رياضة

الانقسام المذهبي في قلب الخصومة المريرة بين عملاقي أسكتلندا

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

أحكم سلتيك ورينجرز قبضتهما على كرة القدم الاسكتلندية طيلة قرن من الزمن، لكن خصومتهما المريرة تتعدى هذه الرياضة وتنبع من التوترات المذهبية التي سبقت وجود أي من قطبي غلاسكو.

الخصومة الفريدة بين الناديين تمزج بين الشغف المرافق لمباريات كرة القدم، والعداوة العائدة الى اكثر من قرن، والصراع المذهبي بين الكاثوليك والبروتستانت.

إن دربي "أولد فيرم" يتصدر على الدوام العناوين الرئيسية على الصعيدين المحلي والعالمي، نظرا لما تحمله هذه المواجهة من ذيول تاريخية وكراهية يمكن العثور على جذورها في تاريخ اسكتلندا عن الدين والهجرة.

إن الحركة الإصلاحية الاسكتلندية في القرن السادس عشر، شهدت تبني الأمة الكاثوليكية السابقة للبروتستانتية كدين قومي لها. ثم وقعت العداوة الدينية طيلة الأعوام الـ300 التالية، وزاد التوتر نتيجة تدفق المهاجرين الكاثوليكيين والبروتستانت من شمال أيرلندا خلال القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.

طلبت الحكومية الاسكتلندية في 2011 من دنكان مورو، المحاضر السياسي في جامعة ألستر، رئاسة المجموعة الاستشارية المستقلة المعنية بمعالجة المذهبية في اسكتلندا.

وفي حديث لوكالة فرانس برس، أشار مورو الى أن "الهجرة الايرلندية الى القطاعات الصناعية في وسط اسكتلندا، جلبت معها خصومة طائفية واثارت عداوة ثقافية للكاثوليكية، وحتى مناهضة للبروتستانتية، وهذا الأمر أثر على مكان العمل، السياسة المحلية وشكل الحياة الاجتماعية لأجيال قادمة".

وواصل "الخصومة تنشأ بين أندية كرة القدم في كل مكان، لكن الفارق الكبير في غلاسكو هو أن الناديين مرتبطان بهذه الخصومة المذهبية".

وتأسس سلتيك في تشرين الثاني/نوفمبر 1887 على يد الراهب الايرلندي الكاثوليكي اندرو كيرينز، كمبادرة خيرية تخفف حدة الفقر في اوساط المهاجرين الايرلنديين الذين قدموا الى غلاسكو في زمن "المجاعة الكبرى" في العقد الخامس من القرن التاسع عشر. 

وكان يؤمل ان يكون النادي رمزا يفخر به هؤلاء المهاجرون الذين يعانون الاضطهاد والظروف القاسية.

اما رينجرز، فأسسته الغالبية البروتستانتية العاملة في اسكتلندا. 

ويوضح المؤرخ المتخصص بشؤون النادي روبرت ماكلروي "كان ثمة شعور داخل المجتمع الاسكتلندي بالحاجة لتأسيس ناد تكون قاعدته من المجتمع الاسكتلندي التقليدي بهدف منافسة سلتيك".

وكان لافتتاح حوض لبناء السفن في غوفان على مقربة من ملعب "ايبروكس" الخاص برينجرز، دوره في تدفق العمال من بلفاست (عاصمة ايرلندا الشمالية) في العقد الثاني من القرن العشرين.

واعتمدت الشركة المشغلة للحوض سياسة عدم توظيف اي عامل كاثوليكي، واقتصر عمالها على البروتستانت. ونظرا لكون الملعب قريبا من مقر عملهم، أقبل هؤلاء على تشجيع رينجرز.

ولا يقتصر التنافر بين هوية الفريقين، على انتمائهما المذهبي، بل تعداه كذلك الى الشق السياسي حيث يقفان على طرفي نقيض.

فنادي سلتيك يصنف في خانة الاشتراكية والنزعة الجمهورية الايرلندية، بينما يعد رينجرز اقرب للمحافظين والنزعة الوحدوية الايرلندية (في اشارة لمؤيدي صيغة اتحاد بين ايرلندا وبريطانيا).

ولم تنته حقبه مقاطعة اللاعبين الكاثوليك في رينجرز الا عام 1989، مع ضم مو جونستون، اللاعب السابق في صفوف سلتيك. وتزامنت الخطوة مع تراجع حدة التوتر المذهبي في المجتمع الاسكتلندي.

- انقسام على الاستقلال -

الا ان ذلك لم يؤد الى رأب الصدع بين الفريقين، اذ نشأت انقسامات جديدة مدفوعة من ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وتباين وجهات النظر حول الاستفتاء على استقلال اسكتلندا عن المملكة المتحدة (اقيم في 2014 وفاز فيه رافضو الاستقلال)، وافلاس رينجرز عام 2012 وابتعاده عن دوري الاضواء أربعة مواسم.

ولم تقتصر حدة الخصومة على ارض الملعب، بل انعكست خارجه حوادث دامية بين المشجعين وصلت احيانا الى حد القتل.

واضطرت الحكومة الاسكتلندية للتدخل مرارا على خلفية مباريات الدربي، واقرت في 2012 قانونا يجرم التصرفات المسيئة في كرة القدم بعد عام من دربي شهد اضطرابات واسعة.

ويهدف القانون للحد من العصبية المذهبية في الملاعب، الا ان مشجعي الفريقين اتحدوا - ولو استثنائيا - على رفضه.

وعلى رغم العلاقة المتوترة، يتكامل الفريقان في جوانب عدة، ابرزها المالي اذ يستحوذان على معظم القدرات المالية للكرة المحلية. كما ان منافستهما، تدفع كل منها لتطوير ادائه للتفوق على الآخر.

ويقول المؤرخ بوتر "عندما هبط رينجرز (الى الدرجات الادنى)، اعتقد صراحة ان سلتيك اشتاق اليه"، لكن ذلك لا يخفف من حدة التوتر بينهما حتى و"إن كنا في زمن أصبح فيه الدين أقل أهمية بالنسبة للمجتمع، وذلك لأن هذه الخصومة أصبحت على ما يبدو جزءا من هوية كرة القدم في اسكتلندا" بحسب مورو.

وأضاف المحاضر السياسي "بمعنى ما، أصبحت الطائفية الآن طريقة صرف عوضا عن طريقة للإيمان"، مشيرا الى أن هناك أدلة على أن العنف يزداد عندما تتم ممارسة الطقوس الطائفية في الشارع أو في الملاعب.

وتابع "إذا تحدثت مع الجيل الشاب، إذا نظرت الى وسائل التواصل الاجتماعي وقمت بزيارة بعض الأماكن في وسط اسكتلندا، يمكنك أن ترى أن الانقسام المذهبي لا يزال موجودا في المجتمعات".

إنها مشكلة يمكن لمدرب ولاعب سلتيك السابق نيل لينون أن يتحدث عنها عن خبرة بعد تعرضه للإساءة المذهبية خلال مسيرته الكروية في اسكتلندا.

ففي عام 2002، بعد عام من توقيعه مع سلتيك، قرر لينون الكاثوليكي اعتزال اللعب الدولي مع منتخب ايرلندا الشمالية، حيث أغلبية السكان من البروتستانت، بعد تلقيه تهديدا بالقتل.

وفي عام 2011، حين كان مدربا لسلتيك، وجد في بريده طرودا وطلقات نارية، وعندما استقال في 2014، قال إن الإهانات اثقلت كاهله.

لكن في حديث له بعد اللقاء بين غريمي غلاسكو على ملعب "ايبروكس" في اذار/مارس الماضي، حيث سمع الغناء المذهبي واشتبك المشجعون في وسط مدينة غلاسكو، رأى لينون أن الوضع يتحسن.

وأضاف مدرب هيبرنيان الحالي "بحسب رأيي، لقد تحسن الوضع لكن ربما يكون ذلك بسبب خروجي من غلاسكو. لا مكان للانقسام المذهبي بعد الآن. بعض الناس يستخدمون كرة القدم كوسيلة للتنفيس عن إحباطاتهم أو معتقداتهم. لكن ليس هناك الكثير من الناس الذين يريدون الاستماع الى ذلك بعد الآن".

ستر/ا ح/اط

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف