تخفيض انبعاثات غازات الدفيئة ليس كافياً
إزالة ثاني أكسيد الكربون من الجوّ حلّ لا غنى عنه
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
باريس: لن يكفي تخفيض انبعاثات غازات الدفيئة وحده لتجنّب أسوأ تداعيات التغير المناخي، بحسب مقتطفات من تقرير لخبراء أمميين من المرتقب صدوره الاثنين يوصي بالاستعانة بتقنيات لـ "إزالة" ثاني أكسيد الكربون.
وفي ظلّ تهاون الجهود راهنا، لا بدّ من خفض الانبعاثات العالمية بنسبة 5 أو 6 % في السنة على أمل الإيفاء بالتعهد المقطوع في اتفاق باريس والقاضي بحصر ارتفاع حرارة الكوكب دون درجتين مئويتين بكثير مقارنة مع العصر ما قبل الصناعي. وينبغي خفض الانبعاثات بعد أكثر لاحتواء الاحترار بـ 1,5 درجة مئوية.
الانبعاثات السلبية
وعلى سبيل المقارنة، بلغ انخفاض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون 5,6 % "لا غير" خلال توقّف عجلة الاقتصاد العالمي بسبب جائحة كوفيد-19 في 2020، قبل أن تعاود الانبعاثات ارتفاعها. لذا، تشتدّ الحاجة إلى الاستعانة بتقنيات لإزالة ثاني أكسيد الكربون أو ما يعرف بـ "الانبعاثات السلبية".
لكن "كي تؤتي هذه التكنولوجيا ثمارها، لا بدّ من خفض انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة تراوح بين 80 و90 %"، بحسب غلين بيترز من المركز الدولي للأبحاث المناخية في أوسلو.
وحتّى لو تسنّى بلوغ هذه الغاية، ستبقى مليارات الأطنان من ثاني أكسيد الكربون التي ينبغي إزالتها من الغلاف الجوّي كلّ سنة حتّى 2050.
وستكون هذه التكنولوجيا ضرورية للقطاعات العاجزة على ما يبدو عن نزع الكربون بحلول 2050، مثل الطيران والنقل البحري وصناعة الإسمنت، وأساسية لتبريد الغلاف الجوّي إذا ما تخطّى الاحترار المستويات القصوى المنصوص عليها في اتفاق باريس.
ولا تزال تقنيات إزالة الكربون حتّى الساعة بعيدة كلّ البعد عن النجاعة المنشودة. فأكبر منشأة في العالم لامتصاص الكربون مباشرة من الجوّ تقضي في سنة واحدة على ما تصدره البشرية من انبعاثات في خلال ثلاث أو أربع ثوان.
وتتوفّر راهنا حوالى 12 تقنية على الأقلّ لهذا الغرض، بقدرات وأسعار مختلفة، وفق الدراسات المرجعية التي قد تستند إليها الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في تقريرها المرتقب صدوره الاثنين والذي سيخصّص للحلول المتاحة لجبه التغير المناخي.
وتقوم الطاقة الحيوية لامتصاص ثاني أكسيد الكربون واحتجازه على إنماء أشجار تمتصّ هذا الغاز خلال نموّها ثمّ حرقها لتوليد طاقة (كتلة إحيائية) وطمر ثاني أكسيد الكربون المتأتي من هذه العملية في مناجم مهملة مثلا. لكن لا بدّ من أن تتبلور على أرض الواقع نتائج هذه التقنية التي لا تزال جدواها مبدئية.
وقد سُحب أحد المشاريع القليلة في العالم المطوّرة على الصعيد التجاري لهذه الغاية في بريطانيا من مؤشّر "ستاندرد أند بورز للطاقة النظيفة" إثر عدم استيفائه معايير الاستدامة.
زرع الأشجار
ومن الحلول الأخرى المقدّمة، ترميم الغابات وزرع الأشجار لامتصاص ثاني أكسيد الكربون واحتجازه من خلال التمثيل الضوئي.
وترتكز عدّة شركات، بما فيها تلك المنتجة للطاقة الأحفورية، بدرجة كبيرة على هذه المساحات المستزرعة "للتعويض" عن انبعاثاتها.
غير أن المساحة اللازمة لخفض مستويات ثاني أكسيد الكربون خفضا ملموسا من خلال زرع الأشجار والتي قد تصل إلى ضعف مساحة الهند تنعكس سلبا على أولويات أخرى، مثل الزراعة المخصصة لتوفير المواد الغذائية، وصون التنوّع الحيوي.
وقد تكون الغابات الجديدة عرضة للحرائق التي تتكاثر في ظلّ اشتداد الاحترار، ما قد يطلق في الهواء كلّ ثاني أكسيد الكربون المحتجز فيها.
ومن التكنولوجيات الحديثة التي تثير أكبر قدر من الاهتمام، الامتصاص المباشر للكربون من الجوّ واحتباسه.
وتساعد عمليات كيميائية على استخراج الكربون وتحويله إلى مادة صلبة أو طمره. لكن، بما أن ثاني أكسيد الكربون واسع الانتشار في الجوّ، فإن هذه التقنية تستهلك طاقة كبيرة وتكلّف غاليا.
وحتّى لو كانت هذه التكنولوجيات الابتكارية تحظى باهتمام كبار الشخصيات، مثل إلون ماسك، وتمويلها، فهي تبقى باهظة الثمن وموضع شكّ في ما يخصّ سرعة تطويرها.
وتقوم إحدى التقنيات على قطع صخور غنية بالمعادن التي تمتصّ ثاني أكسيد الكربون وسحقها ثم نشرها في التربة أو المياه. والهدف هو تسريع وتيرة هذا المسار الممتدّ عادة على عشرات آلاف السنين في الطبيعة.
ويبقى السؤال أن نعرف إذا كان من الممكن تطبيق العملية على نطاق واسع بما يكفي وبأيّ ثمن.
دور البحار
وتمتصّ المحيطات بدورها أكثر من 30 % من انبعاثات الكربون العالمية ويختبر العلماء وسائل لتوطيد هذه القدرات، من خلال مثلا تعزيز القلوية البحرية اصطناعيا أو "تخصيب" المحيطات، أي زيادة كثافة العوالق النباتية التي تحتجز الكربون العضوي من خلال التمثيل الضوئي.
لكن ليس من المعلوم بعد ما هي تداعيات هذه الاستراتيجيات على النظم البيئية وكيف يمكن استنساخ هذه الوسيلة على نطاق أوسع.