رياضة

الركبي بارقة أمل لحياة أفضل لأبناء الأحياء الفقيرة في البرازيل

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

مراهقون يركضون على ملعب في مدينة ريو دي جانيرو قد يكون مشهدا مألوفا في أي مكان بالبرازيل، أرض عشاق كرة القدم ونجومها. الا ان تفصيلا بسيطا يصنع الفارق: هنا، يزاول هؤلاء رياضة الركبي.

في مورو دو كاسترو، الحي الفقير في التلال المحيطة بنيتيروي، إحدى ضواحي ريو، استعيض عن الكرة الدائرية التي يجري خلفها الملايين عالميا، بكرة الركبي البيضاوية التي يتقاذفها الفتية والفتيات.

يحظى أقران هؤلاء في الدول المتقدمة بتسهيلات لمزاولة الركبي. لكن في مورو دي كاسترو، يشي كل ما يحيط بهم بالفقر: أرض الملعب ترابية مع أقسام قليلة يغطيها العشب، لا قوائم خاصة لمرمى الركبي، ملابسهم غير موحدة وبعضهم حفاة، واذا ما قاموا بركل الكرة أو رميها أبعد من اللازم، يرجح ان تسقط في قنوات الصرف الصحي.

الأسوأ هو وقوع تبادل لاطلاق النار بين الشرطة ومهربي المخدرات - أمر يتكرر حدوثه - فيضطرون حينها للاحتماء خلف جدار اسمنتي.

الا ان الرياضة تزاول بالكثير من الجدية: أكثر من عشرين لاعبا يافعا يركضون على أرض الملعب، يرمون الكرة لبعضهم البعض بحركات سريعة منسقة. يقومون أيضا بأداء رقصة "الهاكا" التي اشتهر بها المنتخب النيوزيلندي للركبي، ويضيفون اليها بعضا من روح السامبا.

في البرازيل التي يبلغ تعداد سكانها 208 ملايين نسمة، لا يتعدى عدد لاعبي الركبي المسجلين 16 ألف شخص، في مقابل الملايين المسجلين لمزاولة كرة القدم. 

وفي حين تحلم الغالبية العظمى من الشبان بالسير على خطى نجوم الكرة الذين دافعوا عن ألوان المنتخب الوطني، ومنهم نيمار أغلى لاعب في العالم، تراود لوكاس أكوينو شاغاس أحلام مغايرة.

فالمراهق البالغ 17 عاما ويحمل شارة قيادة فريق للركبي في الحي الفقير، يجيب بلا تردد عندما يسأل عن حلمه بالقول "اللعب مع +أول بلاكس+"، كنية المنتخب النيوزيلندي للركبي، أحد أفضل المنتخبات في تاريخ الرياضة.

- تحدي الحياة -

الشخص الذي عرف هذه المنطقة الصغيرة النائية على الركبي هو روبرت مالنغريو، برازيلي بريطاني يبلغ من العمر 28 عاما، متخرج من جامعة أوكسفورد البريطانية الراقية، وسبق له مزاولة هذه الرياضة كهاوٍ في انكلترا.

أحب مالنغريو هذه الرياضة، وأراد ان يساهم على طريقته في تقديم أمر ما للأحياء البرازيلية الفقيرة (المعروفة بـ "فافيلا")، والتي غالبا ما تقع تحت سطوة مهربي المخدرات، ويعاني سكانها من الفقر المدقع والظروف المأسوية والشعور بأنهم منبوذون من قبل المجتمع.

قبل أربعة أعوام، أطلق مالنغريو منظمة غير حكومية باسم "وان ريو" (ريو واحدة)، آملا في ان يساهم استقدام أمر غير مألوف بالنسبة الى البرازيليين كرياضة الركبي، في إحداث صدمة إيجابية وتغيير الواقع نحو الأفضل، واعتبار هذه الرياضة "مدخلا" نحو خطوات أخرى.

عقد مالنغريو شراكة مع مدرسة مورو دو كاسترو، الحي الذي يعتبر ان الحكومة قد "تخلت" عنه، لاطلاق برنامج يشمل تعليم مزاولة هذه الرياضة والترويج لنمط حياة مختلف.

يساعد مالنغريو في التدريب لاعبون من مختلف دول العالم ومن جامعتي أوكسفور وكامبريدج. الا ان النشاطات لا تقتصر على الرياضة: فأطباء وأطباء أسنان محليون يتطوعون لتقديم المساعدة الطبية وتعزيز مستوى الخدمات الصحية في حي يقطنه ستة آلاف شخص، ولا يتواجد فيه بشكل دائم سوى طبيب أسنان واحد.

كما توفر للفتية والفتيات دروس في اللغة الانكليزية والتوجيه من قبل أساتذة برازيليين وأجانب، بهدف ان ينال التلامذة التدريب الرياضي اللازم، وأيضا النصائح الحياتية والمدرسية.

قدم ناديا الركبي في جامعتي أوكسفورد وكامبريدج قمصانا للاعبين الصغار، وهو دعم يرى مالنغريو ان رمزيته تفوق قيمته المادية "وكأن أوكسفورد وكامبريدج تقولان +الأبواب مفتوحة أمامكم+".

شارك 400 فتى حتى الآن في هذا البرنامج الذي بات ينعكس ايجابا على حياتهم، وحتى نظرتهم الى مستقبلهم.

لم يتجاوز فرانكلين كروز الرابعة عشرة من العمر، واعتاد ان يتوقع له أقاربه - كغيره من أبناء الأحياء الفقيرة - ان ينتهي به المطاف تاجرا للمخدرات أو في أحسن الأحوال عامل بناء بأجر زهيد.

الا ان كروز يرى ان تجربة الركبي تمنحه الأمل، أو على الأقل الحق بالحلم، سائلا "لماذا لا أصبح مهندسا معماريا أو طبيبا أو محاميا؟".

- فرص أخرى -

يقول مالنغريو ان قدومه برفقة خمسة لاعبي ركبي من جامعة أوكسفورد يمتازون ببنيتهم الضخمة، مع كيس من كرات الركبي، تسبب بـ "نوع من الصدمة" في الحي الفقير.

ويوضح الفتى شاغاس "لم أكن قد سمعت برياضة الركبي سابقا"، مشيرا الى ان رفاقه المعتادين على مزاولة كرة القدم، تفاجأوا عندما أبلغهم اللاعبون انه لا يفترض بهم ركل الكرة، بل تقاذفها باليد.

وبحسب مالنغريو، تنعكس الركبي على أسلوب حياة الشبان أيضا: فهي رياضة تقوم على اللعب الجماعي، وتعتمد بدرجة أقل من كرة القدم على النجومية الفردية، ولا مكان فيها لأي اعتراض على القرارات أو الصراخ في وجه الحكام. وفي الملعب أيضا، يختلط الفتية والفتيات في المنافسات، وسط صيحات بالانكليزية.

في الفترة الماضية، شارك فريقان من مورو دو كاسترو في بطولة للركبي على شاطىء مدينة نيتيروي، وأحرز أحدهما اللقب.

وتقول ياناينا ترانكوزو، والدة إحدى الفتيات المشاركة في البرنامج، ان هذا الفوز هو محطة أولية على درب انتصارات أكبر.

وتوضح السيدة البالغة من العمر 40 عاما "أعتقد ان ثمة باب فتح أمامهم (...) مع الوقت سيتمكنون من رؤية ان العالم كبير وثمة فرص أخرى" تنتظرهم.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف