ليست ألمانيا.. بل فاغنر وشومان؟!

ليس فريق كرة قدم.. بل فرقة موسيقية متكاملة تقدم سيمفونية رائعة لشومان.. أو لفاغنر.. لا يهم.. فجميعهم ألمان المدرب، واللاعبون، والموسيقيون، والإبداع.. والطريقة.

أما نحن.. فكان من الإنصاف أن نعلن وبصوت عال عن شكرنا لهؤلاء المبدعين.. نردد الثناء.. المتجه نحو من منحنا كثيرا من الألق.. الاستمتاع.. الانبهار بأن هناك كرة قدم تعرف الترتيب وتنصاع طوعا للمنهجية العالية التنظيم والرقي.

يا الله.. فقد أصبح هناك فريق قادر أن يعيد لكرة القدم سمعتها المفقودة في هذا المونديال.. يلعب بنظارة كبيرة وكأن لاعبيه قد حمل كل منهم رسم أدائه بيده يقرأه أثناء المباراة ومن ثم ينفذ تعليماته.. ليست نظارة فقط.. بل إلهام كروي على مستوى عال.

ليس لي أن أعيد الأحداث وأردد المواقف وأتمتم بالجمل التكتيكية الرائعة.. لأنها أحداث قد وقف عليها الجميع واطلعوا على تفاصيلها وفضائلها وخباياها في موقعة ألمانيا والأرجنتين التي سيسطرها التاريخ بمداد من ذهب باسم المانشافت.

لكن ما الذي عمله الألمان فينا مساء البارحة.. أردت أن أستعيد بعضا منه.. لأجد أن أشد ما لفت نظري وآثرت ترديده هو الانضباط التكتيكي المغلف بالحماس الكبير الذي كان عليه كل لاعب ألماني، وهو انضباط وحماس وظفا لخدمة المجموعة والنتيجة، فتجلى في الفريق كرم جماعي مؤثر، وأثبت كل لاعب أن متعته في تأمين مصلحة فريقه فلعبوا بنضارة جعلت كل محايد يتمنى استمرار انتصارهم، بل وارتفاع حصيلتهم التهديفية أكثر مما هي عليه، حتى لو كان المنافس صاحب الأسماء الكبيرة؛ الأرجنتين.

وإذا كان يتوجب علي أن أفتش في ذاكرتي عما بقي من تلك الملحمة الرائعة فلا بأس أن أعود إلى ما أجد في خاطري في الزمن القليل الذي سبق المباراة حينما آمنت بأن واقع كرة القدم من الممكن أن يتغير إذا ما كان الفريق تحت إدارة فارس متمكن هو المدرب الرائع لوف.. ذلك الرجل الذي جمع أوراق التفوق من الشتات المتعثر في الدوري الألماني، فلم يضره أن تكون معظم الأسماء الحاضرة من جيل الشباب المتمكن كما هم أوزال ومولر وكروس وغيرهم.. ولم يقلقه غياب قائده الملهم بالاك.. لأن في الإدارة المنهجية سبيل لجعل بديله متفوقا رائعا.. وفعل ذلك لام.. وعزز إبداعه شتينغر وبولوسكي وكلوزه وبو خضيرة..

حقيقة كان لوف مدربا ملهما.. جدير أن ينضم إلى قائمة الملهمين الكبار، الذين جعلوا من كرة القدم محلا للإبداع والتفوق.. فشكرا ألمانيا.. شكرا لوف.

ويا كرة القدم الجميلة استمري في إمتاعنا.. فنحن ما زلنا متيمين بالرقي المنهجي والإبداع الأدائي.

* نقلاً عن "الشرق الأوسط" اللندنية