من مزالق ترجمة يوليسيس (2)
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
يبدو أن هذا الإجهاد هو علّة بعض اجتهادات المرحوم طه غير المتّسقة. مثلاً. في الفصل التاسع من يوليسيس تتردّد شخصية آسمها Mr. Best (المستر أو السيّد بيستْ)، إلاّ
بالإضافة، لا شكّ عندي أن المرحوم طه بسبب هذا النوع من الإجهاد أغفل سهوا ترجمةً المقطعيْن التالييْن من الفصل السابع، وهما:
1- صوفيّ يمشي بتعثّر في ميدان المتغطرسة هيلين
إسبارطيّون يحرقون الإرم
إثياكيّون يقسمون أنّ المؤلف مقاتل
أنت تذكّرني بـ: أنتيسثينس، قال البروفسور، تلميذ غورجياس الصوفي. قيل عنه، إنّه ما من أحدٍ يعرف هل كان أكثر مرارة ضدّ الآخرين أمْ ضدّ نفسه. وُلِد من أبٍٍ نبيل وأمٍّ جارية. ألّف كتاباً وفيه أخذ رمز الجمال من "أرغيف هيلين" وأعطاه إلى بنيلوب المسكينة.
مسكينة بنيلوب. بنيلوب ريتشْ
كانت تتهيئان لعبور شارع أوكونل
يشير شارح يوليسيس، في المقطع أعلاه إلى أنّ انتيستينس فيلسوف إغريقي (444 - 370 ق. م.). أكّد أنّه بدون فضيلة لا يمكن أن توجد سعادة، وأنّ الفضيلة وحدها كافية لأن تكون سعادة. في إحدى مقالاته: "هيلين وبنيلوب"، حاول أنْ يبرهن على أن فضيلة بنيلوب جعلتها أكثر جمالاً من هيلين. كان نصفَ مواطنٍ أثيني، لأنّ أمّه كانت جاريةThracia
أمّا Gorgias فهو صوفي إغريقي وبلاغي عُرف بأنه فيلسوف عدمي لثلاث مسائل. (1) ما من وجود لأيّ شئ. (2) إذا كان هناك وجود لأيّ شئ، فلا يمكن أن يُعرف. (3) وإذا كان ثمّة وجود لشئ، ويمكن معرفته، فلا يمكن الاتصال به. لذا فالفلسفة (والحياة) مسائل إقناع وليست مسائل آتصال.
2- هلو عامل شبكة التلفونات
عربات الترام الثماني واقفة من جرّاء انقطاع التيار الكهربائي في عدّة أماكن كانت متوجهة أو قادمة من راثمينز، راثفارنهام، بلا كروك، كينغزتاون، ودولكي، وسانتيماونت غرين، ورينغسند، وسانديماونت تاور، دونيبروك بارك، وأبر راثمينز. عربات الأجرة والسيارات وحافلات توزيع البضائع، وسيارات توزيع الرسائل، وعربات خاصة يجرها حصان، ماء معدني فوّار يجري مع سلال قنانٍ مقعقعة، مخشخشة، تحرّكتْ، تجرّها خيول بسرعة.
* * *
لنعترفْ أنّ هناك الكثير من المصطلحات، والنعوت والألقاب المحلية تفوت حتى على أبناء إيرلندا أنفسهم نتيجة تقادمها، فكيف يعرفها المترجم الأجنبي؟ . من ذلك أنّ المرحوم طه ترجم : Skin -the - goat :بـ: "أبو فروة":
"...حيث قاد أبو فروة العربة...
- أبو فروة ، قال المستر أومادن بيرك"
هذه ترجمة آجتهادية مقبولة لدى القارئ العادي ، ولكنّها لا تلقي ضوءاً على شخصية هذا الرجل، وآسمه جيمس فيتزهارس، إذا ما أردنا تحليل شخصيّته وهذا شئ مهم. كان هذا الرجل قد" سلخ جلد معزاته الأثيرة، ليسدّد الديون المتراكمة عليه جرّاء إدمانه على الخمرة". إنّه :"سالخ جلد معزاته" أو "سالخ معزاته".
على هذا المنسوق ترجم المرحوم طه جملة: Look out for squalls بـ: إتّقِ تهوّره"، بدلاً من: "ترقّبوا رياحاً شديدة".
صحيح ، إنّ : Squall، تعني فيما تعني : الشجار، الصراخ، الريح الشديدة. بيد أنّك مع جويس لا يمكنك آختيار إحدى الكلمات آعتباطاً. يرمز جويس بهذه الكلمة إلى شئ أبعد تأريخاً وجغرافية. ففي الأوذيسة الجزء العاشر، نعرف أنّ أوذيس عاش أشدّ الأهوال في كهف السيكلوب. نجا بأشدّ الاعاجيب غرابة. وبعد مغامرات خطرة، وصل إلى جزيرة يقطنها "إيلوس". كان إيلوس هذا قد أعطى أوذيس قربة من جلد ثور، حبس فيها الرياح المعاكسة لرحلته وعودته إلى الوطن، إلاّ أن البحارة فتحوا القربة أثناء نوم أوذيس، ظنّاً منهم أنها تحتوي على كنوز. آنفجرت الرياح وأبعدته عن وطنه.
كان جويس يشير إلى تلك الرياح حينما قاده تيار اللاّ وعي إلى :Look out for squalls.
أدناه مثال آخر، عن الصعوبة البالغة في ترجمة يوليسيس إذْ لا يفصح جويس قطّ عن مصدر تداعياته.
في الجزء السابع، وفي باب معنون:"فأل سئ بالنسبة لهم" كان المحررون يتحدّثون عن فنّ الخطابة، بيد أن الخطيب فيتزغبون مات، كما مات موسى ولم يدخل أرض الميعاد. ثمّ يتواصل سرد الراوية، كما ترجمها المرحوم طه:
"ذهب مع الريح. حشود من مدينتي مولاماست وتارا حاضرة الملوك. أميال من أروقة الآذان صاغية"، كترجمة لـ:Miles of ears of porches مما يلفت النظر في هذه الجملة العربية إضافة كلمة : صاغية وهي غير موجودة في الأصل. إنها مضللة، والشئ الآخر: أروقة. هل في الآذان أروقة؟ وطولها أميال؟
يشير جويس هنا، إلى الشبح الذي وصف لهاملت، الطريقة التي قُتِل بها على يد أخيه كلوديوس:
"وصبّ سمّ خشب الأبنوس المقطّر
في صماخ أذني..."
(الفصل الأوّل - المشهد الخامس).
العجب، هو الدقة التي صوّر بها جويس الفكرة. فحينما ذكرمدينة تارا، أفاد بأنها حاضرة الملوك؟ ولكن كيف جاء هؤلاء الملوك إلى الحكم؟ تذكّر الراوية، الملكَ كلوديوس وكيف آغتصب عرش أخيه بصبّ السمّ في صماخ أخيه. من هنا تظهر أهمية : أميال لأنّ الملوك وقد اغتصبوا العروش بصبّ السم، فلا بدّ أن مسافة صماخات الآذان المسمومة تقاس بالأميال.
أمّا جملة :"ذهب مع الريح"؟ فهي اقتباس من قصيدة لإيرنست دوسن(1867 -1900)، من المقطع الثالث:"لقد نسيت الكثير يا سينارا/ ذهبت مع الريح..."
* * *
من المعميّات الأخرى، ما جاء في الباب المعنون : "محزن"، وفيه يتهكم جويس من محامين إيرلنديين، يلبسون جمّة الشَّعر المستعار للتدليل على ذكائهم. ثمّ آنصب الحديث بعد ذلك على محامٍ بعينه. قال المرحوم طه في ترجمته:
"وهن عزمه. قمار. ديون الشرف. يحصد الزوبعة...وشعرهم المستعار ليظهروا ألمعيتهم. مخّهم على أكفهم كذلك التمثال في جبانة جلاسنفين..."
في هذين السطرين مزالق غير مأمونة. ما معنى ديون الشرف؟ ما معنى يحصد الزوبعة؟ ما معنى مخهم على أكفّهم؟ ولماذا يشبه مخّهم على أكفّهم التمثال؟
ترجم المرحوم طه:Debt of honour ب: ديون الشرف (كذا وضعها قاموس المورد، كذلك)، وربما الأكثر صواباً هنا : دين لا يستوفى. (وهو دين لا قانوني في لعب القمار عادة). أما يحصد الزوبعة فإشارة إلى تهديد "يوشع" بتدمير إسرائيل بسبب وثنيّتها ولا تقواها:"إنهم يزرعون الريح ويحصدون الزوبعة" ((هوشع:8-7).
وترجم :"Brains on their sleeves بـ: "مخّهم على أكفهم". كيف يكون ذلك؟
يبدو أن جويس هنا نسج هذا التعبير سخرية من مصطلح: .Wear onersquo;s heart on onersquo;s sleeve ومعناه الحرفي: يرتدي قلبه على كمّه. بينما المعنى العام :أن يعلن ما في قلبه علناً. بالمناسبة استعمل شيكسبير هذا المصطلح بمعناه الحرفي في مسرحية عطيل على لسان "ياغو":
" ولن يمرّ بي زمان طويل
حتى أرتديَ قلبي على كمّي
ليأكله كل غراب زاغ..."
على هذا يكون معنى التعبير: أن قوة عقولهم غير خافية، أو بادية للعيان، وهذا ما أراده المحامون، من وراء آرتداء جُمّة الشعر المستعار..
أما التمثال فله حكاية يقول عنها الشارح، أنّ "بلوم" لاحظ تمثالاً في المقبرة يحمل قلباً كرمز على الحبّ والإخلاص."
يتهكّم بعد ذلك جويس من الصحفيين، ويستغرب من لسانهم، فيقول:"غريبة تلك الطريقة التي يناور بهاالصحفيون حينما يستروحون فرصة ملائمة. ديكة رياح. ثمّ يقول:
"Hot and cold in the same breath "
ترجمها المرحوم طه: "أنفاس حارة وباردة من فم واحد..."
تصح هذه الترجمة حرفياً وربما أدبياً لدى القارئ لأوّل وهلة، ولكنّها لا تصحّ إن وضعت في سياق الجمل التي قبلها.
الإشارة هنا إلى إلى حكاية إيسلوب الخرافية:" الرجل والساطير" (أحد آلهة الغابات عند الإغريق)، وهي: "أنّ رجلاً ضلّ طريقه في إحدى ليالي الشتاء الباردة، فأنقذه ساطير. كان الرجل ينفخ في يديه ليدفئهما، كما قال جواباً عن استفسار الساطير الذي أخذه معه إلى بيته. قدّم الساطير له صحناً من الثريد الساخن، فراح الرجل ينفخ عليه ليبرده. طرد ساطير هذا الرجل، قائلاً "لا علاقة لي برجل ينفخ حارّاً وبارداً في نفس النفَس"
ملحوظة شخصية: حاولت جهدي أن أجد بعض المبررات لصعوبة ترجمة يوليسيس نفسها. تجنبت المساس بقدرة المرحوم طه أو تضلّعه من فهم اللغة الإنكليزية. فإذا بدر مني سهواً ما يوحي بالنيل منه بأية صورة، فذلك يعني تطاولاً من جانبي لا مبرّر له، فأعتذر.