جريدة الجرائد

الآمال الاقتصادية البريطانية

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

"كميات هائلة من الطاقة المالية المكبوتة تنتظر إطلاقها"
آندي هالدين، كبير خبراء بنك إنجلترا المركزي

تعيش بريطانيا - كغيرها من الدول الأوروبية - حالة من عدم اليقين بشأن اقتصادها، وسط تضارب التوقعات فيما يخص المرحلة المقبلة، ولا سيما الأشهر المتبقية من العام الجاري. وتراهن المملكة المتحدة على نجاح موجات التطعيم الهائلة ضد فيروس كوفيد - 19، كي تعود عجلتها الاقتصادية إلى الدوران بصورة مقبولة. فلا أحد يتحدث عن إمكانية العودة إلى ما كان عليه الاقتصاد قبل جائحة كورونا قبل منتصف العام المقبل على الأقل، وهناك من يرى أن الأمر قد يستغرق وقتا أطول من ذلك، بعد أن سجل الاقتصاد البريطاني انكماشا بلغ نحو 10 في المائة في العام الماضي، رغم تحقيقه بعض التقدم لفترة زمنية قصيرة في صيف العام المشار إليه، على غرار كثير من الدول. فالركود مستمر، وهو الأعمق منذ 300 عام، بحسب ريشي سوناك وزير المالية.
والحق: إن اقتصاد بريطانيا سجل نموا بوتيرة أسرع مما توقعه الخبراء في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الماضي؛ بلغ 1.3 في المائة مقارنة بالربع الثالث من العام نفسه. إلا أن هذا النمو لا يعني شيئا مقابل الحقائق الموجودة على الأرض. الانكماش الذي ضرب بريطانيا في عام الوباء كان الأكبر بين الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وهذا التراجع كان ثاني أكبر هبوط بين الاقتصادات الثمانية الكبرى، وفق مكتب الإحصاء الوطني البريطاني. ووفق الأرقام الصادرة عن هذا المكتب، فإن عجز المعاملات الجارية في المملكة المتحدة بلغ 26.3 مليار جنيه استرليني في الربع الأخير من عام 2020. وهذا العجز لم يكن سببه ضربات الوباء العالمي، بل مسارعة الشركات إلى استيراد السلع قبل بدء العمل باتفاق انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "بريكست".
أنفقت بريطانيا أكثر من 300 مليار جنيه استرليني على حزم الإنقاذ، التي شملت كل القطاعات في البلاد، بما في ذلك تسديد رواتب العاملين في القطاع الخاص بنسبة عالية للغاية، ومنح قروض بفائدة صفرية للشركات من كل الأحجام. وبالطبع أقدمت الحكومة على الاقتراض، حيث فاقت الديون السيادية الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. وهي ليست وحيدة في ذلك. فكل الدول المتقدمة أصيبت بهذا البلاء. وبات واضحا أن الحكومة البريطانية تعلق كل الآمال على تغطية الأمة كلها في غضون الشهرين المقبلين باللقاح، لأن ذلك سيسرع مخططاتها الهادفة لتخفيف القيود ورفعها بالكامل قبل نهاية العام الجاري؛ إن أمكن لها هذا. دون أن ننسى أن البلاد تعاني ضغوط انسحابها من الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك الارتباك الحاصل في تطبيق اتفاق الانسحاب.
يصعب الاعتماد على توقعات المسؤولين البريطانيين بشأن مستقبل الاقتصاد الوطني في العامين المقبلين على الأقل. فأغلب توقعاتهم دحضتها حقائق محكمة في وقت لاحق. ورغم أن ريشي سوناك، وزير المالية، خفض مستوى النمو المتوقع تسجيله في نهاية العام الحالي إلى 4 في المائة من 5.5 في المائة كان قد أعلنها في الربع الأخير من العام الماضي، إلا أن جهات مختصة ترى ذلك مبالغا فيه، خصوصا في ظل عدم وضوح الرؤية حيال مسار جائحة كورونا. لكن لا بد من التأكيد أن الاقتصاد البريطاني يتمتع بمرونة فائقة في النهاية، تفوق قوتها أغلب الاقتصادات الغربية، وهذا ما يجعله طيعا مع أي تحول إيجابي بصرف النظر عن مستواه وزخمه. وهو قادر بالفعل على التحول نحو المسار الإيجابي عندما تحين الفرص.
الخوف الذي يسود الساحة السياسية البريطانية حاليا، يكمن في إمكانية فشل البلاد في تجنب ركود مزدوج، في أعقاب التدابير المشددة التي اتخذتها الحكومة أول العام الجاري، لكن تخفيفها هذه التدابير الأسبوع الماضي، أعطى بارقة أمل في أن تمضي قدما في التخلص من القيود في وقت قريب. وفي كل الأحوال، تظهر بوادر الانتعاش مع كل تقدم على صعيد عمليات التلقيح الشاملة التي وضعت بريطانيا في المقدمة في هذا الميدان مقارنة بغيرها من بقية الدول. ولذلك، فإن المخاوف من الركود المزدوج ستنتهي بالفعل في منتصف العام الحالي، إذا ما سارت أمور اللقاح وفق ما هو مخطط لها. ومع ذلك، فالانتكاسات واردة، خصوصا إذا ما وصلت الموجة الثالثة من كورونا بقوة إلى الساحة البريطانية. وهذه الموجة تشكل حاليا رعبا لا حدود له في دول الاتحاد الأوروبي.
الأشهر المقبلة ستكون حاسمة بالنسبة لمستقبل الاقتصاد البريطاني في المستقبل المنظور. فالبلاد لا تحارب الوباء فحسب، بل تواجه تداعيات اتفاق "بريكست" الذي ظهرت فيه ثغرات أدت إلى خلافات حادة ستصل لاحقا إلى المحاكم بين لندن والمفوضية الأوروبية، فضلا عن العوائد البسيطة حتى الآن، الآتية من بعض الاتفاقات التجارية بين المملكة المتحدة وعدد من الدول خارج الاتحاد الأوروبي، في حين أنها تعيش قلقا بالغا من تأخر اتفاقها التجاري النهائي مع الولايات المتحدة، التي لم تضعه بعد ضمن أولوياتها الخارجية، وربطته بمصير تنفيذ الشق المتعلق بإقليم إيرلندا الشمالية.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف