نساء في أربيل يطلبن الزواج من حاكم في عهد صلاح الدين

أربيل:تقف"بخشان" وهي امرأة كردية في العقد الرابع من عمرها، عند باب مرقد السلطان مظفر الدين الكوكبري، وسط مدينة اربيل، بانتظار أن يفتحه القائم عليه، وتقول إنها تحافظ على زيارة المرقد "بانتظام منذ نحو ثلاثين عاماً" وستستمر على ذلك، لأنه ساعدها "في إنجاب الأولاد".

وتوضح "بخشان" لـ"السومرية نيوز"، قائلة "لم أنجب أطفالاً لوقت طويل بعد زواجي، حتى أنني كنت على وشك التطليق من زوجي، وبعد أن ذهبت مع والدتي لزيارة مرقد السلطان مظفر، تحققت أمنيتي وأنجبت سبعة أطفال، أطلقت على أكبرهم اسم سلطان تيمناً بالسلطان مظفر الكوكبري".

وتتابع أنها ومنذ ذلك الحين وهي تحرص على "زيارة المرقد بانتظام وإطعام الزوار بقدر الاستطاعة"، وتؤكد قائلة "سأبقى أزوره ما دمت على قيد الحياة".

وليست "بخشان" الوحيدة التي تحرص على التردد على ذلك المرقد، فحيثما نظرت وفي أي وقت من النهار إلى باب المرقد الذي دفن فيه السلطان مظفر الدين الكوكبري وسط مدينة أربيل، فستجد امرأة وأكثر تنتظر عند الباب ليفتحه القائم على المرقد، كي يدخلن إليه.

كرامات متحققة وأخرى متعذرة
وإذا ما اقتربت من إحدى زائرات المرقد وسألتها عن سبب الزيارة فستجيب بأنها في ضيق من أمرها، وجاءت للدعاء في المرقد إما لتشفى من مرض، أو لتدعو لقريب أو قريبة لها للسبب ذاته، أو تقول إنها لم ترزق بأولاد وجاءت للدعاء لتتحقق أمنيتها، أو تكون عازبة وجاءت للدعاء طلبا للزواج.

وتروي أمل صالح، إحدى زائرات مرقد الكوكبري، حادثة ابنها أحمد، الطفل الذي لم يكن ينطق، وكيف أن المرقد "ساعده على النطق".

وتضيف صالح (35 سنة) في حديث لـ"السومرية نيوز"، "كان ابني عاجزاً عن الكلام رغم أن الأطفال في سنه يتحدثون في العادة، وكنا نتواصل معه بالإشارات، حتى نصحني بعض معارفي بالذهاب لزيارة مرقد السلطان، وفعلاً وبعد فترة قصيرة من الزيارة بدأ ابني أحمد بالكلام"، مضيفة "إنها روح السلطان ساعدت أبني على النطق".

من جانبها، تستذكر المعلمة تارا عيسى عن رأيها في موضوع كرامات السلطان، فذكرت أنها فعلت ذلك عندما كانت طالبة بمرحلة متقدمة من الدراسة، بهدف النجاح في الامتحانات.

وتقول المعلمة عيسى، ( 30 سنة) في حديث لـ"السومرية نيوز"، "كنت سمعت عن تأثير المرقد، فقمت بالتردد عليه في فترة الإعداد للامتحانات في أحد الأعوام، سعياً وراء النجاح واجتياز السنة، لكن ذلك لم يتحقق لي، وتخليت عن مسألة زيارة المرقد نهائياً".

من هو السلطان الكوكبري؟
اسمه الكامل مظفر الدين أبو سعيد كوكبري بن زين الدين علي كوجك بن بكتكين (1154-1232)، ولد في أربيل أثناء خضوعها لحكم أبيه زين الدين علي كوجك، وعنه ورث حكمها، لكن أصوله العائلية تعود إلى تركيا.

وتؤكد مصادر مختلفة أن الكوكبري كان قائداً عسكريا ورجلاً متديناً، التحق بجيش القائد الشهير صلاح الدين الأيوبي وشارك معه في بعض حروبه، فوثق به وزوّجه أخته ربيعة، وبعد إظهاره شجاعة في معركة حطين، ملكه "الأيوبي" على أربيل وشهرزور، واستمر حاكما لها أربعين عاماً حتى وفاته.

من الآثار التي تركها الكوكبري في أربيل منارة تحمل اسم المظفرية وهي ثاني أهم معلم بعد قلعة اربيل، كما بقي من عهده تقليد لا يزال السكان يحرصون على التمسك به وهو الاحتفال كل عام بيوم المولد النبوي، ويقام الاحتفال في أجواء مبهجة، كما ويتبادل السكان الحلويات والأطعمة ويعلقون الزينة في كل مكان، فضلاً عن قبره بوسط أربيل الذي تحول إلى مزار للناس.

يقول الخبير الآثاري كنعان المفتي إن حكم السلطان مظفر الدين الكوكبري لأربيل "اتسم بالعدل ومساعدة الفقراء وتشجيع العمران".

ويضيف المفتي في حديث لـ"السومرية نيوز" أن المدونات التاريخية تتحدث عن ذهاب الكوكبري إلى المدينة المنورة في المملكة العربية السعودية الحالية "للدفاع عن قبر النبي فيها ضد أشخاص كانوا يريدون العبث به، الأمر الذي قربه لسكان أربيل بشكل كبير".

الأمر ناتج من "ضعف الوعي لدى النساء"
يقول المتحدث باسم وزارة الأوقاف في إقليم كردستان، مريوان النقشبندي، إن "صيت هذا الرجل في التقوى والصلاح هي التي دفعت وتدفع الناس لزيارة قبره".

ويفسر النقشبندي في حديث لـ"السومرية نيوز"، قيام الناس بزيارة المرقد في الماضي بأسباب منها "تخلف الطب قديماً في أربيل والمنطقة وانعدام وسائل النقل التي تساعد الناس على الذهاب إلى حيث يتوفر العلاج من الأمراض، ما دفعهم إلى الإيمان بالخرافات، ومنها الذهاب إلى مراقد المتوفين للحصول على العلاج وغير ذلك من الحاجات".

ويؤكد المتحدث باسم وزارة الأوقاف، انحسار ظاهرة زيارة مراقد المتوفين بمرور الوقت "بعدما صار الطب الحديث يوفر الحل للكثير من المشاكل الصحية"، بحسب قوله.

وعن السبب في كون معظم زوار المراقد من النساء، يقول النقشبندي إن النساء "يقصدن المراقد من أجل طلب الشفاء من العلل أو طلب الأولاد والزوج، وهو أمر يتعلق بضعف الوعي لديهن"، حسب قوله.

وتؤيد الباحثة الاجتماعية جيمن صابر ما ذهب إليه المتحدث باسم وزارة الأوقاف بشأن "ضعف الوعي لدى النساء"، وتوضح أن "التعليم في مدارس المدينة وعموم كردستان كان وحتى منتصف القرن الماضي مقتصراً على الذكور بالدرجة الأساسية، ولم تكن النساء متعلمات بدرجة تساعدهن على التخلص من تأثير الخرافات والعادات البالية"، بحسب تعبيرها.

وترى الباحثة الاجتماعية، في حديثها لـ"السومرية نيوز"، أن النساء في اربيل "أكثر تديناً وتمسكاً بالعادات والتقاليد سواء كانت ايجابية أو سلبية من الرجال"حسب قولها.

موقف الدين من زيارة قبور الموتى
ويبدي رجل الدين والبرلماني الكردي بشير حداد انتقاده الشديد لمسألة ارتياد المراقد وقبور الموتى، ويقول إن "طلب تفريج الكرب من الميت محرم شرعاً ولا يجوز".

ولفت حداد في حديث لـ"السومرية نيوز" إلى محاولات من بعض الأكاديميين ورجال الدين ووزارة الأوقاف في الحكومة "لتحويل مرقد السلطان الكوكبري إلى معلم ديني ثقافي يزوره الناس"، مستدركاً "لكن ذلك صعب لأنه يتعلق بتغيير أفكار الناس ونظرتهم"، بحسب تعبيره.

تداخل الحضارات أم هيمنة حضارة المنتصر؟
ويصف رئيس قسم التاريخ في كلية الآداب في جامعة صلاح الدين، محمد عبد الله كاكه سور ظاهرة تأثير الحكام الأجانب وعلى المدى البعيد، في سكان أربيل وعموم إقليم كردستان بـ"الأمر الطبيعي لأنه يحدث في الكثير من بقاع العالم"، حسب قوله.

ويعزو كاكه سور، في حديث لـ"السومرية نيوز"، سبب تلك الظاهرة إلى "ضعف الثقافة الأصلية للسكان مقارنة بتلك التي يفرضها الحاكم الأجنبي عليهم"، مشيراً إلى أن "قوة الثقافة والتراث في أي مكان هي التي تحدد حجم تأثر شعوبها بالغزوات والثقافات الدخيلة".

ويضرب أمثلة على ذلك بتأثير الدولة الأيوبية في سكان مصر والشام، والفرس والعثمانيين في العراق ودول أخرى، ويستدرك أن المغول الغازين لم يصمدوا بوجه الثقافة والفكر الإسلامي، بسبب قوتهما في دول المنطقة ومنها العراق، وتحول المغول هم إلى الإسلام بدل أن يؤثروا في شعوب المنطقة".

وتعد مدينة أربيل (نحو 349 كلم شمال بغداد)، إحدى أقدم الأماكن المسكونة في التاريخ، ويمتد تاريخ قلعتها المشهورة إلى أكثر من خمسة آلاف سنة، وشهدت المدينة العديد من الحضارات والثقافات، وعرفت ملوكاً وقادة كبار مثل الإسكندر المقدوني، وصلاح الدين الأيوبي، وكانت في العهد الآشوري مركزاً رئيساً لعبادة الآلهة عشتار، وكان الملوك الآشوريون يحجون إليها تبركاً قبل المباشرة بأية حملة عسكرية. وفي العام 32هـ بسط المسلمون سيطرتهم عليها أثناء خلافة عمر بن الخطاب. ويوجد في اربيل أكثر من 110 تلال أثرية، أهمها تل السيد أحمد، ومن معالمها المنارة المظفرية التي تعود لعهد السلطان مظفر الدين الكوكبري.