«الراقص على رؤوس الأفاعي»
علي عبدالله صالح: الانتفاضة والوداع
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
إيلاف من دبي
&"حُكم اليمن صعب... أقول دائماً إنه أشبه بالرقص على رؤوس الأفاعي&" .— علي عبدالله صالح، في حديث للرئيس الأمريكي جورج بوش، 2007
الرجل الذي تحدّى توقعات المخابرات الأمريكية
حين تولّى علي عبدالله صالح رئاسة اليمن الشمالي عام 1978، توقّعت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) أنه لن يصمد في منصبه أكثر من ستة أشهر. لكنه ظلّ يحكم 33 عاماً، وراكم ثروة قدّرها تقرير لجنة خبراء الأمم المتحدة عام 2015 بما يتراوح بين 32 و60 مليار دولار، مخبّأة في عشرين دولة على الأقل. كان ذلك يكفي لوضعه في المرتبة الخامسة على قائمة فوربس لأغنى أغنياء العالم.
72 ساعة غيّرت التاريخ
في الثاني من ديسمبر 2017، وقف صالح أمام الكاميرات ليُعلن فضّ تحالفه مع الحوثيين بعد ثلاث سنوات من الزواج السياسي المضطرب. &"سنفتح صفحة جديدة&"، قال مخاطباً دول الخليج. لكن تلك الرقصة الأخيرة على رؤوس الأفاعي كانت قاتلة؛ فبعد 48 ساعة فقط، لدغته الأفعى التي ظنّ أنه يروّضها.
الحقيقة التي أُخفيت ثماني سنوات
في يوليو 2025، أحدث الفيلم الوثائقي &"علي عبدالله صالح: المعركة الأخيرة&" الذي بثّته قناة العربية زلزالاً سياسياً في اليمن. للمرة الأولى، كسر نجله مدين صمته ليكشف أن والده لم يُقتل داخل منزله كما روّج الحوثيون طوال سنوات، بل قاتل ثلاثة أيام متواصلة من داخل منزله في &"حي الثنية&" وسط صنعاء، قبل أن يقرر فجر الرابع من ديسمبر الخروج بثلاثة مواكب للتمويه، متجهاً نحو حصن عفاش في سنحان، معقل العائلة التاريخي.
لكن المواكب الثلاثة وقعت جميعها في كمائن. في قرية الجحشي، على بُعد عشرة كيلومترات من الحصن، انتهت الرحلة. قُتل صالح ومعه الأمين العام للمؤتمر الشعبي عارف الزوكا، فيما أُسر نجلاه مدين وصلاح اللذان كانا يقاتلان إلى جواره حتى اللحظة الأخيرة.
إرث الرجل والذاكرة الجماعية
يُعيد العمل الذي أعدّه لطفي فؤاد نعمان تشكيل صورة تلك الأيام المصيرية في الوعي اليمني. فبين من يراه &"شهيداً&" دافع حتى الرمق الأخير، ومن يراه &"دكتاتوراً&" أفقر أفقر بلد عربي حيث كان 40% من السكان يعيشون بأقل من دولارين يومياً، تظل شخصية صالح مثار جدل لا ينتهي.
حكم صالح اليمن الشمالي منذ 1978، ثم أصبح أول رئيس للجمهورية الموحدة عام 1990. نجا من محاولة اغتيال عام 2011 تركت حروقاً بالغة في جسده، واضطر للتنحي عام 2012 تحت ضغط ثورة الربيع العربي. لكنه لم يغادر المشهد، بل تحالف مع أعدائه التاريخيين الحوثيين، قبل أن ينقلب عليهم في رقصته الأخيرة.
حين لدغت الأفاعي راقصها
دُفن صالح في التاسع من ديسمبر 2017 في صنعاء، في جنازة سرية لم يحضرها أكثر من عشرين شخصاً، بعيداً عن الجماهير التي طالما حشدها في الميادين. وتبقى الأعمال التوثيقية كهذا العمل شاهدة على فصل دراماتيكي من تاريخ اليمن المعاصر، حيث الحدود بين البطولة والطغيان ضبابية كدخان المعارك التي مزّقت صنعاء في تلك الأيام الأخيرة من عام 2017.