يهدف لتحسين قدرات المحاصيل على مقاومة الجفاف والملوحة
كيف يساعد تعديل الجينات بتفادي آثار الأفات البيئية على الزراعة؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
تعد الآفات الزراعية عدوا قديما للبشر، فواحد منها تسبب في تدمير محصول البطاطس ما ترتبت عليه مجاعة في أيرلندا عام 1845.
وكانت الآفة عبارة عن فطر يحول البطاطس إلى محصول هلامي فاسد غير قابل للأكل.
وقد ظهرت العديد من الآفات الزراعية في جبال الأنديز في بيرو مؤخرا بسبب الطقس الحار الممطر الذي يساعد على انتشار الآفات الزراعية.
دفع هذا الأمر العلماء في مركز البطاطس الدولي إلى تطوير أنواع جديدة من المحاصيل التي يمكنها مقاومة الآفات المعروفة، بمساعدة المحاصيل قريبة الشبه التي تنمو بشكل طبيعي وتقاوم الآفات بنفسها.
وبعد عزل الجينات المقاومة للفطر في هذه المحاصيل قاموا بنقلها إلى المحاصيل الجديدة ووزعوا الأنواع التي طوروها على المزارعين ليبدأوا بتجربتها.
ويقول بنيامين كيليان أحد العلماء في مركز تطوير المحاصيل الزراعية في بون في ألمانيا "عادة من السهل تحسين مقاومة بعض المحاصيل لآفات معينة".
ويعمل المركز على تكرار نفس التجربة التي جرت مع محصول البطاطس على محاصيل أخرى.
ويمكن في بعض الأحيان أن تقع تغيرات جينية بسيطة في بعض المحاصيل بشكل مؤقت ما يؤدي إلى تغيرات في قدرتها على مقاومة عوامل محددة مثل الجفاف والملوحة.
ويعمل العلماء على تحسين قدرات المحاصيل على مقاومة هذه العوامل، خاصة الجفاف، عبر تطوير قدرات خاصة للنبات بتقليل كميات المياه التي يفقدها من أوراقه وجذوره، بحيث يكون النبات قادرا على الاحتفاظ بالمياه فترة أطول.
ويعمل كيليان على مشروعات عدة لتطوير فصائل جديدة من المحاصيل الزراعية بالتعاون مع هيئات عدة منها بنوك البذور وبرامج تنمية دولية ومراكز أبحاث دولية.
وكذلك يتعاون المركز مع المزارعين لمعرفة رأيهم وتجربة الفصائل الجديدة، ثم الحصول على تعليقاتهم وملاحظاتهم عليها لتجنب أي مشاكل.
ويؤكد كيليان أن عملهم يتضمن الإنصات جيدا للأراء المختلفة للمزارعين، قائلا "أحيانا يفضل الرجال والنساء حتى لو كانوا من أسرة واحدة فصائل مختلفة من المحاصيل، حيث تركز النساء عادة على الطعم والمكونات الغذائية بينما يركز الرجال على كمية المحصول".
وبالطبع لم يكن التفكير في حجم المحصول أمرا هامشياً عند تطوير فصائل زراعية جديدة، لكنه أحيانا أدى إلى نظام غذائي رتيب بحيث انتشرت زراعة الفصائل ذات المحصول الضخم على حساب الفصائل الأخرى.
ويضيف كيليان "يمكنك بالطبع اختيار الفصائل ذات المحصول الضخم لكن في الوقت نفسه يمكن أن تخاطر بفشل زراعي لفصائل أخرى".
ويواصل "بالنسبة للكثير من المزارعين فإنهم يفضلون زراعة فصائل تضمن لهم محصولا ثابتا بغض النظر عن البيئة والعوامل الجوية المختلفة".
وتعد البازلاء واحدة من المحاصيل التي يعمل عليها المركز وطوروا فصائل منها تقاوم العوامل الجوية السيئة ونقص المياه.
ورغم قدرة البازلاء على مقاومة نقص المياه إلا أنها تتضمن في تركيبتها عناصر ذات سمية وقد تكون خطيرة إذا تناولها الإنسان بكميات ضخمة، وهذا هو ما يعمل عليه المركز حاليا بحيث يقلل من الجينات المسؤولة عن إنتاج هذا المركب في فصائل جديدة من البازلاء.
وهناك نبات آخر يقاوم العوامل الجوية بشدة وهو نبات الأزولا السرخسي، ويقول راد رينغيسين، المدير التنفيذي لمعهد الجينومات في جامعة كاليفورنيا إنه يعتقد أن تعديل جينات معينة في بعض المحاصيل هو أكثر الوسائل الناجحة في تطوير المحاصيل الزراعية.
ويضيف "إنها وسيلة دقيقة تزيد من سرعة الدورة الزراعية للمحاصيل".
ويواصل "هناك عدد ضخم من الآفات الزراعية الجديدة علاوة على العوامل الجوية المتغيرة وكل هذا لا يساعدنا في العمل".
ويؤمن رينغيسين بأن تعديل الجينات عمل أكثر فعالية وإفادة من رش النباتات بالمزيد من المبيدات الزراعية.
ويعمل المركز أيضا على فصائل جديدة من الأرز تقلل كميات المياه المطلوبة، عبر تقليل تبخر الماء من الأوراق، باستخدام التعديل الجيني بعد عزل الجين المسؤول عن هذا الأمر، واستبداله، ويتم تجربة هذا المحصول الجديد في مناطق في كولومبيا.
وقد تمكن العلماء في مركز أبحاث الأرز في الفلبين من تطوير محصول جديد هو "أرز سكوبا" بحيث يكون مقاوما لزيادة المياه ويتحمل النبات أن يكون مغمورا في المياه لأسابيع خلال مواسم الفيضانات التي تشهدها الفلبين.
وأحيانا يكون التعديل الجيني عملا متعبا ويستغرق الكثير من الوقت للتأكد من عدم انتقال جينات غير مرغوب فيها إلى الفصائل الجديدة، وهي أمور تخضع لقيود شديدة في أوروبا.
وتتضمن عملية التعديل الجيني انتزاع جينات معينة لتسريع عمليات التطور الجيني في المحاصيل والتي تتم بشكل طبيعي على فترة زمنية أطول بكثير، وبالتالي يعمل التعديل الجيني على تسريع ما تفعله النباتات بشكل طبيعي، وهو الأمر الذي أصبح مقننا في بلدان مثل انجلترا وكينيا.
ويقول رينغيسين "بعض معدلي الجينات يقومون فقط بإزالة بعض الجينات دون إضافة جين آخر".
وبعد الجهد الكبير في مجال تعديل الجينات تسعى شركة إيناري ومقرها في ماساتشوستس الأمريكية، لخطوة أكبر في هذا المجال.
فالشركة تسعى لاستبدال مجموعة من الجينات معا بدلا من استبدال جين واحد في النباتات بهدف تحسين قدرة المحاصيل الزراعية على مقاومة العديد من العوامل والظروف الصعبة في وقت واحد.
لكن حاليا يتمركز جهد الشركة بالتعاون مع أنظمة وبرامج الذكاء الاصطناعي على زيادة كميات المحاصيل الزراعية بشكل ضخم يصل أحيانا إلى 10 أو 20 ضعفا عن المحاصيل العادية، خاصة في 3 أنواع من المحاصيل هي فول الصويا والذرة والقمح.
وتقول مديرة شركة إيناري، بونسي تريفيسفافيت إن الفصيلة الجديدة من فول الصويا التابعة للشركة سيبدأ تسويقها العام الجاري، وتستهدف الشركة الأسواق في أستراليا والولايات المتحدة كمرحلة أولى.
ورغم الانتقادات التي توجه لشركتها إلا أن بونسي تعتبر أن زيادة كميات المحاصيل من فول الصويا باستهلاك نفس الكميات من الموارد يعد أمرا نافعا في ظل التغير المناخي قائلة "يتعلق الأمر بتقليل كميات المياه والأسمدة المستخدمة".
وهناك أمر آخر بالنسبة للفصائل المطورة جينيا وهي قدرة المزارعين على شرائها، خاصة وأنه يجب عليهم أن يشتروا البذور مرة أخرى مع كل دورة زراعية بدلا من حفظ البذور من المحصول السابق وإعادة زراعتها.
وتطالب جمعيات زراعية عدة بتخطي هذه المشكلة بحيث لا يكون المزارعون خاضعين للشركات في الحصول على بذور كل موسم.
ويبدو أن الكثيرين سيضطرون في وقت ما إلى تغيير نظامهم الغذائي والتخلي عن بعض الأطعمة التي يحبونها مثل الموز، والكاكاو، وهما محصولان أظهرا تأثرا شديدا بتغير العوامل الجوية والتغير المناخي، لكن لحسن الحظ يمكن أن يساعد التعديل الجيني في تغيير هذا الأمر.
ويقول كيليان "أظن أنه ينبغي علينا جميعا تقدير التنوع الزراعي فلا يمكن أن نعتمد على أنواع قليلة من المحاصيل الأساسية فقط".