مؤسّسها يؤكّد الاستمرار "رغم العقبات المادية"
أكاديمية كرة قدم للفتيات في برطلة بشمال العراق لنسيان بطش الجهاديين
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
برطلة (العراق): تناور ميرال جمال وزميلاتها بالكرة، ضمن حصة تدريبية في أكاديمية كرة قدم للفتيات في مدينة برطلة ذات الغالبية المسيحية بشمال العراق، وسط صيحات مدرّبتهن التي كان صوتها يوماً، كما اللّعبة، "حراماً" تحت حكم تنظيم الدولة الإسلامية.
تأسّست أكاديمية برطلة حيث تتدرّب فتيات مسيحيات تراوح أعمارهن بين العاشرة والـ15 عاماً على كرة القدم، قبل ستة أشهر بمبادرة من منظمة "لارا" الخيرية المحلية.
بعد دحر تنظيم الدولة الإسلامية الذي فرض حكماً بالحديد والنار على مناطق شمال العراق في العام 2016، بُنيت الأكاديمية على ملعب تعود ملكيته إلى إحدى الكنائس.
وفي هذه المدينة الصغيرة الواقعة على بُعد كيلومترات قليلة من مدينة الموصل، باتت أكاديمية كرة القدم متنفّساً ورمزاً لمحاولة سكان برطلة الذين يشكّلون نحو 1500 عائلة، استعادة حياتهم الطبيعية بعد سنوات الحرب.
تقول لوكالة فرانس برس المدرّبة جوان يوسف شابا البالغة 22 عاماً والتي تصل عادة إلى مكان التدريب على متن دراجتها الهوائية "هنا نعتمد على أنفسنا في كل شيء لتعليم الفتيات الصغيرات أسس كرة القدم".
تطمح هذه الشابة التي أكملت دراستها مؤخراً في كلية التربية الرياضية إلى "تأسيس فريق نسائي يشارك مستقبلاً في البطولات والمناسبات".
على وقع صيحات شابا، تتجمّع اللّاعبات وسط الملعب ذي العشب الإصطناعي، بأزيائهن الرياضية غير الموحّدة بألوان برتقالية وخضراء وصفراء، إيذاناً بانطلاق الحصة التدريبية.
بشغف واضح، تبدأ اللّاعبات الصغيرات برنامج التدريب بإشراف شابا، بدءاً بتمارين بدنية مروراً بتطبيق مبادئ وأسس كرة القدم، وصولاً إلى توزيع اللاعبات على مجموعتين لخوض مباراة تدريبية.
هجرة وعودة
سيطر تنظيم الدولة الإسلامية على نحو ثلث مساحة العراق في العام 2014، وجعل من الموصل الواقعة في شمال البلاد "عاصمة الخلافة".
حينها، فرّ عشرات الآلاف من المسيحيين من مناطق سهل نينوى التي قطنوها تاريخياً، منهم من توجّه إلى إقليم كردستان المجاور، فيما هاجر آخرون.
شكّلت تلك موجة هجرة جديدة للأقلية المسيحية التي دفعت ثمن موجات العنف الدامية التي عاشتها البلاد على مرّ عقدين من الزمن.
ومن 1.5 مليون مسيحي قبل الغزو الأميركي للعراق في العام 2003، لم يبقَ في البلاد ما يزيد عن 400 ألف نسمة.
تروي شابا التي غادرت وعائلتها إلى أربيل قبل ساعة ونصف فقط من وصول مقاتلي التنظيم المتشدّد إلى بلدتها "الأوقات التي نمضيها هنا ربما تُنسينا أخرى عصيبة ولحظات أنقذنا فيها القدر من بطش عناصر تنظيم الدولة عندما احتلوا مدينتنا الآمنة".
وتضيف الشابة التي لا تزال تبحث عن عمل وتطوّعت في الأكاديمية "العمل هنا يخفّف عنا قليلاً متاعب الحياة اليومية".
وتتدرّب نحو 50 فتاة في الأكاديمية بناء على برنامج يشمل حصتين تدريبيتين (أسبوعياً) بمعدّل ساعتين للحصة، وتنطلق عادة بعد انتهاء الدوام المدرسي.
كانت ميرال جمال تبلغ من العمر ست سنوات حين فرّت مع أسرتها قُبيل دخول الجهاديين. وها هي عادت إلى مدينتها اليوم وهي بعمر 13 عاماً، لتصبح واحدة من اللّاعبات الشغوفات بكرة القدم، وتحظى بتشجيع أسرتها ووالدها بشكل خاص.
"استقرار ومخاوف"
تقول جمال الطالبة في المرحلة المتوسطة "هنا تشعر اللّاعبات بالراحة والإطمئنان. كرة القدم تخفّف عنا متاعب الدراسة، لا يتوفّر في المدينة شيء آخر".
وتضيف "أتلقّى تشجيعاً من أسرتي وخصوصاً والدي وهو رياضي، كي أواظب على تعلّم مبادئ كرة القدم. أشعر أنّ أسرتي باتت مسرورة لوجودي هنا في الأكاديمية".
لدفع أجرة الملعب، تعتمد الأكاديمية على اشتراكات شهرية تقدّمها أسر اللّاعبات، تراوح بين 3 و7 دولارات. أمام النفقات الأخرى، فمن أموال المؤسّسين الخاصة.
توجّهت هالة توماس، وهي واحدة من مؤسّسي الأكاديمية، مؤخراً إلى بغداد للقاء مسؤولين بهدف الحصول على تمويل، لكنّها لم تتلقَّ إلّا وعوداً.
تقول السيدة البالغة 55 عاماً "ليس لدينا أموال كافية لشراء المزيد من الكرات ومستلزمات التدريب والملابس".
وتضيف أنّ "هذا لم يمنعنا من التفكير بتأسيس أول نادٍ رياضي للسيدات في المدينة لتكون الأكاديمية نواته".
ويشدّد صاحب فكرة تأسيس الأكاديمية وعد الله مرعي من جهته أنه "رغم العقبات المادية، سنمضي بعملنا للمحافظة على الأكاديمية".
بالنسبة لباسم متي شابا، مختار أحد أحياء برطلة، فقد باتت "كرة القدم متنفّساً حياتياً لأي مجتمع"، مضيفاً "هنا نحتاج لشيء يدعم الحياة المستقرة التي بدأنا نتلمّسها، ويبدّد مخاوف قائمة حيال المستقبل".