إيلاف+

تحفظ تجاه المخاطر البيئيّة ودعوة إلى الاستثمار بمجال الطاقة الشمسيّة

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
الدكتور أحمد بوعزيّ المتخصّص في "الطاقات المتجددة والخلايا الشمسية

تونس: يبدو أنّ تونس أضحت قاب قوسين أو أدنى من إنتاج الطاقة النووية للأغراض السلميّة على أراضيها، فبعد أن تعهّد الفرنسيون ببناء أوّل مفاعل نووي على الأراضي التونسيّة، كثر الجدل حول هذا المشروع الضخم ليتّخذ تارة منحى اقتصاديًّا وطورًا آخر منحى بيئيًا. وتشير التكهنات من الجانبين (الفرنسيّ والتونسيّ) إلى أنّ المفاعل النوويّ سيكون جاهزًا للاستغلال سنة 2023.

ويعتبر الإمضاء على البروتوكول المبدئي بين تونس وفرنسا العام الماضي خلال زيارة فرانسوا فيون الوزير الأول الفرنسي، اللبنة الأولى لهذا المشروع الذي كان يخامر بعض المسؤولين التونسيين منذ ثمانينات القرن العشرين دون أن تتاح الظروف الملائمة لانجازه.

وستبني فرنسا بموجب الاتفاق مع التونسيين مفاعلاً نوويًا لإنتاج الكهرباء وذلك انطلاقًا من سنة 2020، وسوف يكون المفاعل من صنف "مفاعل بالماء المضغوط". ومن المنتظر أن تشرف الشركة الفرنسية "أريفا" على بناء هذا مفاعل، و"أريفا" هي الشركة ذاتها التي تبني حاليًّا مفاعلاً مماثلاً لفائدة فنلندا وستصل تكلفة المفاعل التونسي أربعة مليار دولار للجيغاواط، وتبلغ قوته واحد جيغاواط. ويقول المسؤولون التونسيون إنّ هذا المشروع سيساعدهم على انجاز المحطة الأولى لتوليد الطاقة النووية بحلول العام 2020 مما يعني إنتاج ما بين 700 وألف ميغاوات وهو ما يعادل الـ 20 في المئة من حاجة البلاد إلى مصادر الطاقة.

ومن المتوقّع بحسب الخبراء أن تدوم مدّة تشييد المفاعل سبع سنوات، ولم تكتف تونس بالخبرات الفرنسية فحسب في هذا المجال، بل إنها طلبت مؤخرًا من روسيا مساعدتها في إنتاج الطاقة النووية، والمساهمة في إعداد دراسات تمهيدية لإطلاق "البرنامج التونسي لإنتاج الطاقة بالاعتماد على مصادر نووية".

وتعكف "الشركة التونسية للكهرباء والغاز" خلال الفترة الأخيرة على إقامة ندوات دراسية بالتعاون مع "المركز التونسي للعلوم والتكنولوجيات النووية"، و"المركز النووي الروسي" (روساتوم)، في إطار الاستعدادات لاعتماد الخيار النووي السلميّ وبمشاركة كل من فرنسا وكندا وأفريقيا الجنوبية. وقال رئيس البرنامج النووي التونسي مصطفى الفقيه إنّ "تحديد إقامة موقع المحطة النووية التونسية سيكون على ساحل البحر خلال العام 2012، على أن يستمر البناء سبع سنوات".

وذكر المدير العام للمركز التونسي للعلوم والتكنولــوجيات النوويــة عادل الطرابلسي، أن استخـــدام المصـــادر النوويـــة "يشكـــل فرصـــة لتطويــر الصناعـــة المحلية وتنويع مصادر الطاقة".
وتستعد تونس للتوقيع على اتفاق مع روسيا ستقوم الأخيرة بموجبه بتدريب 10 مهندسين تونسيين في مؤسسات دولية بين عامي 2008 و2012، إضافة إلى تدريب 50 مهندسًا في مؤسسات محلية بين عامي 2013 و2022.

وكأيّ مشروع من "الوزن الثقيل" كان من المتوقّع أن يثار الجدل من حوله، وعلى الرغم من إشادة معظم المتابعين بهذه الصفقة التي ستساعد كثيرًا في إنتاج الطاقة النووية على الأراضي التونسيّة، فإنّ بعض المختصّين أبدوا تحفظهم تجاه المشروع الذي ستكون له انعكاسات بيئية واقتصاديّة على البلد. وطالب خبراء الحكومة التونسية سابقا بضرورة الاستثمار في "الطاقة النظيفة" على غرار الطاقة الشمسية التي تمكّن من توليد الكهرباء بثمن أقلّ وبدرجة خطورة أقلّ من مثيلتها في مشاريع الطاقة النوويّة.

وفي مقابلة مع "إيلاف" كشف الدكتور أحمد بوعزيّ المتخصّص في "الطاقات المتجددة والخلايا الشمسية "أنّ المفاعل الفرنسيّ "سينتج الطاقة لمدّة 40 سنة ثم يتطلّب تفكيكه 25 سنة. ويتطلّب التشييد تكنولوجيا يحتفظ بها مالكوها دون سواهم وليسوا مستعدّين لتمكين زبائنهم من معرفتها كما يتطلّب تسيير المفاعل تكنولوجيا وخبرة لا يقدمها الفرنسيون لأنها أساس تفوّقهم واحتكارهم".
وبحسب الدكتور بوعزّي مؤلف كتاب (الكهرباء الشمسيّة) فإنّ المفاعل "يشمل موادّ مشعّة تضر بملايين البشر أشد ضررًا، في حالة حدوث أي تسرّب مع العلم أن الوقود النووي سيكون مستوردًا ممّن سيقومون ببناء المفاعل".

ويدعو بوعزّي إلى ضرورة استغلال الطاقة الشمسية عوضًا عن النووية في بلد مثل تونس قائلاً: "إذا كان ثمن "الواط" من الكهرباء النووية يبلغ 4 دولارات فإن ثمن "الواط" من الخلايا الشمسية يبلغ حاليًّا أقل من دولارين، وتُصنع الخلايا الشمسية من الرمل وتدوم صناعة محطّة كهروشمسية وتركيبها بضعة أشهر وتشتغل لمدّة 25 سنة ويتطلّب تفكيكها بضعة أيام إن لم نقل بضع ساعات، وإذا قارنّا ثمن إنتاج الكهرباء من محطة نووية بثمن إنتاجه من محطّات كهروشمسية معادلة لها، فإننا نجد أن ثمن الكيلواط ساعة الذي نشتريه اليوم بـ 134 مليما يتكلّف بحوالى 90 مليم من المحطّة النووية وحوالى 450 ملّيما من المحطة الكهروشمسية، أما إذا واصلنا المقارنة فإننا نجد أن تكنولوجيا إنتاج الخلايا الشمسية في متناولنا وهي لا تتطلب احتياطات خاصة لأنها ليست حسّاسة من الناحية العسكرية والإستراتيجية ولا تشتمل على مخاطر على حياة الإنسان نظرًا لغياب الإشعاع والانفجار والاحتراق إلى غير ذلك، بخلاف المحطّات النووية الشديدة الحساسيّة. ثمّ إن المحطّات الكهروشمسية لا تنتج غازات الاحتباس الحراري ولا تصدر ضجيجًا ولا نفايات صلبة فهي نظيفة بشكل كامل".

ويستند الدّاعون إلى الاستثمار في مجال الطاقات الشمسية عوضًا عن النوويّة إلى القول بأنها غير مركّزة في مكان واحد بعكس المحطّة النووية التي يمكن أن تتعرّض إلى حادث قد يوقفها عن العمل، فينتج عن عطبها حرمان ربع السكان من الطاقة ويتوقّف جزء كبير من الصناعة عن العمل لمدّة قد تطول، عكس المحطّات الكهروشمسية المنتشرة بطبعها كانتشار الطاقة الشمسية في أنحاء واسعة من البلاد وعند وقوع أي حادث في أي محطّة فسوف يتعلّق الأمر بخلل صغير قد لا يؤثّر على إنتاج الكهرباء في البلاد.

ويقول مناهضو المشروع النووي انه لن يكون مجديًا من الناحية الاقتصاديّة وتحديدًا من ناحية التشغيل وخلق مواطن الشغل للعاطلين، فهو لن يوظف الآلاف من المعطلين في تونس، فالفرنسيون هم من سيشرفون على بناء المفاعل وتجهيزه وإطلاقه وصيانته ولا يحقّ للتونسيين التدخّل في مختلف مسارات إرساء الطاقة النووية في تونس، بل ستكون معظم الإطارات والكوادر التي ستشرف على المشروع وتستثمر فيه غربية لا تونسيّة.

ويقول الدكتور بوعزّي لـ"إيلاف" :" تكنولوجيا الخلايا الشمسية لازالت في متناولنا وهي قادرة على تمكيننا من بناء مصانع للخلايا الشمسية في تونس تنتج ما نستهلكه وتشغّل اليد العاملة وتساهم في بعث شركات متعدّدة لتركيب محطّات إنتاج الكهرباء الشمسية لأن ذلك لا يحتاج إلاّ إلى مهارات هي موجودة حاليًا، كما أنها تجعلنا نبدأ ذلك منذ الآن ولا ننتظر خمسة عشرة سنة قادمة مثلما هي الحال في المحطّة النووية، ولإنتاج خلايا بقدرة ألف ميغاواط خلال العشر سنوات القادمة سنحتاج إلى تشغيل حوالى 20000 شخص أغلبيتهم من المتخرّجين من الجامعات وهذا ما عجزت الحكومة عن التفكير فيه عندما أقدمت على توقيع الاتفاق مع الفرنسيين لإنشاء مفاعل نووي في بلادنا".

ويختم بوعزّي قائلاً: "أعتقد أن إنجاز دراسة معمّقة في الموضوع وتغليب مصلحة البلاد والأجيال القادمة ربّما سيجعلنا نراجع خيار المحطّة النووية ونشمّر على سواعدنا ونبدأ العمل من الآن في إنتاج الخلايا الشمسية للاستهلاك المحلي والتصدير ولا ننتظر خمسة عشر سنة لا نعرف ما سيقع خلالها من أحداث". يشار إلى أنّ الحكومة التونسية أعلنت تركيز فريق يعمل في إطار" الشركة التونسية للكهرباء والغاز" ليهتم بدراسة مشروع الطاقة النووية الذي تمتد على 3 مراحل، تنتهي الأولى في حدود 2012.

أما المرحلة الثانية فتتعلّق بدراسة الجدوى التقنية والاقتصادية من سنة 2012 إلى سنة 2015 وتهتم بطلبات العروض والتعرف إلى تكنولوجيات المصنعين. وتمتد المرحلة الثالثة من 2016 إلى 2020 وتمثل بداية التركيز والاستغلال للمشروع النوويّ.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف