رياضة

كأس العالم 2018: "حلم روسيا انتهى لكنها تأمل في استعادته"

-
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

انتهى حلم روسيا في الفوز بلقب كأس العالم لكرة القدم الذي شغل الملايين من الروس الموزعين على 11 منطقة توقيت زمنية على امتداد مساحة البلاد الواسعة.

وكل شيء سيصبح ذكريات قد يطويها النسيان في النهاية، لكن ثمة لحظة تاريخية ختامية لن ينساها أبدا مشجعو كرة القدم الروس الذين حضروا المباراة التي خاضها المنتخب الروسي السبت في سوتشي ضد المنتخب الكرواتي.

وبالطبع، كانت اللحظة الأكثر إثارة في رحلة منتخب البلد المضيف في الدور ربع النهائي للبطولة، عندما نفذ اللاعب ماريو فرناندز ضربة رأس حققت لروسيا هدف التعادل في مرمى كرواتيا في الدقيقة 115 من المباراة وأبعدت شبح الهزيمة في أواخر الشوط الإضافي الثاني.

وألهب ما يجري على أرض الملعب تلك الأمسية بمجملها فوجدت كل لمسة كرة خلال المباراة صداها في صخب جمهور المشاهدين الذي وصل إلى ذروته مع تسجيل اللاعب الروسي دينيس شيريشيف هدفا أولا مميزا في المباراة.

بيد أن الهدفين استحالا إلى مجرد ذكريات في النهاية بعد أن فازت كرواتيا في المباراة بالضربات الترجيحية بأربعة أهداف مقابل ثلاثة .

كانت تلك نهاية قاسية، ولكن في أعقاب هذه الهزيمة ينبغي تذكر أن تلك كانت لحظات مثيرة لم يكن أحد هنا يتوقع أن يمر بها.

وكانت المرة الأخيرة التي احتلت فيها روسيا مركزا بين المراكز الثمانية الأولى في نهائيات كأس العالم عام 1970، وكانت روسيا حينها جزءا من الاتحاد السوفييتي المنحل.

وظهرت لافتتان كبيرتان قبل بداية مباراة السبت الماضي كُتب عليهما "إذا لم تكن أنت، فمن سيكون؟ إذا لم يحدث الآن، فمتى؟"

 

Getty Images الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتصل هاتفيا بالمدير الفني للمنتخب لتهنئته بالفوز على إسبانيا

 

وفي الساعة التاسعة بالتوقيت المحلي في ملعب يواجه لحظة غروب الشمس على زرقة مياه البحر الأسود، كانت روسيا على مسافة فوزين في مباريتين فقط للحصول على أكبر جائزة في عالم كرة القدم.

ولم تكن مثل هذه الآفاق تخطر ببال أحد قبل انطلاق منافسات البطولة.

لقد فشلت روسيا قبلها في تحقيق الفوز في سبع مباريات ودية، ما أدى إلى ظهور تكهنات بأن تكون روسيا ثاني بلد مضيف للنهائيات يفشل في الصعود إلى دور الـ 16، حيث تؤدي خسارة المباراة فيه إلى الخروج من البطولة.

لكن الواقع خالف التوقعات لينتعش الحلم الروسي مع انطلاقة مشاركته في البطولة بفوز كبير بخمسة أهداف مقابل لاشيء على منتخب السعودية في المباراة الافتتاحية.

وكان معلقو المباريات يصيحون "خمسة .. خمسة ... خمسة" بينما توجه الكاميرا إلى المدير الفني للمنتخب الروسي ستانيسلاف شيرشيسوف بابتسامته الغامضة التي تلوح تحت شاربه.

وقال المحرر الرياضي إيلي زوبكو، الذي يغطي أخبار المنتخب الوطني الروسي في صحيفة روسيسكايا غازيتا: "أتابع أداء المنتخب منذ فترة طويلة، وكان لدي شعور طوال الوقت بأن هذا الفريق لديه إمكانيات لم تظهر بعد".

وأضاف أن "جمهور كرة القدم الروسي، الذي يميل للتطرف متنقلا في خياراته بين أقصى قطبين، فكل شيء لديه إما أن يكون رائعا جدا أو بشعا جدا، لم يكن يتوقع مثل هذه النتيجة الرائعة لمباراة الافتتاح".

وعلى الرغم من هذا الفوز الكبير، لم يكن أحد من جمهور المشجعين الذين تحدثت معهم في الأسبوع الأول يتوقع أن تستمر روسيا طويلا على هذا المنوال.

ففي بلد تنافس فيها لعبة هوكي الجليد في شعبيتها كرة القدم، ظل العديدون متشككين ويرون أن الأمر لم يكن سوى فوز لمرة واحدة، وقال البعض منهم على مضض أنهم قد يحضرون المباراة المقبلة لروسيا مع مصر.

وأشار زوبكو إلى أنه كان يقول للجمهور : "أنتم على أرضكم وهذا يغير كل شيء"، لكن أحدا لم يقتنع إلا عندما فعلها منتخب روسيا للمرة الثانية بالفوز على مصر بثلاثة أهداف مقابل هدف واحد ، وهو الفوز الذي ضمن لروسيا موقعا ضمن دوري الستة عشر.

وبعد الفوز على مصر، كان السؤال الملح لدى المشجعين الروس عمن سيحتل المركز الأول في المجموعة والذي ستحسمه مباراة روسيا مع أوروغواي، لكن نتيجة المباراة خيبت آمال الجمهور الروسي مرة أخرى.

وفي الباص العائد من ملعب سامارا بعد هزيمة روسيا في المباراة بثلاثة أهداف مقابل لا شيء، كان جمهور من المشجعين يصيح "نحن روسيا.. نحن محكوم علينا بالفشل"، الأمر الذي يعكس العودة إلى المزاج المتطرف ثانية لدى الجمهور.

 

Getty Images تصاعد تشجيع الجمهور الروسي لمنتخبه مع تحقيقه نجاحات في مبارياته الأولى

 

وما بدا أسوأ من الهزيمة في المباراة، حقيقة أن المباراة الحاسمة المنتظرة في دور الـ 16 كانت أمام منتخب إسبانيا.

ولكن في أرض انتجت حارس مرمى بطل، وفي مدينة بنى فيها حارس المرمى الشهير، ليف ياشين، سمعة لا تضاهى، تصدى حارس المرمى الروسي الذي يحمل الرقم واحد في المنتخب الروسي عام 2018 ، إيغور أكنفيف، لضربتي جزاء احتسبهما حكم المباراة لإسبانيا، دافعا بفريقه إلى الدور ربع النهائي.

كنت في سامارا هذا المساء مشاهدا المباراة في التلفزيون، لكنني شهدت مشاهد لاتصدق للفرح تجسدت في انطلاق احتفالات عفوية شوارع المدينة.

كانت ليلة ساحرة، شعرت فيها أن أمة بأكملها مؤلفة 144 مليون نسمة توحدت في ابتساماتها.

وطوال الأيام التالية، واصلت شاشات التلفزيون إعادة لقطات لأكنفيف وهو يتصدى لضربتي الجزاء، ويقول زوبكو "لم يكن أحد يصدق قبل البطولة أن يحدث ذلك، لكن الآن بات الجميع أبطالا".

وقال شيرشيسوف المدير الفني للفريق الروسي الجمعة الماضية إن الرئيس فلاديمير بوتين اتصل به شخصيا لتهنئته، وهو "ما كان بمثابة دفعة إضافية لنا".

لقد لاحظت توازيا مع أجواء إنجلترا أثناء بطولة الأمم الأوروبية لكرة القدم 1996، حتى أن الجماهير الروسية بدأت في ترديد أغنية "إنه عائد إلى الديار" التي يرددها المشجعون الإنجليز.

وقال دنيس كازانسكي، المعلق على مباراة روسيا وإٍسبانيا في التلفزيون الروسي، إن "ما حدث يذكرني ببطولة الأمم الأوروبية 2008 عندما عم الاحتفال أنحاء البلاد للمعجزة التي تحققت في مدينة بازل عندما حققت روسيا في الوقت الاضافي انتصارا على هولندا، أوصلنا إلى الدور قبل النهائي".

وأضاف: "لكن الفارق بين الموقفين أن رد الفعل في موسكو بعد الفوز على إسبانيا كان أقوى بكثير، حتى أن الناس سموا أطفالهم بأسماء لاعبي روسيا، وأصبح شيرشيسوف أكثر من مجرد مدرب كرة قدم، لقد تحول إلى (معلم)".

 

Getty Images تصدى حارس المرمى الروسي أكنفيف لضربتي جزاء في مباراة منتخبه مع إسبانيا

 

واستدرك "أنه منذ اليوم الأول لم نكن نتوقع الكثير من فريقنا، لكن الأفكار تغيرت" بعد الفوز المتكرر.

وتابع: "ما رأيناه كان تغيرا هاما في مواقف الجمهور، وفي تاريخ كرة القدم الروسية".

لقد طُويت صفحتان في تاريخ كرة القدم الروسية عشية هزيمة الفريق الروسي يوم السبت، مع إعلان المدافع الروسي المخضرم سيرجي إيغناشيفيتش، 38 سنة، اعتزاله اللعبة، وقرار لاعب جناح الوسط ألكسندر سامدوف، 33 سنة، التوقف عن اللعب الدولي مع منتخب بلاده.

ويؤكد زوبكو على أن تطوير كرة القدم الروسية بعد الآن سيعتمد، في جزء منه على الأقل، على مستقبل اللاعبين النجوم الشباب من أمثال ألكسندر غولفين، 22 عاما، لاعب الوسط في فريق سي إس كيه أيه موسكو الروسي.

وأضاف أنه عقب بطولة الأمم الأوروبية لكرة القدم 2008، التحق اللاعبان الروسيان أندريه أرشافين ورومان بافليوشنكو بناديي أرسنال وتوتنهام على الترتيب"، و"آلان سنرى إن كان هناك من سيقوم بخطوة مماثلة في الانتقال إلى دوريات أقوى لكرة القدم من الدوري الروسي، أمثال الدوري الإسباني، أو الألماني أو الإنجليزي".

وأشار زوبكو إلى أن معنويات الجمهور الروسي تراجعت كثيرا بعد فشل منتخب بلادهم في التأهل لكأس العالم 2010 بعد الحالة الإيجابية التي تبناها الجمهور حيال المنتخب عقب الإنجاز الذي تحقق في البطولة الأوروبية عام 2008.

وأعرب بوزكو عن أمله في ألا يتكرر هذا التحول في مواقف جمهور كرة القدم مهما كانت الأسباب أثناء سعي المنتخب الروسي للتأهل في بطولة كأس الأمم الأوروبية 2020.

ومع بدء انجلاء غبار الأحداث وبدء تأمل الناس في ما جرى في تلك الأسابيع الأربعة الحافلة، سيكون ثمة وقت للتفكير بشأن النقاط التي أثيرت هنا، ونرجح أن هناك بعض النقاط السلبية التي ينبغي مناقشتها رغم قلتها، خاصة وأن الدوري المحلي الروسي سوف ينطلق في يوليو/ تموز الجاري.

ويبقى للمنتخب الروسي لكرة القدم محطة واحدة في كأس العالم هي زيارة منطقة تجمع جماهير المشجعين بالقرب من ملعب لوجنكي عند عودتهم إلى موسكو الأحد، حيث كان من المفترض أن يلعبوا على أرض هذا الملعب المباراة قبل النهائية أمام إنجلترا الأربعاء المقبل، لو أنهم تمكنوا من الفوز على منتخب كرواتيا.

وبدلا من خوض مباراة جديدة، يكتفي لاعبو المنتخب الروسي بهذه الفرصة لشكر الجماهير ووداع هذه اللحظات الخاصة.

____________________________________________

يمكنكم استلام إشعارات بأهم الموضوعات بعد تحميل أحدث نسخة من تطبيق بي بي سي عربي على هاتفكم المحمول.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف