صحة وعلوم

تقنية جديدة تجعلها تتفوق في المهام الصعبة

"من كائن مقزز إلى بطل منقذ".. الصراصير تتحول إلى جيش آلي لخدمة البشرية

رسم تعبيري باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

إيلاف من دبي: نجح باحثون من جامعة نانيانغ للتكنولوجيا في سنغافورة في ابتكار تقنية حديثة تُحوّل الصراصير الحية إلى عناصر آلية ذكية يُمكن التحكم بها عن بُعد في زمن قياسي، ما يفتح الباب أمام استخدام هذه الحشرات في مجموعة واسعة من المهام الحيوية.
من البحث عن ناجين في الأنقاض ومناطق الكوارث الطبيعية، إلى رصد التلوث البيئي وتحليل جودة الهواء في المناطق الخطرة، يتيح هذا الاختراع فرصًا جديدة لحل مشكلات تواجه البشر والروبوتات التقليدية على حد سواء.

بفضل قدرتها الفطرية على التحرك في الأماكن الضيقة والمعقدة، تُعتبر الصراصير حلاً مثاليًا لاجتياز التضاريس الصعبة والدخول إلى مواقع قد يستحيل الوصول إليها بواسطة الإنسان أو حتى الروبوتات. كما أن هذه الحشرات لا تحتاج إلى مصادر طاقة كبيرة، ما يجعل استخدامها أكثر فعالية من حيث التكلفة مقارنة بالحلول التقنية المكلفة.

ولعل أبرز فوائد هذه الصراصير "الآلية" تكمن في إمكاناتها لتسلق الجدران والتحرك عبر الأسطح الوعرة، إضافة إلى حاسة الشم الحساسة لديها، التي تمكّنها من اكتشاف المواد الكيميائية والغازات. هذه القدرات تجعلها أدوات مثالية لاكتشاف التسربات الخطرة، مراقبة جودة الهواء، أو حتى البحث عن علامات للحياة في المباني المنهارة بعد الكوارث الطبيعية.

دمج الذكاء الصناعي بالقدرة البيولوجية
يعتمد هذا الاختراع على تطوير جهاز آلي صغير يُثبّت على ظهر الصرصور، ويعمل كـ"حقيبة ظهر" إلكترونية تتحكم في حركة الحشرة بدقة. يتكوّن النظام من وحدة تحكم إلكترونية خفيفة الوزن مُتصلة بمستشعرات يتم وضعها بعناية على هوائيات الصرصور الأمامية، وهي النقاط المسؤولة عن إدراك البيئة المحيطة.

تعتمد التقنية على التحفيز الكهربائي لتوجيه حركة الصرصور في الاتجاه المطلوب، حيث تُرسل إشارات كهربائية دقيقة إلى الهوائي الأيسر أو الأيمن. هذا التحفيز يوهم جهاز الصرصور العصبي بوجود عائق وهمي، مما يدفعه للتحرك تلقائيًا في الاتجاه المعاكس. العملية تتم دون إلحاق أي ضرر بالحشرة وتستغرق 68 ثانية فقط، ما يمثل طفرة مقارنة بالطرق السابقة التي كانت تحتاج إلى نحو 30 دقيقة لإعداد صرصور واحد يدويًا.

يبدأ تحويل الصرصور إلى "سايبورغ" بوضعه في حالة خمول مؤقت عبر تعريضه لغاز ثاني أكسيد الكربون، لتسهيل تثبيته. باستخدام تقنيات الرؤية الحاسوبية المتطورة، يقوم النظام بتحديد مواقع تركيب المستشعرات بدقة عالية قبل تثبيت الأجهزة الإلكترونية، ليتم بعد ذلك إطلاق الصرصور ليصبح جاهزًا لأداء مهامه تحت إشراف وحدة التحكم عن بُعد.

فعالية وكفاءة في الميدان
تكمن أهمية هذا الابتكار في فعاليته الكبيرة أثناء الكوارث الطبيعية. في بيئات مثل الأنقاض والمباني المنهارة، حيث يصعب وصول البشر والروبوتات إلى الفتحات الصغيرة والشقوق، يمكن لهذه الصراصير المجهزة بالتقنية الحديثة أن تتسلل بسهولة للكشف عن ناجين أو استشعار وجود الغازات الخطرة.

كما أن استخدام الصراصير في مهام المراقبة البيئية بات خيارًا عمليًا بفضل حساسيتها للمواد الكيميائية. الصراصير يمكنها أن تجمع بيانات دقيقة حول مستويات التلوث، وهو ما يُعد حلاً واعدًا في المناطق الصناعية ذات المخاطر البيئية العالية.

من الناحية الاقتصادية، يُعتبر هذا الابتكار منخفض التكلفة وذو كفاءة عالية؛ إذ لا تحتاج الصراصير إلى طاقة كبيرة للحركة كما هو الحال مع الروبوتات، ما يُسهم في توفير الموارد وتقليل التكاليف التشغيلية بشكل كبير.

التحديات المقبلة: التحكم الجماعي وتحسين التنسيق
رغم النجاح الكبير في تطوير هذه التقنية، إلا أن التحكم في أعداد كبيرة من الصراصير يظل تحديًا تقنيًا أمام الباحثين. يهدف الفريق العلمي في جامعة نانيانغ إلى تطوير أنظمة تحكم أكثر تطورًا تتيح توجيه مجموعات من الصراصير في وقت واحد وبطريقة منسقة، بحيث يمكنها العمل كفريق واحد لأداء مهام معقدة.
ورغم أن الأداء الحالي للصراصير المحولة يماثل أداء تلك المُعدّلة يدويًا، إلا أن الباحثين يسعون إلى تحقيق مزيد من التطور في البرمجيات المستخدمة لضمان فعالية أكبر وسرعة في الاستجابة لأوامر التحكم.

تطبيقات مستقبلية واعدة
يشير الباحثون إلى أن التقنية قد تُستخدم مستقبلاً في تطبيقات جديدة وغير متوقعة، من مهام الاستخبارات العسكرية وجمع المعلومات في البيئات المعادية، إلى عمليات الاستكشاف العلمي في البيئات المعقدة مثل الأنفاق أو حتى في مشاريع استكشاف الفضاء.

من جانب آخر، يمكن تطوير هذه التقنية لتُستخدم في أنظمة مراقبة جودة الهواء، والاستجابة السريعة للتسربات الكيميائية والبيولوجية في المواقع الحساسة، ما يُساهم في الحفاظ على صحة البشر وحماية البيئة.

يمثل هذا الابتكار خطوة هامة نحو مستقبل تتداخل فيه التكنولوجيا مع الكائنات الحية لأداء مهام تعجز عن تحقيقها الأدوات التقليدية. وبفضل سرعة التنفيذ وكفاءة الصراصير الطبيعية، قد يصبح هذا النظام جزءًا من منظومة البحث والإنقاذ العالمية وأحد الحلول الرائدة لمواجهة الكوارث والتحديات البيئية.


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف