صحة وعلوم

"توماي".. بقي متمتعاً بالقدرة على تسلق الأشجار

دراسة تكشف قدرات حركية متطورة لدى أقدم كائن بشري معروف

صورة تُظهر إعادة بناء جزئية للوجه باستخدام الأحفورة، بعد الاكتشاف "الأيقوني" لحفرة عمرها 3.8 مليون عام في إثيوبيا، ما يُلقي بظلال من الشك على نظرية التطور السابقة
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

باريس: كان توماي، أقدم كائن بشري معروف، يمشي على رجليه قبل سبعة ملايين عام، لكنه بقي متمتعاً بالقدرة على تسلق الأشجار، وفقاً لدراسة نُشرت الأربعاء في مجلة "نيتشر" واستندت إلى ثلاث عظام تخص أحد المنتمين إلى الجنس نفسه وهو أناسي الساحل التشادي.

بدأت القصة في توروس مينالا في شمال تشاد، عندما اكتشف فريق من البعثة الفرنسية التشادية الأنثروبولوجية جمجمة في عام 2001.

وأطاحت الجمجمة المسماة "ساحل انتروبوس تشادنسيس" ("أناسي الساحل التشادي")، أو "توماي"، بـ"أوروين توغينيسيس" العائدة إلى ستة ملايين عام والتي اكتُشفت في كينيا، لتصبح بذلك أقدم ممثل معروف عن البشرية.

وبفعل موقع الثقبة العظمى في جمجمة "توماي"، مع وجود عمود فقري يقع تحت الجمجمة وليس خلفها كما هي الحال لدى الكائنات رباعية الأرجل، يمكن تصنيف "توماي" ككائن ثنائي الأقدام من الرئيسيات. غير أن بعض المتخصصين رفضوا هذا الاستنتاج، بحجة أن الأحفورة غير مكتملة.

نزعة تسلّق موروثة

هذه الدراسة التي أجراها باحثون من مختبر "باليفوبريم" المتخصص في علم التطور بجامعة بواتييه الفرنسية، والمركز الوطني للبحث العلمي، وأكاديميون تشاديون، تقدم مساهمة حاسمة في هذا الاكتشاف.

وأوضح عالم الأنثروبولوجيا فرانك غي، المشارك في إعداد الدراسة "تفيدنا الجمجمة بأن ساحل انثروبوس جزء من السلالة البشرية".

وأشار خلال مؤتمر صحافي إلى أن الدراسة تظهر أن "المشي على قدمين كان الأسلوب المفضل في الحركة" (لدى "توماي")، "تبعاً للوضع الذي كان فيه".

ولفت غي إلى أن السير على قدمين كان "أمراً معتاداً لكن ليس ذلك وحسب، بل كان هناك القليل من النزعة الشجرية أيضاً"، أي بعبارة أخرى، قدرة على التحرك في الأشجار موروثة من سلف مشترك افتراضي للسلالة البشرية وللشمبانزي.

يوضح الفريق ذلك من خلال الدراسة التفصيلية لعظم الفخذ وعظمتين من الساعد والزند. ولن يُعرف ما إذا كانت هذه العظام تتوافق مع تلك الموجودة لدى "توماي"، لكنها وجدت في الموقع عينه وتنتمي مثله إلى تلك التي ينتمي إليها البشر، أي السلالة البشرية.

ودرس علماء البعثة الفرنسية التشادية هذه العظام على مدى سنوات من خلال مجموعة شاملة من الاختبارات والقياسات. وحددوا 23 سمة مورفولوجية ووظيفية، قبل مقارنتها مع تلك الخاصة بأشباه البشر والقردة العليا الحالية والمتحجرة.

واستنتج الباحثون أن "مجموعة السمات هذه أقرب بكثير إلى ما يمكن أن يراه المرء في أشباه البشر أكثر من أي كائن رئيسي آخر"، وفق ما قال عالم الاناسة القديمة غيوم دافر العضو في فريق "باليفوبريم" والمعد الرئيسي للدراسة، خلال المؤتمر الصحافي.

على سبيل المثال، فيما تتقدم الغوريلا أو الشمبانزي، أقرب الرئيسيات إلى الإنسان، من خلال الاتكاء على ظهر فقرات اليد، فإن ذلك لم يُسجل لدى "ساحل أنتروبوس".

بساتين النخيل

كان وزن الفرد الذي تمت دراسة عظامه يتراوح ما بين 43 و50 كيلوغراماً. وكانت المناظر الطبيعية الصحراوية التي تستضيف اليوم بقاياه تجمع في عصره الغابات مع بساتين النخيل والسافانا الرطبة.

وتقدم الدراسة "صورة أكثر اكتمالا لتوماي وللبشر الأوائل في نهاية المطاف"، وفق ما قال لوكالة فرانس برس عالم الأنثروبولوجيا أنطوان بالزو من المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي. وقد رحّب هذا العالم بالدراسة واصفاً إياها بأنها "جوهرية للغاية".

ولفت إلى الدراسة تقدم حججاً إضافية لمؤيدي نظرية التطور "المتشعب" للسلالة البشرية، بما يتعارض مع "الصورة المبسطة للبشر الذين يتبعون بعضهم البعض، بقدرات تتحسن بمرور الوقت".

ما جعل "ساحل أنتروبوس" إنساناً هو قدرته على التكيف مع بيئة معينة، بحسب باحثي"باليفوبريم" الذين شددوا على أهمية عدم رؤية المشي على قدمين على أنها "سمة سحرية" تحدد طبيعة الإنسانية بطريقة صارمة.

استئناف البحث

في مقال مصاحب للدراسة، يعتقد دانيال ليبرمان، وهو أستاذ علم الأحياء التطوري بجامعة هارفارد، أن الدراسة لا تقدم حتى الآن "حلاً نهائياً" لمسألة طبيعة "توماي".

يعتزم فريق"باليفوبريم" استئناف أبحاثه في تشاد الربيع المقبل، "إذا سمح الوضع الأمني بذلك"، بحسب غي.

فكما أشارت عالمة الحفريات التشادية كلاريس نيكولنانغ من المركز الوطني للبحوث والتنمية، فإن الفرق الموجودة في الموقع "تحاول العثور على مواقع أقدم من تلك المرتبطة بتوماي".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف