صحة وعلوم

خزانات صدئة وأبراج متداعية وتربة ومياه ملوثتين

حقول النفط تقضي على البيئة وصحة السكان في زاريز الألبانية

حقول النفط تقضي على البيئة وصحة السكان في زاريز الألبانية
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

زاريز (ألبانيا): ليس أمام سكان زاريز الواقعة في المنطقة النفطية الرئيسة لألبانيا خيار سوى تنشق هواء ملوّث سام، والعيش وسط خزانات صدئة وأبراج متداعية وتربة ومياه ملوثتين، تشكل كلها مخلفات متقادمة من الحقبة الشيوعية.

وتقول ميليتا فرابي (49 عاماً)، وهي مقيمة في المنطقة التي تضم ألف نسمة وتقع في "باتوس مارينزا" التي تمثل أكبر موقع نفطي في دول البلقان، "نعاني جميعنا مشاكل صحية. فالهواء ملوّث وأعاني بصورة متواصلة من دوار وغثيان وصداع وإرهاق".

وتعتبر أنّ المياه غير صالحة للشرب، فيما تعجز الخضر عن النمو في الحدائق.

ويجتاح الصدأ صهاريج النفط المهجورة والأنابيب المستخدمة لنقل الهيدروكربونات. ولم يخضع عدد كبير من هذه المنشآت لصيانة منذ نحو ثلاثة عقود، فيما يبدو الهواء أسود بسبب تسرّب النفط الذي يلوث التربة والمياه.

النفط والتلوث

وتشير الأرقام الرسمية إلى انّ حقول باتوس مارينزا الواقعة على بعد حوالى مئة كيلومتر جنوب تيرانا، تستثمرها شركتا "ألب بترول" الوطنية و"بنكرز بيتروليوم ألبانيا" الصينية اللتان استخرجتا عام 2020 أكثر من 550 ألف طن من النفط الخام في المنطقة.

وتنتج ألبانيا سنوياً نحو 650 ألف طن من النفط الخام، تُصدّر كمية كبيرة منها إلى دول الاتحاد الأوروبي.

وتقول مارسيلين سينكا محتضنةً رضيعها البالغ شهرين والذي يعاني التهاباً حاداً في القصبة الهوئية إنّ "الذهب الأسود استُخرج بكميات تُقدّر قيمتها بملايين الدولارات، إلا أنّ السكان بالكاد استفادوا منه"، مؤكدةً أنّ "مسألة التلوّث ليست ضمن أولويات الشركات النفطية".

وفي منطقة زاريز، تعمل عشرات الآبار التي تعود إلى أكثر من خمسين عاماً قرب منازل السكان، فيما يضم الموقع أيضاً ثماني خزانات أسطوانية متآكلة تابعة لشركة "ألب بترول".

ويقول رئيس الاتحاد الذي يتولى حماية البيئة في زاريز كاني ريدي، إنّ "أكثر من 18 ألف متر مربع من المنطقة ملوث جداً بالنفط الخام بسبب البنية التحتية المهجورة منذ أكثر من 25 عاماً، بالإضافة إلى آثارها الضارة على البيئة وصحة السكان".

باتوس مارينزا هي إحدى المناطق الثماني عشرة التي صنّفتها وزارة البيئة الألبانية مواقع عالية الخطورة.

وفي ظل حكم أنور خوجا الدكتاتوري الشيوعي، كانت تُمنع بصورة تامة إقامة السكان في المنطقة. لكن منذ سقوط النظام في مطلع التسعينات، تسامحت السلطات مع الأشخاص الذين يقطنونها لأنهم فقراء.

مسائل صحية

وتجعل روائح النفط والغاز الهواء غير قابل للتنفس.

وأشارت لجنة هلسنكي الألبانية للدفاع عن حقوق الإنسان في تقريرها الأخير إلى أن "قرب المناطق السكنية والبيوت البلاستيكية الزراعية من حقول النفط والآبار القديمة (...) فضلاً عن غياب تدابير السلامة والاستصلاح، كلها أمور مقلقة جداً".

وتلفت الصحافية والعضو في الاتحاد المحلي المعني بحماية البيئة أدرياتيك غوليمي إلى أنّ "عدد السكان الذين يعانون مشاكل في الجهاز التنفسي وارتفاعاً في تركيز ثاني أكسيد الكربون في الدم أو مَن يعانون أمراضاً مرتبطة بالأنشطة الصناعية، مرتفع جداً".

وتشير غوليمي إلى أنّ التلوث يتسبب بإصابة السكان بالسرطان الذي مات بسبب عدد كبير منهم، إلا أنّ رئيس المركز الصحي في المنطقة فاتجون شيهو يوضح أن إثبات الرابط بين التلوث والإصابة بالسرطان صعب في ظل انتشار جائحة كوفيد-19 ولغياب الدراسات المتعلقة بهذا الموضوع.

مخاطر أخرى

وبالإضافة إلى المسائل الصحية، يواجه السكان مخاطر أخرى في المنطقة.

وتقول أدرياتيك غوليمي لوكالة فرانس برس "قبل ثلاث سنوات، ماتت امرأة بعدما غرقت بالخطأ في بقعة من النفط عندما كانت تسير خلف دواجنها". وتضم المنطقة ما لا يقل عن خمس بقع يواجه فيها السكان وتحديداً الأطفال، خطر الموت.

ويشير كاني ريدي إلى أنّ "حالات نفوق مواشٍ أو طيور سُجّلت في حقول النفط"، لافتاً إلى "تسربات غاز قوية" تنبعث احياناً من "الآبار المهجورة".

وتؤكد وزارة الطاقة لوكالة فرانس برس تصميمها على حل المشاكل البيئية في المنطقة.

وتلفت إلى أنّ "الشركات العاملة في حقول نفط باتوس مارينزا تضع خطط عمل لإعادة تأهيل كل البنى التحتية المتداعية"، مشيرةً إلى حظر إتاحة الآبار النفطية وتنظيف التصريفات ومعالجة النفايات النفطية.

حلول سريعة

إلا أنّ السكان يرغبون في حلول سريعة.

وتبدي أرتميزا (16 عاماً) وهي ابنة ميليتا فرابي احتجاجها، وتقول "لا ينبغي التفكير في الاقتصاد واستخراج النفط فقط، بل أهم ما يجب التطرق له هو المشاكل الصحية وإنقاذ الأرواح وإنقاذ بيئتنا وعالمنا".

وتعطّل جهاز الحفر الواقع قرب منزلهما منذ أسبوع. أما كدري شاهو البالغ 58 عاماً أمضى نصفها وهو يعمل في قطاع النفط، فيحاول إصلاح الجهاز لأن تعطّله يؤثر على المبالغ التي يحصّلها من أدائه في العمل الذي يصل راتبه الأساسي فيه إلى 540 يورو، وهو مبلغ غير كاف لإطعام أسرته المؤلفة من ستة أفراد.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف