الأجنّة البشرية الاصطناعية: تساؤلات أخلاقية لا تنتهي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
تمكن فريق من العلماء في معهد وايزمان الإسرائيلي هذا الأسبوع من إنتاج كيان مخبري يشبه إلى حد كبير جنيناً بشرياً مبكراً، من دون استخدام الحيوانات المنوية أو البويضات أو الرحم.
ويطمح العلماء من خلال التخليق المخبري لنماذج الأجنة إلى توفير طريقة أخلاقية لفهم اللحظات الأولى من حياتنا.
إذ أن الأسابيع الأولى بعد تخصيب الحيوانات المنوية للبويضة هي فترة تغيير جذري، إذ تتحوّل من مجموعة من الخلايا غير الواضحة إلى شيء يمكن التعرف عليه في النهاية عبر فحص الطفل.
وهذا الوقت الحاسم هو الذي يحصل فيه الإجهاض، وتتشكل العيوب الخلقية، ولكن فهم ماهيتها لا يزال محدوداً.
وعلى الرغم من تأكيد الباحثين أنه سيكون "من المستحيل في الواقع تحقيق الحمل باستخدام هذه النماذج الجنينية"، يطرح هذا الإنجاز أسئلةً أخلاقية عديدة حول الحدود العلمية وتأثيرها على مستقبل الإنسان.
بديل بحثي عن الأجنة البشريةيؤكد العلماء والباحثون في هذه التجربة على أن نماذج الأجنة هذه ستكون ذات فائدة كبرى في فهم مرحلة "الصندوق الأسود" للتطور الجنيني، وبالتالي تقليل مخاطر الحمل الفاشل، وتعزيز النتائج الصحية الأفضل للأطفال.
وأكد هؤلاء، ومن بينهم روبن لوفيل بادج، رئيس بيولوجيا الخلايا الجذعية وعلم الوراثة التنموية في معهد فرانسيس كريك في لندن في المملكة المتحدة، أن هذه الأجنة الشبيهة بالإنسان التي يمكنها أن تكون نموذجاً للنمو البشري في المراحل المبكرة من الحمل، ستجنّب العلماء استخدام الأجنة البشرية للبحث.
وتناول موقع "ذا كونفرزيشن" هذه النقطة في مقال أشار إلى أن نماذج الأجنة أنشئت من الخلايا الجذعية الجنينية البشرية، ما يعني أنها "لا تزال بحاجة إلى أجنة بشرية لإنشائها".
كما طرح سؤالاً عما إذا كانت هذه الأجنة الاصطناعية "قريبة بما يكفي" من الأجنة البشرية الحقيقية، حتى تكشف عن إجابات مفيدة للباحثين في الإجهاض واضطرابات النمو خلال الأيام الـ14 الأولى من تشكّل الجنين.
كذلك تساءل الموقع الأسترالي عن أخلاقية خلق كائنات حيّة شبيهة بالبشر فقط من أجل إجراء البحوث عليها.
"دور الإله"وكانت صحيفة الغارديان قد أثارت قبل شهرين تساؤلات عدة في هذا المجال، بعد الاجتماع السنوي للجمعية الدولية لأبحاث الخلايا الجذعية الذي عُقد في بوسطن خلال يوليو/ تموز الماضي.
واعتبرت أن العمل الذي قامت به البروفيسورة ماجدالينا زيرنيكا غوتز من جامعة كامبريدج ومعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، والذي ابتكر نماذج تشبه الجنين البشري من الخلايا الجذعية، من دون الحاجة إلى البويضات أو الخلايا المنوية، "يؤدي دور الإله في تنمية قلب صغير ينبض بشرياً في المختبر".
وعلى الرغم من أن جميع الأبحاث في هذا المجال أكدت أن تجميع الخلايا الـ120 معاً يتجاوز النقطة التي يمكن أن يزرع فيها الجنين بنجاح في بطانة الرحم، رأت الغارديان أنه "في غياب مبادئ توجيهية واضحة لتعزيز البحوث المسؤولة والحفاظ على ثقة الجمهور بها، فإن العلماء لا يملكون سوى ضميرهم والخوف من فقدان سمعتهم لإرشادهم" في هذه المسألة.
وفي رأي الصحيفة البريطانية إن "خلق حياة" في المختبر لا يحتاج حالياً سوى السماح للعلماء بتجميع كتل الخلايا الجذعية وتشكيل دماغ "لديه مشاعر وأفكار"، فيما تؤكد أن هذه التجربة غير مقبولة في الوقت الحالي لدى الرأي العام.
وأشارت الصحيفة إلى كتاب "نهاية الجنس ومستقبل التكاثر البشري"، للبروفيسور هانك غريلي من جامعة ستانفورد الصادر عام 2016 والذي قال إنه في غضون بضعة عقود سيتوقف معظم الناس في البلدان المتقدمة عن التكاثر من خلال الجنس، واستخدام الجنس حصرياً للمتعة، وبدلاً من ذلك سيعتمدون على التكاثر من خلال الأمشاج المشتقة من الخلايا الجذعية متعددة القدرات.
وتتقاطع حجة الغارديان عن "دور الإله" مع المخاوف الدينية التي تبرز مع كل إنجاز علمي من هذا النوع، والتي انتشرت بكثرة بعد التوصل إلى تكنولوجيا الاستنتساخ أو بعد ولادة لويزا براون (امرأة إنجليزية معروفة بأنها أول إنسان ولد بعد الحمل عن طريق الإخصاب في المختبر أو التلقيح الاصطناعي).
لكن مفكّرين كثر علّقوا خلال العقود الماضية على هذا الادعاء، متساءلين لماذا لا تظهر المخاوف نفسها مع كل التقدم الطبي الذي أطال أمد عمر الإنسان وقلّل أسباب الموت بصورة هائلة في القرن الأخير؟
"إنجاب من دون جنس"في كتابه "الرحم الاصطناعي" الصادر عام 2005، يرى المفكر وعالم البيولوجيا الفرنسي هنري أتلان أنه فيما عرفت البشرية بصورة دائمة وجود عملية جنسية من دون إنجاب، يمكن لتطور العلوم في مجال التكاثر البشري أن يؤدي إلى "إنجاب من دون عملية جنسية"، الأمر الذي ينطبق أيضاً على تخليق نماذج الأجنّة.
ويرى العالم الفرنسي أن هذه الإنجازات قد تسفر أيضاً عن انتهاء التمييز بين الرجل والمرأة في مجال الإنجاب، ما يتيح للمرأة حرية أكبر في التصرّف بجسدها، كما سينهي ربط عملية الإنجاب لدى المرأة بالآلام.
إلى ذلك، يعيد هذا التطوّر تشكيل المفهوم التقليدي للعائلة، ويمنح مثلاً الرجال المثليين المزيد من الفرص لإنجاب الأطفال وتكوين عائلة بالفعل.
لكن في الوقت نفسه، تبرز الكثير من المخاوف حين يصل الحديث إلى عملية خلق الأجنة الاصطناعية.
وإلى جانب المخاوف الدينية والتساؤل عن مصدر الحياة وإذا كان من حق الإنسان أن يخلق بنفسه جنيناً بهذه الطريقة، تبرز أيضاً أسئلة العدالة الاجتماعية.
ويخشى مع تطور هذه التكنولوجيا وإتاحتها لما هو أبعد من الأبحاث العلمية، عدم ضمان الوصول العادل إلى هذه الإمكانية ومفاقمة التفاوتات بين الأشخاص في مجال الرعاية الصحية.
كذلك، تطرح أسئلة عن تنظيم هذه التكنولوجيا وتشريع قوانين ملائمة لها، لمنع سوء استخدامها بما يضمن حقوق الأفراد.