قصائد للشاعر الايراني بيجن جلالي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
ترجمة وتقديممحمد الأمين: يعتبر بيجن جلالي (1926-2002) من الأصوات المهمة والمتميزة في الشعر الايراني الحديث. درس الفيزياء في جامعة طهران ثم واصل تحصيله العلمي في دراسة العلوم الطبيعية في فرنسا. إلا أن إهتماماته الأدبية والفنية والثقافية شغلته عن متابعة الدراسة الجامعية في تولوز وباريس. وبعد عودته الى ايران متأثرا بانتحار خاله الروائي الشهير صادق هدايت. درس الأدب الفرنسي في جامعة طهران.
لا مجال للتعقيدات اللفظية في المنجز الشعري لجلالي.. فالقصيدة وحدها من يقدر على حراسة جماليتها وعمقها حتى وان إقتربت من طيف واسع من القراء.. لأنها كتبت خصيصا للمستيقظ توا من حلم جميل.
شاعر مسالم ترفـّع عن الخوض في سجال الشكل والمضمون.. وسمح للطبيعة أن تنشر مفرداتها على ذهنه وأوراقه و.. " المخيلة تعرف كيف تشق طريقها الى اللغة". واظب منذ ديوانه الأول "الأيام" -1961 على نقاء القصيدة وخلوصها وسعى إلى أن يصيّرها أنشودة عميقة وسلسة في حقبة شهدت فيها الشعرية الايرانية حضورا طاغيا للقصيدة المهجّنة بالتقارير الحزبية. وبذلك تكون الشهادة التالية لصادق هدايت ذات دلالة بالغة الأهمية:
"حينما تنظر لصورة بيجن جلالي ستتأكد من أنك أمام شاعر منح الأدب الفارسي المعاصر جرأة أن يكون. شاعر يكتب بصمت وهدوء قصائد لظله. لكنه بروح متمردة يدعو كل من حوله للمبارزة على شرف القصيدة" حملت دواوينه الشعرية العناوين التالية: الأيام، همهمات للأبدية، لون المياه، لعبة الضوء، الشكل الخفي.
ذكرى رجل
ذكرى رجل
كان وحيدا في أرجاء الأبدية
وكان يرى ان يقظة الشمس واغفاءتها
دليل على حريته وعظمته.
ذكرى رجل مهمل و مجهول منذ سنين وقرون
لم ير الأرض خصماً له.
ذكرى رجل ساهد
يبجّل ذكريات النهار.
ذكرى أعين براقة
لم تشق في الحديقة ستارة الغيم وحجاب المطر.
ذكرى عزلته وبسالته
ذكرى حب حزين وظلاله التي تهيمن
على روحه وجسده مثلما شجيرات غابة كثيفة.
ذكرى صداقة لانهاية لها
ذكرى عطاياها الباذخة
التي دعتني رغم الأسى
أن أبحث في هذا الليل الطويل..
أن أبحث في أبدية الأرض
في أبدية الحديقة
في أبدية البشر
في أبدية الحب والعزلة
عن نهج
وعن معنى لاغفاءة الشمس ويقظتها.
[.......... ]
في الجحيم
ثمة رجال ونساء
ذوو وجوه حقيقية وسلوك واقعي
يتحدثون عن حوادث حقيقية.
في الجحيم ثمة رجال ونساء من جميع ممالك العالم
بعد القاء التحية والسؤال عن احوال بعضهم بعضا
يتحدثون عن عقائدهم.
في الجحيم رجال ونساء يتوادعون بمنتهى الأدب والاحترام
وعلى الأغلب بعبارة :"في أمان الله".
لكنهم حين يحل الظلام
عوضا عن الصمت يفسدون الليل بصراخهم المؤلم
طاردين النوم من أعينهم
[.......... ]
الليل مثل صديق يطوّقني بين ذراعيه
في عناقه النبيل
أتطلع الى نجمتي الصغيرة وكفاءتي المتواضعة.
الليل مثل حبيبة تستضيفني في سريرها
لأطبق صدري على نهديها
وأراجع ذكرياتها الجميلة بحب وفخر.
اليل مثل تاج أضعه على رأسي
سائراً على ضفاف زاهية
منصتا لأصوات القادمين والراحلين.
الليل جواب مكتمل لأوصال العالم
وأنا مثل ساحر ينثر في فضاء الكون الهائل بذور الامل واليأس.
[.......... ]
سنتعاضد ونتكاتف
سنهرول في مرتع النسيان
على جبل الصمت
على بحر الغضب.
[.......... ]
القصيدة تفصح عن حادثة لم تقع..
لن تقع.
فقط سمعنا عنها القليل
نتذكر منها القليل
فقط أصابنا يأسها.
[.......... ]
حينما سأموت
لن أكون خجلا إزاء العالم
ذلك أنني لن أصطحب معي وردة أو نجمة.
ذلك أنني أعدت للعالم النجوم وأزاهير السماء الزرق.
ولن أتواضع إزاء الموت
فقد تحاورنا أعواما
وقد اصطحبني معه الى أكوام التراب.
[.......... ]
أنت يا من حبست نفسك في قفص العالم، الذهبي.
كي أردد لك أغاني عن فراقك المرير.
كي أعشق الكون قفصاً وجنة.
[.......... ]
الليل الزلال الأزرق الذي في مياهه الشفافة تلمع الأصداف. وافتقد بسمتكَ وضيافتك السخية وأتشبّثُ بأذيال معطفك المترهل. الذي إن قُّدر لي ان اتدلّى من زرقته فسوف تسـّـاقط مني الاوجاع وأغفل الصيف والخريف وأتشبث بكَ، متحرراً من حكايات حبي الناقصة. ناسياً النساء وأجسادهن الملونة، وتلك الخطوط التي تطوق شفاههن مزمومة كانت أو منفرجة. أنسى الأم والأب والأخ في انشغالاتهم ومكابداتهم والمصير. الوطنَ السالفَ والوطن الراهنَ، بؤسَ الناس وخيطَ أمانيهم. الحيواناتِ المطرودةَ اذ تصدُر رائحةُ شواء أجسادها من أفران الضواحي لتتنقل في المدينة من بيت الى بيت. الكلابَ الوفيةَ السائبةَ والقططَ النحيفةَ الماكرةَ والعصافيرَ البلهاء. ربما حينما معلقٌ بكَ. أبكي بحرقة، وأحدثك عن صداقتي مع الأرض وأشرح لكَ معنى الفاقة وأمتدح الحمقى، ذلك أنني حينما أتمسّك بردائكَ، أكون قد تجازوتُ درجات الأرض والألم والفقر والحماقة.. وها هو ذا بكائي ونشيجي. ليلكُ أمٌّ رؤوفة لجمال الكون والغيوم هالتك البيضاء. وهل القمر وجهك الساطع الشاحب الذي يتخفّى خجلا وراء السحب والذي نظرته الرائية تعجز عن إدراك هذا الألم وتلك الفوضى والذي بهدوء يبكي. أنا ابنكَ البار الوقور يا ليل ومثلك روحي نائية ومقدودة من قماشة الرؤيا وشاحبة. روحي لا تعي شيئاً من سلوك الكون. نائية آلاف الأميال وتسعى جاهدة أن تشارك الأطفال والبراعم ألعابهم وأن تروّض أجساد النساء، وها هي رفيقة الفاقة والعجز والألم، لقد رافقت روحي الفصول الأربعة، وسايرت الحزن والأمل. روحي حب ساطع يطوي في رمشة عين مدار الأرض ويقطع المسافات الشاسعة بين النجوم.. بين الأمس واليوم، بين حزنين وكآبة، بين أمنيتين، يا ليل بحثتُ عن وجهك الحالم في الينابيع وفي عيون النساء وفي عمق البئر وها أنت ذا ملك جميع ساعاتي وها أنت ذا تحكم مملكة شاسعة من أكوام الأمل الأخضر ودماء الاحزان الملونة. لن تموت ابداً نجومك المنتسبة اليّ. وفي معبدك أشم عطر الأجساد النضرة وفي جنينتك أغرس ورودي.. وما أفكاري سوى درجات قصرك المرمري، وأحوالي محظيـّاتـُكَ اللاتي تتلمذن على يديك. من أجلك أعتز بشمس النهار ورقصة وريقات الشجر. وفي حضرتك أقدم البشرية قربانا بين يديك. وحينما أتمسّك بأذيالك، أصير مثلك أبدية معطاء.