا ما يتفهمه مدرب منتخب الأرجنتين دييغو مارادونا جيداً. ففي لحظات عظيمة بالنسبة إليه، فقد استطاع أن يقصي بمفرده انكلترا وبلجيكا من نهائيات كأس العالم لعام 1986 وهو في طريقه إلى المباراة النهائية حيث التقى القوة الألمانية الكاملة في مراقبة اللاعبين. فماذا فعل؟ لقد سحب خصمه الذي كان يراقبه في كل أنحاء الملعب وقدم تمريرات رائعة لزملائه، مثل التمريرة التي استطاع منها أن يسجل خورخي بوروتشاجا هدف الفوز. فقد كانت موهبة فردية رائعة وضعت في خدمة اللعب الجماعي. وهذه هي علامة مميزة من لاعب كبير حقاً

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف