عمرو واكد: السينما تدهورت وصارت سلعة ترفيهية بعد النكسة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
ـ تشارك في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي بفيلم إيطالي يحمل اسم "الأب والغريب"، حدثنا عن تلك التجربة؟
أشعر أني محظوظ جداً بهذا الفيلم، فهو أول بطولة لي، حيث وفقني الله في تقديم عمل لم أكن أحلم به يوماً ما، وعندما رشحت للدور، كان باللغة الإنكليزية، وفجأة طلب مني المخرج أداءه باللغة الفرنسية التي أجيدها أيضاً، فإندهشت جداً، وقلت لهم إن الفيلم إيطالي فهو إما أن يكون باللغة الإنكليزية أو بالإيطالية، وكان الرد أن الفيلم بالإيطالية، ولكنهم أرادوا تيسيرالأمر عليَ في أن أقوم بالدور باللغة التي أجيدها، ثم يتم دبلجة الحوار بالإيطالية، وهو الأمر الذي رفضته تماماً وقلت لهم "كده أنتم هتضحكوا علي الناس في المنطقة العربية"، إذ كيف أجسد الدور بلغة، ويتم تركيب صوت آخر على كلامي، وصممت على أداء الشخصية باللغة الإيطالية، واستعنت بمدربة على تلك اللغة، ونجحت في الفيلم، والحمد لله. وكانت تجربة فريدة حيث أني أول مرة أمثل فيها باللغة الإيطالية. فضلاً عن أن أسلوب العمل مع الفريق كان رائعاً ومريحاً، فالأمور جميعها تسير بدقة ونظام شديدين، فكل حركة بموعد محدد مسبقاً، فأنا أعرف قبلاً موعد بدء وإنتهاء التصوير والبريك. ولا شيء متروك للمصادفة أو يدار بطريقة عشوائية. إنها حقاً تجربة رائعة، استفدت منها كثيراً، وساهمت في تثبيت أقدامي في السينما العالمية.
ـ هل تلك التجربة تأتي ضمن الأفلام التي تسعى للتقريب بين الثقافات؟
حقاً، هذا هو الهدف الذي أنتج الفيلم من أجله، فهو ينحاز للإنسانية بشكل جيد، ويحاول التأكيد أن جميع البشر يشتركون في الإنسانية، لا فرق بين مسلم أو مسيحي أو يهودي أو معتنق أية ديانة أخرى، لا فرق بين الأميركي أو العربي أو الأفريقي، الجميع سواء، و يمكن أن تنشأ بينهم صداقات وعلاقات إنسانية راقية. وتدور قصة الفيلم حول صديقين أحدهما أيطالي والآخر سوري. و قد استوحاها الكاتب مع قصة حقيقية تخصه شخصياً، إذ كان يرتبط بعلاقة صداقة قوية مع مصري، وعندما وقعت أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وشن الغرب هجوماً شديداً على المسلمين، كان يشعر بالإندهاش، إذ إن صديقه المصري المسلم ليس إرهابياً، بل إنسان راقٍ جداً في مشاعره، ومنفتح على الآخر. ليس هذا فقط، بل قدم الفيلم الإنسان العربي المسلم بشكل بطولي، الأمر الذي أسعدني كثيراً، و بالبلدي "انشكحت"، لأني ساهمت في تغيير الصورة النمطية المشوهة للإنسان العربي.
ـ هل واجه الفيلم إعتراضات من بعض الساسة أو النقاد الغربيين، على إعتبار أنه يقدم صورة غير تقليدية للإنسان العربي المسلم؟
نعم، تعرض الفيلم وكاتبه لبعض الإنتقادات، لأنه حاول تقديم الإنسان العربي بطريقة بطولية، وابتعد عن تكريس صورة الإرهابي أو على الأقل المسلم المتطرف الذي لا يقبل الحوار مع الآخر الغربي. وكانت أقل الإنتقادات حدة، تقول إن العربي المسلم إنسان مسالم، لكن لا يمكن أن تأمن جانبه أو تعقد معه علاقة صداقة قوية بهذا الشكل. لكنه كان يرد بأنها قصة واقعية ممزوجة بخيال سينمائي. إن الفيلم محاولة لمد جسور الثقة بين الغرب والإسلام. وأعتقد أن هذه النوعية من الأفلام تعاني مقاومة شرسة من قبل بعض العنصريين أو اليمينيين المتطرفين، لكنه يلقى الترحاب من قبل العامة هناك.
ـ وما توقعاتك في ما يخص حصول الفيلم على جائزة من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي؟
أعتقد أن الجائزة في الدورة الحالية غير مهمة، لأنه لا توجد منافسة قوية، حيث إن الفنان يشعر بقيمة الجائزة عندما يكون هناك أعمال منافسة مميزة و تعجبه أو تحقق له هو شخصياً الإبهار والإندهاش. وهذه النوعية من الأفلام غير متوافرة في مهرجان القاهرة في عامه الرابع والثلاثين، ولو حصلت على جائزة لن أشعر معها بالمتعة، لكنها ستمثل لي مجرد التشجيع لمواصلة العمل، وتقديم أعمال جديدة أكثر إبهاراً و تعالج القضايا الإنسانية. غير أن الجائزة الأهم بالنسبة لي هي أن يحوز الفيلم على إعجاب الجمهور، حيث سيعرض في شهر فبراير المقبل، إن شاء الله، إلى جانب أنه سوف يعرض أمس الثلائاء في سينما غلاكسي، ويعرض اليوم الأربعاء في سينما سيتي ستارز الواحدة والنصف ظهراً.
ـ معنى ذلك أنك غير راض عن مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الحالية؟ وما تقييمك له بشكل عام؟
"ليه بتقلب عليً المواجع". أرجوك اعفيني من الإجابة على هذا السؤال، فلدي أصدقاء يعملون في إدارة المهرجان، ولا أريد أن يغضبوا مني.
ـ أنت أجبت على السؤال، ونريد المزيد من التوضيح؟
يبدو أنك مصر، لكن لا بأس. إنها كلمة حق، وسوف أقولها وأجري على الله. كانت الفترة التي ترأس فيها سعد الدين وهبة المهرجان هي العصر الذهبي له، ويرجع إليه الفضل في تصنيفه كمهرجان سينمائي عالمي، وبعد رحيله تعرض المهرجان للإنهيار أو السقوط. وحاول بعض من تولوا المسؤولية النهوض به كثيراً، وخاصة في السنوات الأخيرة. وأعتقد أن العام الذي رعى أو دعم رجل الأعمال نجيب ساويرس فيه المهرجان، كان أفضل الأعوام بعد رحيل سعد الدين وهبة. لكن ساويرس لم يستمر في دعمه، وكان يجب على القائمين على أمر المهرجان البحث في الأسباب التي دعت ساويرس إلى اتخاذ هذا القرار، ومحاولة جذب رعاة آخرين، لأن المهرجان ـ حسب وجهة نظري ـ يحتاج إلى دعم أو رعاية باستمرار، فجميع المهرجانات العالمية، بل والإقليمية مثل "دبي"، "الدوحة"، أبو ظبي"، "دمشق"، "بيروت"، تحظى بدعم جهات أو مؤسسات أو رجال أعمال وينفقون ملايين الدولارات من أجل إنجاحها. و بنظرة إلى ميزانية مهرجان القاهرة، سنجد أنها متواضعة للغاية مقارنة بميزانيات مهرجانات المنطقة العربية، و تتفوق عليه في حضور الفنانين المصريين والعالميين، وأني أعتب على فنانينا في عدم دعم المهرجان بأضعف الإيمان ألا وهو حضور حفلي الإفتتاح والختام، في حين أن بعضهم يهرع لحضور مهرجانات أخرى، وإذا كان هناك من يرفضون دعم المهرجان بأي شكل، بسبب عدم رضاهم عن إدارته، فهذا يعني وجود مشكلة تحتاج إلى حل عاجل، ورغم ذلك أنا لا ألقي باللوم على إدارة المهرجان، ولا أحملها ما لا تطيق، لأن الأزمة الحقيقية هي أزمة دعم مادي، علماً أن الداعم أو الراعي لا ينبغي أن ينظر للمهرجان على أنه "بيشحته"، وبالتالي يتعامل معه بعدم لياقة، لا العلاقة قائمة على مصالح مشتركة، ويجب أن تحسب بتلك الطريقة، لأن رعاة المهرجانات العالمية يحققون مكاسب ضخمة. يجب البحث عن علاقة تراضٍ بين الطرفين، يجب أن يحقق كلاهما مصلحته، بحيث يكبر المهرجان ويستمر فنياً، ويحقق الراعي مكاسب أيضاً. المهرجان يعاني أزمة شديدة، لكن لم يقض عليه حتى الآن، وما زال هناك أمل في إنعاشه.
ـ إذا كان الشيء بالشيء يذكر، فإن السينما المصرية لم تشارك هذا العام، سوى بفيلم واحد فقط، باسم "الشوق"، من وجهة نظرك، هل شاخت، وأصابها العقم أم أن هناك أزمة في أفلام المهرجانات؟
أنا أعتبر أن السينما صناعة مهمة جداً شأنها في ذلك شأن الصناعات الإستراتيجية الأخرى. و هناك دول تعيش عليها، و مصر كانت واحدة من تلك الدول، و رغم أن صناعها أكلوا كثيراً من خيرها، وعرفت الدولة مدى قوتها وتأثيرها في الجماهير، وتشكيل الرأي العام، إلا أنهم جميعاً تركوها تنهار، وكانت النتيجة غلبة السينما التجارية التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
ـ ما أسباب ذلك الإنهيار من وجهة نظرك؟
أعتقد أن السبب الرئيس يرجع إلى انحدار قيمة الثقافة، لأن السينما سلعة ثقافية. ففي الماضي كانت الثقافة سلعة أساسية لدى المواطن المصري، لذلك كان هناك العديد من الأسماء اللامعة في مجال الرواية والسينما، ولكن الأمر تحول بشكل جذري في العصر الحالي، حيث صارت المواد الغذائية هي السلعة الأساسية للمواطن، وفي سبيل الوصول إليها يكد ويتعب ليلاً ونهاراً، ونتج من ذلك أنه صار في احتياج إلى السلعة الترفيهية. وهنا ظهرت السينما الترفيهية، و أفلام الإفيهات، من ثم أصبحت الأفلام الكوميدية التي لا تناقش أي قضايا هي الأكثر رواجاً، وتحقق مكاسب ضخمة "وتكسر الدنيا". والبطولة في هذه النوعية من الأفلام لا تغريني كما قلت. و في هذا الإطار، حدث انتعاش في سوق الموبايل الذي يرتبط به النكت ورسائل ال"إس إم إس"، والألعاب أي "الجيمز"، وكلها سلع ترفيهية أصبحت تحقق نحو 60 مليار جنيه سنوياً. وفي المقابل لا تحقق السينما الجادة أي مكاسب، بل لا تحقق الصناعة ككل سوى 150 مليون جنيه فقط. وترجع جذور كل ذلك إلى نكسة الخامس من يونيو 1967. فقد شكلت تلك الحرب نقطة تحول فارقة في تاريخنا بشكل عام، وتاريخ صناعة الثقافة، وساهمت في تدهور صناعة السينما رويداً رويداً، حتى وصلت إلى الحال السيئ الذي تعيشه حالياً. حيث توهم الكثيرون أن البعد عن الله هو السبب في الهزيمة، وإعتبروا أن السينما جزء من الذنوب أو المعاصي التي ساهمت في ذلك، وبالتالي ظهر من يفتون بأنها حرام، وبدأ الإنتاج يتقلص، والمستوى الفني ينحدر، بل زادت فيها مساحات العري والإبتذال، على العكس مما ينادي أصحاب دعوات التحريم. وعندما حصلنا على النصر في أكتوبر في العام 1973، خرج هؤلاء ليؤكدوا أن النصر تحقق بعد أن عدنا إلى الله. وحاول البعض العزف على الوتر نفسه، ووقع الخوف في قلوب المنتجين، واتجه بعضهم للعمل من الخارج، و طغى الكم على الكيف، باستثناء أفلام تعد على الأصابع، هي الجيدة من حيث الإبداع السينمائي. واستمر التدهور، حتى صار لا كم ولا كيف.
ـ وكيف ترى الحل لإعادة النهوض بها من جديد؟
صناعة السينما تحتاج إلى دعم الدولة، خاصة أن الصناعات الإقتصادية المهمة والرابحة دائماً ما تكون للدول بشكلها الرسمي دور أساسي في دعمه. و إذا لم تكن الدولة قادرة على توفير الدعم المادي، فيجب عليها أن تقدم تسهيلات بقوانين وتشريعات تدعم صناعها ومنتجيها، مثل تخفيض الضرائب والرسوم الجمركية على الأجهزة والمعدات المستخدمة فيها، ما يؤدي إلى إنعاشها. و في هذا الصدد إني لأعجب من تركز السينمات أو دور العرض في القاهرة والإسكندرية فقط، لماذا لا تبني الحكومة أو تقدم تسهيلات لمن يبني سينمات في الأقاليم. فمثلاً يعيش في محافظةالشرقية نحو ستة ملايين نسمة، و رغم ذلك لا يوجد بها سوى دار عرض واحدة في مدينة الزقازيق. وهناك اقتراحات بإنشاء صناديق للإستثمار في السينما، أو إنشاء بنوك متخصصة تكون مهمتها إقراض منتجي السينما. كما ينبغي النظر إلى السينما على أساس أنها صناعة قابلة للتصدير، حيث إن الأفلام يتم عرضها في الخارج أيضاً، وبذلك تكون أحد مصادر الدخل القومي. ولو تم تنفيذ تلك المقترحات من قبل الدولة، و قدمت تسهيلات، سوف يحدث انتعاش وتنوع للصناعة، وسوف تظهر نوعيات متعددة من الأفلام، ستكون لدينا أفلام تناقش قضايا إنسانية، وأخرى للترفيه، وثالثة جادة، ورابعة تناقش قضايا قومية، وسوف يصل كل نوع إلى المستهلك الذي يريده.
بالطبع، لأن السينما المستقلة هي السينما الحقيقية، فهي تهتم بالقضايا الخاصة بالمجتمع، وليس بالنجم، ولذلك فهي تجذب الجمهور، إنها إبداع المخرج، و لذلك فالمخرج في الخارج صاحب سطوة، لأنه يقدم إبداعا حقيقيا، لكن ما يحدث في السينما العادية أن المنتج هو صاحب السطوة، فهو من يختار المخرج والممثلين وجميع فريق العمل، ويتدخل في كل صغيرة وكبيرة، رغم أنه منتج غير موهوب.
ـ وهل تتوقع أن تواجه حرباً من السينما التجارية؟
لا أتوقع ذلك، بل سوف يحتضنها المنتجون، لأن مخرجي السينما المستقلة لديهم كافة الأدوات التي تؤهلهم لتقديم أفلام جيدة إبداعياً، ولها رواج تجاري. وفي حالة نجاح فيلم واحد تجارياً سوف يتحول غالبية المنتجين التجاريين إلى السينما المستقلة، و سوف يكتشفون أنه الأقل تكلفة، علماً أن التاريخ يقول إن الإفلام التي حققت نجاحاً جماهيرياً، وإيرادات ضخمة هي تلك الأفلام غير التجارية.
ـ ما رأيك في ظاهرة الهجرة الجماعية لنجوم السينما نحو الدراما؟
يحدث ذلك لأن الدراما أفضل، فالأدوار المعروضة أفضل من السينما بكثير. و يبدو أن ذلك يعود إلى وجود كتاب موهوبين في الدراما، كما أن المسلسلات صارت تصنع بطريقة الأفلام، إن إنتعاش الدراما ظاهرة صحية.
ـ ما الجديد لديك؟
سوف أوزع فيلم "الأب والغريب" في الشرق الأوسط، وأجهز لثلاثة أفلام الأول بعنوان "بأي أرض تموت" سيناريو و حوار وإخراج أحمد ماهر. و تدور القصة حول مهاجر مصري غير شرعي يعيش في إيطاليا منذ عشرين سنة. ويشعر بالحنين نحو أمه التي لم يلتق بها طوال تلك السنوات، وعندما علم أنها مريضة يرسل في إحضارها إليه، و لكنها تموت في المطار. والثاني بعنوان "توم كينسكي"، مع المخرج خيري بشارة. ويناقش نظرة الغرباء الأوروبيين للقاهرة. أما الثالث فيناقش قيمة التضحية، من خلال شخصية جزار يخرج لممارسة طقوس الذبح في عيد الأضحى، و من خلال الأحداث يظهر أنه موظف في السجل المدني، وأن والده شهيد في حرب السادس من أكتوبر 1973.
التعليقات
ساكن
من سكان العالم -الشعبى المصرى يعتمد على مهاره مهنيه من الممثل تقريبا فقط المطلوب من الساكن يختار من هو على مهاره يدير البلاد و ليس بالانتخابات مثل ديليسبس فى حفر قناه السويس انه حفرها ايام الجهل يعنى الان فى تقدم المصرى الشعبى صعب يحفرها
فنان محترم
محمد الجزائر -الفنان عمرو واكد من الفنانين القلائل المحترمين انا شخصيا احبه و احترمه كفنان و كانسان