الدراما السوريَّة بعيدة عن أحداث بلادها
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
دمشق: خلت غالبية الأعمال الدرامية السورية من الحديث عن الأزمة الحالية، وهو أمر مبرر لها هذا العام، باعتبار أن غالبيتها نفذت وصورت قبل بدء الأحداث أو مع استمرار الأحداث التي لم تهدأ حتى الآن، والتي يرى الكثيرون أنها تحتاج وقتًا بعد استقرارها، ليتمكن الفنان من فهم وتحليل ما جرى، والخروج بعمل فني ملائم، وإن كانت بعض الأعمال حاولت مواكبة الأزمة بإدخال تفاصيل بسيطة تلمح إلى الأزمة، كما حدث في الغفران، حينما تطرق إلى قضية غزة وتأثر الناس في سوريا بها، وخروج مسيرات صامتة مؤيدة للشعب الفلسطيني، في محاولة من مخرج العمل إلى إضافة تفاصيل لم تؤثر على سياق أحداثه.
ولكنها عكست إلى حد ما المزاج العام السوري السائد عن متابعة أخبار الدم والفوضى في محيطهم، والأمر نفسه قامت به أعمال اعتمدت اللوحات المنفصلة كبقعة ضوء ومرايا وحتى خربة، التي اقتربت مما يجري بقالب كوميدي مستخدمة شاعرات هذه الفترة لتحولها إلى "الشعب يريد تغير مدير الناحية" والتطرق إلى فكرة "المظاهرات".
يصف الكاتب التلفزيوني، نجيب نصير، أن انتقاد الدراما السورية هذا العام لعدم قدرتها على مواكبة ما يجري، أمر غير منطقي، ففي حال استطاعت الدراما أن تفكك وتحلل ما حدث خلال سنين، سيكون الأمر جيدًا، علىالرغم من إدراكه بأن الأمر غير ممكن، فالفن العربي عمومًا لم يتمكن حتى الآن من مواكبة قضاياه التقليدية والمعروفة، ولم يتمكن من التحدث عنها، كما يقتضي العقل، بل كما تقتضي الأعراف والتقاليد، وبالتالي كيف سيكون الوضع مع حدث سياسي وتاريخي كالذي نمر به اليوم.
يستبعد نصير أن تتمكن هذه الدراما من مواكبة الأحداث حتى في العام المقبل، لأن ما يحدث على أرض الواقع أعمق مما يقدمه الإعلام، الذي خلق حالة من الاستقطاب بالنسبة إلى المتلقي، وأي عمل سينتج سيجاري هذا الاستقطاب، وسيكون عملاً سريعًا وسطحيًا، يخلط ما بين العمل الإعلامي والعمل الفني.
"فوق السقف" وعودة الرقيب
لكن أبرز ما لفت السوريين والمتابعين للفضائية السورية ظهور مسلسل "فوق السقف"، الذي قدم سقفًا مرتفعًا في هذه الفترة مخالفًا لما عرف عن الرقابة السورية الصارمة في القضايا السياسيةوالمحلية.
تطرق العمل إلى الحديث عن المظاهرات والانشقاقات بين الناس داخل المهنة الواحدة، وفي العائلة الواحدة، وكان أول من تحدث عن قضية الأكراد وموضوع جنسيتهم.
ويرى مخرج العمل سامر برقاوي أن "فوق السقف" جاء لتدارك هذه الأزمة ومحاولة تقريب الدراما من الأحداث، ليلامس ما يجري ويخوض فيه بحساسية عالية من دون السعي إلى البحث عن حلول أو فرض إملاءات.
أراد برقاوي والجهة المنتجة للعمل أن يعبّر عن تنوع الشارع السوري واختلاف مواقفهم إزاء ما يحدث، لهذا استندوا إلى مجموعة من الكتاب الدراميين، الذين أبدوا في وقت سابق تنوعًا في الرؤى، وعكسوه من خلال حلقات العمل.
ويوضح برقاوي أن هذا الأمر حقق الغاية الرئيسة من العمل،وهي تقبل الآخر والاستماع إلى كل الآراء، وهو أمر نسعىإليه اليوم، ومن خلال ما يجري للحصول على مزيد من هوامش الحرية والانفتاح.
ويضيف برقاوي أن الغاية الثانية كانت مجابهة فكرة الانقسام القائمة على مبدأ مع وضد، باعتبار أن هذا الانقسام غير صحي للمجتمع، ويقول: "لذلك سعينا إلى مجابهة هذه الفكرة بكل جرأة، وأن يكون عملاً متنوعًا يدعو الجميع إلى حضوره ممن هم مع أو ضد، لأن الغاية منه ليس إرضاء طرف على حساب طرف آخر".
تؤكد هذا الطرح الكاتبة، كوليت بهنا، إحدى المشاركات في العمل، معتبرة أن "فوق السقف" أعدّ أصلاً ليتحدث عن الأزمة، ويعكس الواقع الذي جرى، ويستقي منه حكاياته، ولهذا تحدث في اتجاهين المؤيد والمعارض، من دون التحيز إلى طرف من الأطراف، وسعى إلى إيجاد حالة من التوازن، وخلق نوعًا من المحبة بين الجميع لمنع الانقسام الذي حصل في المجتمع.
وعن الاستغراب من إنتاجه من قبل جهة رسمية، وبثه عبر الفضائية السورية، التي تعتبر جهة رسمية، أوضح برقاوي أنه يخالف هذا الرأي، لأن الحدث محلي بحت، وبالتالي يجب مخاطبة الناس عبر محطتهم الرسمية، باعتبار أنها شاشة محلية ولجميع المواطنين حصّة فيها، بغضّ النظر عن وجهة نظرهم وتقويمهم للأحداث.
ولكن للأسف فرحة السوريين لم تكتمل، علىالرغم من تحفظهم على بعض حلقات العمل، فالرقابة في بلادهم استفاقت من غفوتها، وقررت استعادة دورها، وبعد عرض الفضائية السورية خمس عشرة حلقة من العمل، قررت تغييبه، والتوقف عن عرضه من دون تقديم تبريرات واضحة، وهي لم تكن أول خطوة رقابية وجّهت ضده، فقد سبقها تغير اسمه من "الشعب يريد" إلى "فوق السقف"، ثم شطبت مشاهد من حلقات عدة، إضافة إلى منع حلقات برمتها من العرض، والاكتفاء بتصوير ستة وعشرين حلقة منه، وصولاً إلى تغييبه عن الشاشة.
في المستقبل
وعن المواكبة المستقبلية للحدث، ترى بهنا أن تجربتها ستكون مرهونة بارتفاع سقف الرقابة، ومنح الكتاب المزيد من الحرية،مع تأكيدها على ضرورة كتابة مثل هذه الأعمال بعد انتهاء الأزمة واستقرار الأوضاع، ليتمكن المرء من مشاهدة ما جرى من بعيد.
تفاؤل بهنا بارتفاع سقف الرقابة يستبعده نصير، فوفق توقعاته المرحلة المقبلة ستشهد ارتفاع حساسية هذا الجهاز، التي تزداد أصلاً وقت الأزمات، وهو أمر لا يرفضه بالمطلق نصير، لان المطلوب في المرحلة المقبلة أعمال تتناسب مع عملية البناء.