صحة وعلوم

مزرعتان للطاقة تتعديان على حقوق ست عائلات

مربو "الرنة" ينتفضون ضد حقول توربينات الرياح في لابلاند

الرنة تتجول حول توربينات الرياح في مزرعة الرياح Storheia.
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

أفيورد (النروج): على قمة جبلية تعصف بها الرياح، يتنقل الأخوان يوما بين توربينات الرياح المنتشرة على مد البصر، في موقع كان يضم مراعي شتوية لحيواناتهما... فحالة الطوارئ المناخية لا تثني مربي الرنة في هذه المنطقة عن النضال في سبيل التخلص من التوربينات.

ويقول الأخ الأصغر ليف أرنه من سيارته ذات الدفع الرباعي "في ما مضى، كانت المنطقة مثالية لحيوانات الرنة، إذ كانت خالية من أي نشاط بشري. أما الآن، فقد لحقت أضرار بالمنطقة برمّتها".

طاقة الرياح

على جانبي الدائرة القطبية الشمالية، يعارض أعضاء أقلية سامي في شمال أوروبا بشدة مشاريع ضخمة لطاقة الرياح وغيرها من منشآت البنى التحتية "الخضراء" التي يقولون إنها تهدد سبل عيشهم وتمسّ بتقاليد متوارثة من الأسلاف.

ومن غير المستبعد أن ينتصر أفراد هذه الأقلية في نضالهم هذا.

ففي حكم مدوّ في تشرين الأول/أكتوبر، قضت المحكمة العليا النروجية بأن مزرعتين لطاقة الرياح أقيمتا في شبه جزيرة فوسن في غرب النروج تتعديان على حقوق ست عائلات من أقلية سامي، بينها عائلة يوما، في عيش تقاليدهم الثقافية، في انتهاك للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر عن الأمم المتحدة.

مع أربع منشآت مجاورة أصغر حجما، يشكل حقلا التوربينات في ستوريا وروان أكبر حقول طاقة الرياح الأرضية في أوروبا، بسعة إجمالية تبلغ 1057 ميغاواط، ما يغطي حاجات أكثر من 170 ألف أسرة من الطاقة.

وفي حين أعلن قضاة المحكمة العليا الأحد عشر بالإجماع بطلان تصاريح التشغيل والمصادرة التي مهدت لبناء 151 توربينة رياح، لم يذكر هؤلاء شيئا بشأن مصير هذه المنشآت.

لكنّ الأمر محسوم بالنسبة للأخوين يوما اللذين ترعى أسرتهما حيوانات الرنة منذ أجيال، إذ "يجب تفكيك هذه التوربينات".

ويقول الأخوان إن حقل ستوريا للتوربينات الذي أُنجز سنة 2020، يحرم الأسرة من "أفضل" المراعي الثلاثة التي تقود إليها قطعانها خلال الشتاء.

يراقب جون كريستيان، الأخ الأكبر في عائلة يوما، الأفق الواسع المغطى بالثلوج بمنظاره، لكنه لا يرى أي رنة في الأفق.

ويقول "من المستحيل أن تأتي الرنة إلى هنا الآن، مع كل الاضطرابات الهائلة الناجمة عن دوران توربينات الرياح التي تخيفها وتحدث الكثير من الضوضاء".

ويضيف "هناك أيضاً مواقف السيارات والطرق والمعابر... الطبيعة دُمرت تماما هنا. لم يتبق شيء سوى الصخور والحصى".

قبل حكم المحكمة العليا، أوصت محكمة من درجة أدنى بدفع تعويضات مالية الى المتضررين من خسارة الأرض للسماح للرعاة بشراء العلف لحيواناتهم لتقتات عليها خلال الشتاء.

لكنّ المعنيين بالقضية رفضوا هذا الخيار بشكل قاطع.

ويقول ليف أرنه "يجب أن تجد حيوانات الرنة طعامها. إذا أعطيناها علفا، لن يعود الأمر رعيا تقليديا".

ولا يكشف أفراد عائلة الرعاة هذه عن عدد قطيعهم من الرنة، لأن "ذلك سيكون أشبه بالكشف عن الرصيد المصرفي"، لكنهم قد يضطرون الى خفض عدده، إذا لم يجدوا عددا كافيا من المراعي.

ويواجه ليف أرنه البالغ 55 عاما صعوبات اقتصادية تجعله بالكاد قادرا على الصمود. وهو أكد أمام المحكمة أن شركته حققت أرباحا تقل عن 300 ألف كرونة (34 ألف دولار) عام 2018.

وبالتالي، فإن تصغير حجم قطيعه من شأنه أن يهدد جدوى نشاطه برمّته.

في غضون ذلك، تستمر التوربينات في الدوران، على الرغم من حكم المحكمة.

ويؤكد توربيورن ستين، الناطق باسم كونسورسيوم "فوسن فيند" الذي يستثمر الجزء الأكبر من حقل توربينات الرياح، "نأخذ حكم المحكمة العليا على محمل الجد... نحن بالطبع نريد تصحيح الوضع، لأنه خطير للغاية".

ويقول "الخطوة التالية هي تحديد ظروف التشغيل التي تضمن قدرتنا على تشغيل توربينات الرياح من دون انتهاك حقوق الرعاة أو تهديد رعايتهم. ما نعطيه الأولوية الآن هو إجراء حوار مع الرعاة".

وتجد الدولة النروجية، المساهم الرئيسي في المشروع الذي طاوله الحكم القضائي من خلال مجموعة "ستاتكرافت" العامة، نفسها أمام معضلة: كيف يمكن احترام الحكم القانوني وحماية حقوق شعب سامي من دون المساس بمصالحها الاقتصادية الضخمة، (إذ إن حقول توربينات الرياح الست في فوسن كلفت أكثر من مليار دولار)، ومن دون إبطاء عملية التحول الأخضر البطيئة أصلا؟

واستحوذ حقلا ستوريا وروان وحدهما على أكثر من 20 في المئة من إجمالي طاقة الرياح المنتجة في النروج عام 2020، بحسب فوسن فيند.

وطلبت وزارة النفط والطاقة، وهي الجهة المانحة للامتيازات التي تم إبطالها، الاستعانة بخبرات إضافية في هذا الملف.

وتقول الوزيرة مارتي ميوس بيرسن لوكالة فرانس برس "لم نقرر بعد ما اذا كانت المنشآت ستبقى في مكانها جزئيا او كليا".

وخيّب ذلك آمال أفراد شعب سامي الذين يرون في التأخير مناورة تتيح استمرار توربينات الرياح في الدوران.

وترد سيليي كارينه موتكا، وهي رئيسة مجلس ساميتنغ، البرلمان الاستشاري لشعب سامي في النروج بأن "على الدولة أن تقرّ بأنه على مدار 20 عاما، ارتُكبت أخطاء جسيمة ومهمة ويمكنها أن تفعل ذلك من خلال الاعتذار".

وتقول لوكالة فرانس برس "المطلوب إجراءات ملموسة: يجب الغاء رخصة التشغيل وتفكيك توربينات الرياح تماما وببساطة وإعادة المنطقة إلى سابق عهدها وزرعها مجددا وإرجاعها الى مربي المواشي".

ويحفل تاريخ شعب سامي، وهم مجموعات من السكان الأصليين عاشوا تقليديا على رعي الرنة وصيد الأسماك، بمحطات أليمة.

فقد تعرض هذا المجتمع المكون من حوالى مئة ألف شخص ينتشرون في أنحاء النروج والسويد وفنلندا وروسيا، لمحاولات استيعاب لم تخلُ من البطش في القرن العشرين، وباتت أراضيه مزروعة بمنشآت الطاقة والتعدين والتنمية الحضرية والسياحة.

وينادي المجلس البرلماني لشعب سامي، وهي هيئة تعاون بين برلمانات هذا الشعب في النروج والسويد وفنلندا، حالياً بنوع من حق النقض.

وقال المجلس في إعلان تم تبنيه في كانون الثاني/يناير 2021، إن أي مشروع للرياح يجب أن يحصل على موافقة سكان شعب سامي المحليين ومسؤوليهم المنتخبين، وإلا يجب تعليقه.

ومع التسليم بأن "تغير المناخ مشكلة خطيرة تؤثر على شعب سامي"، اعتبر المجلس أيضاً أن التدابير الرامية إلى حل هذه الأزمة "يجب ألا تؤثر سلباً على ثقافة السكان الأصليين وظروفهم المعيشية".

ويأتي حكم المحكمة العليا النروجية ليدعم هذا النضال.

وبحسب معلقين كثر، يمكن أن يشكل القرار سابقة قانونية قد تؤثر على مشاريع البنية التحتية الأخرى في الأراضي الشاسعة التي يعيش فيها شعب سامي في النروج والبلدان المجاورة.

وتقول الباحثة في مركز التنمية والبيئة في جامعة أوسلو سوزان نورمان "ستفكر الشركات الأخرى مرتين قبل البدء في مشروع ما دون اختبار قانونيته في المحاكم".

وتبرز المشكلة نفسها في بلدان اسكندينافية أخرى.

ففي فنلندا، وهي دولة تهدف إلى أن تصبح رائدة في مجال البطاريات الكهربائية، تشكل مشاريع التعدين، ربما أكثر من توربينات الرياح، المشكلة الأساسية بالنسبة الى شعب سامي.

ويستهدف هؤلاء خصوصا تصريحين للتنقيب في التندرا بالقرب من قرية إينونتيكيو (شمال غرب)، وهي منطقة تشتهر بمناظرها الطبيعية الخلابة ومن المفترض أنها تحتوي على موارد معدنية كبيرة.

وبعد الانزعاج من الدمار البيئي الذي ربما تسببت فيه أنشطة التعدين في أماكن أخرى من البلاد، جمع شعب سامي في عام 2020 أكثر من 37 ألف توقيع على عريضة انتقد فيها الإدارة المحلية على قلة التشاور مع السكان وغياب دراسات الأثر على أنشطة رعي حيوانات الرنة المحلية.

ويقف أفراد شعب سامي في الصفوف الأمامية للمتضررين من جراء التغير المناخي، لكونهم يعيشون بشكل رئيسي في المنطقة القطبية الشمالية، وهي منطقة ترتفع درجة حرارتها ثلاث مرات أسرع من كوكب الأرض برمته.

وفي ظل التقلبات المتزايدة في درجات الحرارة، تتناوب فترات البرد والدفء، ما يغطي الأرض بطبقات سميكة من الجليد يمكن أن تمنع حيوانات الرنة من الوصول إلى الغذاء وتؤجج المنافسة بين الرعاة على مناطق الرعي.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف