ما وضعها على شفا كارثة محتملة
تراجع مستوى المياه في سدود اسطنبول يثير قلق الأتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
اسطنبول: ينظر اسماعيل آيدين الى شاشات مركز التحكم بالمياه في مدينة اسطنبول التركية، مركّزاً على مؤشر مثير للقلق: كمية المياه في خزانات السدود تراجعت إلى 29,7 في المئة فقط من سعتها الإجمالية.
تسجّل هذه المستويات في أواخر موسم صيف شديد الحرارة عرفته كبرى مدن تركيا، ما وضعها على شفا كارثة محتملة على صعيد نقص المياه.
على رغم ذلك، يسعى آيدين، وهو مسؤول دائرة المياه والصرف الصحي، الى الطمأنة، فموسم المطر اقترب ومن يُتوقع أن يسهم في إعادة ملء البحيرات.
وقال لوكالة فرانس برس "لقد عرفنا موسما (صيفيا) جافا... مستويات المياه كانت عند 60 في المئة في الفترة نفسها من العام الماضي".
وأضاف "في العام 2014، تراجعت (مستويات المياه) الى 14 بالمئة فقط. لذا فإن النسبة الحالية هي ثاني أدنى مستوى خلال الأعوام العشرة الأخيرة".
ويحيط باسطنبول التي يقطنها 16 مليون نسمة بحسب التعداد الرسمي (و20 مليونا وفق تقديرات غير رسمية)، 11 سدا تمتلئ بشكل كامل خلال تشرين الثاني/نوفمبر وكانون الأول/ديسمبر حين تبلغ المتساقطات ذروتها.
لكن التغير المناخي العائد بالدرجة الأولى الى انبعاثات غازات الدفيئة التي يتسبب بها النشاط البشري، يؤدي الى تبدّل الأنماط المناخية، ويصبح مصدر قلق دائم لمسؤولين مثل آيدين.
شهدت اسطنبول خلال هذا الصيف هطول كميات محدودة من المطر، في حين أدى ارتفاع درجات الحرارة الى زيادة استهلاك المياه بشكل مطرد.
ولم يكن هذا النسق مختلفاً عما شهدته عموم البلاد، اذ عرفت تركيا في 2023 فصل الصيف الأكثر حرا منذ بدء تسجيل البيانات، وتجاوزت درجة الحرارة عتبة 50 مئوية في 14 آب/أغسطس، وذلك للمرة الأولى في التاريخ الحديث للبلاد.
طفرة في النمو
وفي حال جفاف خزانات السدود بالكامل، يمكن للمدينة استقدام كميات أخرى عن طريق البرّ أو البحر، على رغم أن السلطات لم تضع الى الآن أي خطط للتعامل مع هذا الاحتمال القاتم.
وما يزيد الطين بلة بالنسبة الى اسطنبول، هو أن مشكلة المياه يفاقمها النمو الهائل والمتسارع للمدينة.
فعدد السدود التي تغذي اسطنبول بالمياه بقي على حاله منذ نحو 30 عاما، يوم كان عدد سكانها يناهز خمسة ملايين نسمة فقط، وقبل أن يصبح استهلاك المياه مسألة حيوية في الحياة اليومية للناس وعبر وسائل الإعلام.
لكن المسؤولين الأتراك باتوا يطلّون بشكل متكرر عبر الإعلام لحضّ السكان على توفير استهلاك المياه بأي طريقة ممكنة.
وبعثت الدائرة التي يشرف عليها آيدين خلال موجة الحرّ في الفترة الماضية، رسالة نصّيّة الى سكان اسطنبول تحذّرهم فيها من أن الوضع يتجه نحو أن يصير غير مستدام.
وقال المسؤول لفرانس برس إن "طاقة التخزين في سدود اسطنبول هي تقريبا 868 مليون متر مكعب. لكن الاستهلاك السنوي للمدينة هو 1,1 مليار متر".
وشدد على أن السدود لا يمكنها أن توفر "كمية المياه التي تكفي لعام كامل. اسطنبول مدينة تحتاج الى هطول متواصل للمطر. مياهنا الجوفية لا تكفي".
وتبدو ندرة الأمطار جلية في العديد من بحيرات السدود عند أطراف اسطنبول، اذ حوّل الجفاف عند ضفافها أجزاء منها الى مروج ترعى فيها الأغنام والماعز.
بدوره، اعتاد المتقاعد نشأت كاراكاس الذي أمضى طفولته قرب المياه، أن يزور البحيرات لتمضية الوقت والترفيه. لكنه بات الآن يفكّر أكثر بأسباب انحسار مستوى المياه.
وقال لفرانس برس وهو يتأمل الأرض المتشققة جراء الجفاف ومركبا ملقى على جانبه، إن المشهد "يسبّب لي الحزن. لم نعتد رؤية البحيرة هكذا".
وأضاف المتقاعد الذي بلغ الثامنة والستين من العمر "ما لم تهطل الأمطار من الآن وحتى تشرين الأول/أكتوبر، ستكون اسطنبول في مواجهة أيام صعبة".
قلق
ويبدو أن الجهود التي يبذلها آيدين لتغيير عادات سكان اسطنبول في استهلاك المياه، بدأت تؤتي ثمارها.
وقال السائق حسن صادق أوغلو أنه قام بوضع قارورة من البلاستيك في خزان المرحاض لتوفير ليتر مع كل تدفق للمياه. وأضاف "عندما يقوم الأطفال بتنظيف أسنانهم، يفتحون الصنبور مرة واحدة فقط".
كما أعلنت دائرة المياه في اسطنبول عزمها على تركيب معدات خاصة على الصنابير المنزلية التي تستهلك شهريا كمية من المياه تفوق تلك المحددة. وستقوم تلك المعدات بخفض ضغط المياه في حال تخطى السكان سقف الاستهلاك.
وشدد آيدين على وجوب اتخاذ "خطوات شديدة الفاعلية، خصوصا في إدارة المياه"، معتبرا أن "التوفير هو أولوية، وإعادة التدوير هي أولوية".
وأكدت الطالبة مينا ألطنطاش أنها تحاول توفير المياه أثناء غسل الصحون وتنظيف الملابس، لكنها قلقة من أن هذا المجهود الشخصي لن يكون كافيا.
وقالت "القلق يساورنا جميعنا، كل البلاد، كل العالم". وأضافت ابنة الثامنة عشرة "لا أعرف ما سيحصل خلال عشرة أعوام. ما زلت شابة، ولا أعرف مقدار المياه التي ستتوفر لنا لاحقا".