رياضة

النساء ينثرن البهجة بعد الحرب العالمية الثانية

أولمبياد لندن 1948.. ربّة منزل وعازفة بيانو تشرقان في سماء لندن

الفرنسية ميشلين أوسترماير
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

نيقوسيا : لمسات ناعمة لكن كلّها تصميم وجرأة وتألق أضافتها الهولندية "فاني" بلانكرز كون والفرنسية ميشلين أوسترماير على دورة لندن الأولمبية عام 1948، الأولى بعد الحرب العالمية الثانية.

حقّقت بلانكرز أربع ذهبيات، على طريقة الأميركي جيسّي أوينز عام 1936، فكان احتفالاً لا سابق له لانجاز غير مسبوق، حققته أم وبطلة مثالية.

من ناحيتها، حملت العازفة أوسترماير على منكبيها مسؤولية كبيرة، فكتب أحد المراسلين معلقاً على أدائها "شابة أنيقة في الرمي والأسلوب، متمكّنة وبارعة، ابتسامتها مفعمة بالحياة وحيوية، جد مرتاحة تدخل المسابقة واثقة من نفسها".

كانت فرنسينا "فاني" بلانكرز كون امرأة من ذهب على رغم سنواتها الثلاثين، هيمنت على سباقات السرعة، فحققت 11.9 ث في 100 م، و24.4 ث في 200 م، وأسهمت في فوز بلادها في التتابع 4 مرات 100 م (47.5 ث) أمام أستراليا وكندا، وسجّلت 11.2 ث في الـ 80 م حواجز. وبين التصفيات والنهائيات، فازت "فاني" في 11 سباقاً على مضمار موحل في غضون ثمانية أيام.

وشاركت "فاني" في دورة برلين قبل 12 عاماً، أي عندما كانت في سن الـ 18، حيث حلّت سادسة في الوثب العالي وخامسة في التتابع 4 مرات 100 م. ولعلّ "أبرز انتصاراتها" في ذلك العام، حصولها على توقيع الاسطورة جيسّي أوينز.

نشأت "فاني" في عائلة مزارعين، وفي المدرسة تلقت علوماً في التدبير المنزلي والخياطة والعناية بالحديقة وركوب الدراجة الهوائية، وزاولتها في أوقات الفراغ القليلة. تربية عامة لربة منزل بعيداً من طرق التدريب والتحفيز الرياضي.

انجذبت "فاني" إلى الرياضة في سن الرابعة عشرة، وافصحت عن "مكنوناتها الاولمبية" أمام استاذ للتربية البدنية فأخذ بيدها، وبعد عامين نصحها بمزاولة ألعاب القوى طالما أن هناك سبّاحات جيدات كثيرات.

بدأت "فاني" التدريب تحت إشراف يان بلانكرز البطل السابق في الوثبة الثلاثية، فسجّلت مشاركة نوعية في برلين عام 1936. وكانت برزت في سباق الـ 800 الذي حُذف من البرنامج الأولمبي بعد دورة 1928.

وأوّل غيث أرقامها العالمية كان معادلتها رقم الـ 100 ياردة (11 ثانية، رقم أوروبي)، ثم خاضت بطولة أوروبا في باريس عام 1938، وتزوجت مدربها عام 1940.

وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، وها هي السيدة بلانكرز كون تحرز ذهبيتين في بطولة أوروبا عام 1946 في أوسلو، بعدما نجحت خلال سنوات الحرب في المحافظة على لياقتها وقوامها على رغم صعوبات كثيرة، واستطاعت تحطيم الرقمين العالميين للوثب العالي والطويل عام 1943، ثم كان الحصاد في لندن وفيراً.

جاء ردّ ابنة الثلاثين في الميدان على منظّمي الدورة الذين وصفوها بـ "العجوز" التي يستحيل اختراقها الصفوف الاولى. فتفوقت في سباق الـ 100 على حساب البريطانية دوروثي فانلي بفارق 3 أمتار، وبنحو 6 أمتار على البريطانية الاخرى أودري وليامسون في 200 م. وزمنها في 80 م حواجز هو الرقم العالمي الوحيد خلال الالعاب على رغم انطلاقتها السيئة.

كانت "الأم فاني" تستغرب الاهتمام بها وترفض الاطراء قائلةً "ما أقوم به عادي جداً، فأنا لست سوى عداءة سريعة". لكن "الهولندية الطائرة" كانت ماهرة على المضمار كمهارتها في الطهو وتحضير الاطباق الشهية.

وفي دورة هلسنكي 1952، تعثرت "فاني" في سباق 80 م حواجز وغادرت باكيةً، لكنها ظلت شاهدة على العصر الرياضي الجديد وتطوراته المتسارعة حتى وفاتها في 25 كانون الثاني/يناير 2004 في هوفدورب عن 85 عاماً.

الرمي والبيانو
أما الفرنسية أوسترماير فكانت تنافس بفن وموسيقى، عازفة البيانو بطلة رمي القرص والكرة الحديد وثالثة الوثب العالي. وعموماً يخاف الموسيقيون على أيديهم، إلاّ أنّ أوسترماير كانت تجد في الرياضة راحة لهما. وقد ساعدها العزف على احترام الايقاع في خطوات الرمي وحركة الدوران. كما منحتها الموسيقى لاحقاً فسحة أمل لمجابهة الصعوبات في حياتها، ومنها مأساتا فقدانها زوجها رينيه غازاريان وولديها جوال وألن.

احتفت أوسترماير بانجازها، وعزفت في مكان اقامة البعثة الفرنسية على بيانو متهالك. وفي اليوم الأخير من الدورة دعاها رئيس اللجنة الأولمبية الفرنسية إلى حضور أمسية لموزار.

أعلنت بعد الألعاب انها تعود إلى الموسيقى لأنها مستقبلها ومهنتها و"الميداليات جزء من الماضي".

تميّزت أوسترماير بمواصفات جسدية قياسية (1.78 م، طول الساقين 83 سنتم، 72 كلغ). وكانت عريضة المنكبين، تبدو دائماً واثقة من نفسها، مستغرقة في التركيز، لكن تشتّت تفكيرها خلال مسابقة الوثب العالي (حلّت ثالثة مسجلة 1.61 م)، إذ صادف موعدها مع النهاية الدراماتيكية للماراثون، وتشجيعها وباقي أفراد البعثة الفرنسية فريق التتابع 4 مرّات 400 م رجالاً الذي حلّ ثانياً.

نشأت أوسترماير في تونس حتى سن المراهقة مع والدتها الرياضية والعازفة. وكانت موهوبة رياضياً منذ صغرها ومجتهدة، اذ حفظت حروف الأبجدية في عمر السنتين ونصف السنة. تفوّقت في سن الـ 17 على أقرانها الفتيان في الجري. وقدّمت حفلتها الموسيقية الأولى في سن الـ 12. حتى انها احرزت الجائزة الاولى للكونسرفاتوار الفرنسي (المعهد الموسيقي) عام 1946 في باريس، وفي اليوم التالي توجت بطلة لفرنسا في دفع الجلة في بوردو!

وقبل ثلاثة أسابيع من ألعاب لندن، لم تكن أوسترماير قد زاولت رمي القرص فتعلّمت مبادءه سريعاً، وتأهلت للمسابقة وراحت تحسّن رقمها في المحاولات تباعاً. وتفوّقت في المحاولة الأخيرة بفارق 75 سنتمتراً على الإيطالية إيديرا كورديالي جنتيلي (41.92 م في مقابل 41.17 م).

واعترفت أوسترماير التي توفيت في عام 2001 عن 78 عاماً، أن اعصابها كانت مشدودة في مسابقة الجلة "لانها اختصاصي والانظار مصوّبة عليّ، فاضعت بذلك فرصة تحطيم الرقم العالمي مكتفية برمية بلغت مسافتها 13.75 م، علماً أن تخطي الـ 14 متراً كان في متناولي"، وأسفت لاخفاقها في تحقيق هذا الهدف "فلم أستفد من الطقس المشرق بعد أسبوع ماطر".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف