جفاف الجسم قد يقتل في غضون ساعات فقط
"كارثة" الكوليرا تلوح في هايتي مجدّداً
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
بور أو برنس: عندما يحاول المسؤولون في المجال الإنساني في هايتي وصف قلقهم بشأن جائحة الكوليرا المستجدّة وسريعة الانتشار، يكافحون لإيجاد الكلمات القوية بما يكفي، ويقولون "يُنذر بالخطر"، "فوضى"، بل حتى "كارثة".
عُزل جزء كبير من سكان الجزيرة - في الوقت الذين يبقون غير قادرين على الحصول على الرعاية الصحية - إما بسبب النقص الحاد في الوقود أو بسبب العصابات المسلّحة العنيفة التي تسيطر على مناطق شاسعة.
وبدون رعاية صحية، يمكن لمرضى الكوليرا الذين يعانون من الإسهال الحاد، أن يموتوا بسبب الجفاف في غضون ساعات فقط.
وقال الطبيب جون وليام بايب لوكالة فرانس برس "إنها كارثة، نحن مرهقون". وتدير منظمته غير الحكومية "غيسكيو" اثنين من مراكز معالجة الكوليرا الـ15 في البلاد.
غير أنّ الطبيب أشار إلى أنه في أحد هذين المركزين الواقع في العاصمة بورت او برنس "لدينا 80 سرير، وجميعها مشغولة". وأضاف "بسبب نقص الوقود، أخبرني الناس في الأحياء الفقيرة أنّ هناك العديد من الوفيات في مناطقهم، لأنه لم يكن من الممكن نقل المرضى". ويأتي ذلك فيما تحاصر عصابة مسلّحة منذ أسابيع محطة وقود رئيسية في فارو في شمال العاصمة، ممّا أدى إلى تفاقم حالة الشلل في البلاد.
33 حالة وفاة
دخلت الكوليرا إلى هايتي عبر عناصر حفظ السلام في العام 2010، بعد الزلزال، ما أدى إلى وفاة آلاف الأشخاص حتى العام 2019.
ولكن منذ ذلك الحين لم يتم الإبلاغ عن أيّ إصابة بالمرض.
واعتباراً من الأربعاء، سجّلت وزارة الصحة 33 حالة وفاة بسبب الكوليرا و960 حالة مشتبه فيها.
ويمكن لهذا الرقم أن يقلّل من حجم المشكل بشكل كبير، وفقاً لبرونو مايس ممثل اليونسيف في هايتي.
ويقول الخبراء إنّ الوضع محبط للغاية بالنظر إلى أنّ حالات الكوليرا الخطيرة يمكن علاجها بسهولة ببضعة أيام من الراحة ومنع جفاف الجسم، بينما يوجد لقاح ضدّ المرض. ولكن هذا اللقاح فعّال فقط على مدى خمس سنوات فقط، فيما كانت آخر حملة تلقيح قد جرت في العام 2017.
الأطفال وسوء التغذية
يشكّل الأطفال الذين تقلّ أعمارهم عن 14 عاماً حوالى نصف الإصابات في هايتي، وهم معرّضون للخطر بشكل خاص عندما تضعف أجهزتهم المناعية بسبب سوء التغذية بسبب الفقر.
وقال الطبيب بايب "كثير منهم يعانون من سوء التغذية"، مضيفاً أنه كان من الصعب العثور على عروقهم لإعطائهم المحاليل عن طريق الوريد.
وتقدّر الأمم المتحدة بأنّ 4,7 مليون من سكان هايتي، أي حوالى نصف عدد السكان، يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد.
من جهتها، تدير منظمة أطباء بلا حدود أربعة مراكز تحتوي على ما مجموعه 250 سريراً وحوالى عشرين عيادة لمعالجة الجفاف.
وأشار بايب إلى أنّ الأولوية هي لتأمين الوصول إلى مياه الشرب في المناطق التي تسيطر عليها العصابات مثل حي بروكلين في بلدة سيتي سولاي (Cite Soleil) في العاصمة، التي لا توجد فيها مياه عذبة منذ ثلاثة أشهر.
وتحدث الكوليرا نتيجة تناول الماء أو الطعام الملوّث ببكتيريا تسمى ضمّة الكوليرا.
وقد أدى ارتفاع مخاطر الاختطاف من قبل العصابات إلى منع جماعات الإغاثة من دخول هذه المناطق لتطهير المنازل والمباني بالكلور.
نقص الوقود
وفي حين أنشأت منظمة أطباء بلا حدود نظاماً من الحافلات لنقل أفرادها بأمان إلى مراكز العلاج، إلّا أنّ نقص الوقود قد يجعل هذا الأمر مستحيلاً "خلال أسابيع قليلة"، حسبما أكد نائب رئيس البعثة موها زمراغ لوكالة فرانس برس.
في هذه الأثناء، يتزايد القلق بشأن سكان الأرياف الذين قد يكون عليهم السير لأيام للحصول على المساعدة، في ظل عدم تمكّنهم من الوصول إلى الوقود.
وقال مايس إنّ الجماعات المسلّحة تغلق الآن الطرق السريعة المؤدية إلى كل من الشمال والجنوب.
وأضاف "بورت أو برنس حرفياً محاصرة ومخنوقة".
ويأتي ذلك بينما تعرّضت مكاتب اليونسيف للنهب، وتمّت محاصرة شحنات الأدوية في الميناء.
أعادت عودة الكوليرا إحياء الذكريات السيئة للوباء الذي أدخلته قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في العام 2010، بعد زلزال كبير ضرب البلاد. وأودى المرض بحياة أكثر من 10 آلاف شخص منذ ذلك الحين حتى العام 2019.
إعادة تفعيل الآليات
ولكن الوضع اليوم مختلف، على حدّ تعبير نائب مدير الطوارئ الصحية العامة في منظمة الصحة للبلدان الأميركية سيلفان الديغيري.
فقد قال "حتى الآن، لم نشهد انفجاراً (في الحالات) كما حصل في الأشهر الأولى" من العام 2010.
ولفت إلى أنّ السلطات لديها "عشر سنوات من الخبرة مع الكوليرا" والمفتاح الآن "في إعادة تفعيل الآليات" التي كانت تعمل من قبل.
ولكن القيام بذلك يطرح تحدّيات.
فقد فرضت الأمم المتحدة الجمعة عقوبات على عدد من العصابات، تتضمن حظراً على الأسلحة. ولكنها لا تزال منقسمة بشأن ما إذا يجب إرسال قوة دولية جديدة إلى البلاد.
وأكد الديغيري إنّ مثل هذه القوة قد تكون قادرة على إنشاء "ممرّات إنسانية للمناطق الصعبة"، وتساعد في إطار الإمدادات المجانية المحصورة الآن في الموانئ.
وأضاف أنه من المتوقع في الوقت الحالي وصول طائرات تحمل إمدادات إضافية في الأيام المقبلة.