مع كل إشراقة كتاب

إيلاف تقرأ لكم: "القائد العاشق المقاتل" بين الحب والنار

عبد الرحمن شلقم يرسم ملحمة الفروسية والعشق في زمن الحرب

في دروب الحرب والعشق: رواية تأخذك في رحلة بين الحب والنار
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
إيلاف من لندن: في عمل أدبي جديد ومثير، يعود عبد الرحمن شلقم إلى الواجهة الأدبية بروايته "القائد العاشق المقاتل"، التي تمثل رحلة استثنائية بين دهاليز التاريخ العسكري وروعة القصص الإنسانية. الرواية التي صدرت عن "دار الرواد للنشر والتوزيع" تأخذنا إلى قلب سيرة القائد الإيطالي أميديو جوليت، الملقب بـ"القائد الشيطان". جوليت لم يكن مجرد عسكري عادي، بل شخصية متفردة جمعت بين صرامة الجندي وشغف العاشق، بين حدة الحرب ودفء المشاعر. شلقم يروي الحكاية بأسلوب سردي يأسر القارئ، جامعاً بين الحقائق التاريخية والخيال الأدبي في نسيج محكم. أسطورة القائد الشيطاني أميديو جوليت كان شخصية استثنائية تجاوزت القوالب النمطية للقائد العسكري. بفضل كاريزماه الطاغية وشغفه بالثقافات، بات صديقاً مقرباً للعرب الذين أحبوه كواحد منهم. يرتدي أزيائهم، يتحدث لغتهم بطلاقة، ويشاركهم جلساتهم الأدبية التي تمتلئ بشعر المعلقات وأحاديث الفروسية. هذا القائد، الذي اشتُهر بلقب "القائد الشيطان" بسبب جرأته في ساحة المعركة، لم يكتفِ بأمجاده العسكرية بل جعل من الثقافة جسراً يعبر به إلى قلوب من حوله. كان جوليت رمزاً للتناقض البشري، فهو محارب عنيد على جبهات القتال ولكنه عاشق حساس أمام الحبيبات اللواتي أثرن في روحه. شلقم يستعرض هذه الثنائية بأسلوب يجمع بين عمق التحليل وسلاسة السرد، جاعلاً من جوليت رمزاً لفارس يعيش بين عالمين: عالم السيف وعالم الحب. علاقات ترسم ملامح القلبريزا الليبية: الحبيبة الضائعة كانت ريزا، الممرضة اليهودية الليبية، أول حب كبير في حياة أميديو جوليت. التقاها أثناء فترة علاجه من إصابة خطيرة في أحد مستشفيات طرابلس. يقول الكاتب عنها: "كانت ريزا بوجهها الأبيض وعينيها الواسعتين، تجسد الحلم الذي أنساه أهوال الحرب". هذه العلاقة لم تكن مجرد عاطفة عابرة، بل كانت نافذة أمل وسط الظلام الذي أحاط بجوليت. لكن قصة الحب هذه انتهت بشكل مأساوي تحت وطأة القوانين العنصرية النازية التي منعت الزواج بين أمثال جوليت وريزا. في هذه القصة، يظهر شلقم كيف يمكن للحب أن يصبح ضحية للسياسة والقوانين القمعية، مما يفتح نافذة تأمل حول تأثير الأنظمة الاستبدادية على حياة الأفراد ومشاعرهم. خديجة الإثيوبية: العشق المتقد في انتقاله إلى إثيوبيا وإريتريا، وجد جوليت نفسه مأخوذاً بجمال خديجة، ابنة شيخ قبيلة مختار. خديجة كانت تجسد روح الحرية والجمال الخمري الفريد، وكانت شريكة له في السراء والضراء. يصورها الكاتب وهي تتسلل ليلاً إلى خيمته، تحمل معها قصصاً عن الفروسية وشجاعة الأجداد، تملأ حياته بالشعر والرومانسية. شلقم يصف العلاقة بين جوليت وخديجة بعبارات تفيض بالعاطفة: "نسي جوليت ماضيه مع ريزا، وغابت عن باله الحبيبة الإيطالية بياتريس. أمام خديجة، باتت كل الذكريات ظلاً بعيداً". هذه العلاقة تمثل قمة النضج العاطفي لجوليت، حيث تصبح خديجة دعامة روحية له في أصعب أوقاته. بياتريس المصرية: الحبيبة الغامضة بياتريس، الفارسة المثقفة المصرية، كانت إضافة فريدة لحياة جوليت العاطفية. تعرف عليها أثناء وجوده في اليمن حيث عاش تحت اسم مستعار "أحمد عبد الله الرضائي". كانت بياتريس تجمع بين الذكاء والغموض، تعزف على آلة البزق وتشارك في تهريب الأسلحة. يقول الكاتب: "كانت بياتريس تتمتع بقدرة استثنائية على قراءة النفوس، وهو ما جعل جوليت يفتتن بها بشكل مختلف عن الأخريات". في هذه القصة، يظهر شلقم كيف يمكن للحب أن يكون جزءاً من لعبة البقاء، وكيف يتحول من شعور خالص إلى وسيلة للتأقلم مع الظروف القاسية. أميديو وجبهات الحرب تتبع الرواية حياة جوليت كقائد عسكري يتنقل بين جبهات القتال. من معاركه مع البريطانيين في ليبيا إلى مغامراته في إثيوبيا واليمن، يظهر جوليت كقائد لا يعرف المستحيل. رفضه للأوامر الرومانية بالاستسلام خلال الحرب العالمية الثانية جعله شخصية استثنائية في سجل الحروب. يروي شلقم بأسلوب مشوق تفاصيل المعارك التي خاضها جوليت، مركّزاً على تكتيكاته الحربية التي كانت دائماً ما تفاجئ أعداءه. لكن مع كل انتصار كان هناك جانب من الخسارة، سواء في عدد الرجال الذين فقدهم أو في الأثر النفسي الذي تركته المعارك على روحه. المرحلة اليمنية عندما ضاقت السبل بجوليت في إيطاليا، قرر اللجوء إلى اليمن، حيث أعاد تشكيل هويته ليصبح أحمد عبد الله الرضائي. خلال هذه المرحلة، يقدم شلقم وصفاً بانورامياً للحياة في اليمن، من تقاليدها الاجتماعية إلى أجوائها السياسية المتوترة. يقول الكاتب: "كان جوليت يجلس مع اليمنيين، يخزن القات معهم، ويشارك في السهرات الشعرية حتى ساعات الفجر". التحول إلى أحمد عبد الله الرضائي لم يكن مجرد تغيير اسم، بل كان انعكاساً لرغبة جوليت في الاندماج الكامل في المجتمع اليمني. شلقم يرسم هذا التحول بأسلوب ينبض بالحياة، جاعلاً القارئ يشعر وكأنه يعيش تفاصيل تلك الحقبة. نهاية رجل مغامر في ختام الرواية، نرى جوليت وقد تخلى عن سلاحه ليعيش سنواته الأخيرة كدبلوماسي. كان شاهداً على أحداث بارزة مثل انقلاب الصخيرات في المغرب، وهي مرحلة تظهر التناقض الكبير في حياة هذا الرجل الذي عاش بين أقصى درجات العنف وأعمق لحظات السلام. تجعل الرواية القارئ يتساءل: هل يمكن للإنسان أن يتجاوز الماضي؟ وهل الحرب تترك فينا جراحاً لا تندمل أم أنها تدفعنا للبحث عن السلام بأي ثمن؟ نموذج نادر شلقم يقدم في "القائد العاشق المقاتل" نموذجاً نادراً للرواية التي تجمع بين الحقيقة والخيال. استندت الرواية إلى مذكرات أميديو جوليت، لكنه أضاف لمسته الأدبية التي جعلت النص ينبض بالحياة. الحبكة تتنقل بسلاسة بين قصص الحب والمعارك، مما يعكس براعة الكاتب في المزج بين التفاصيل الدقيقة والسرد المشوق. "القائد العاشق المقاتل" ليست مجرد رواية تاريخية، بل هي درس إنساني عميق عن الحب، الحرب، والهوية. من خلال شخصيته المحورية، يظهر شلقم كيف يمكن للعاطفة أن تكون سلاحاً في مواجهة قسوة الحياة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف