نهاية عصر حقن الأنسولين؟
ثورة علمية تهزم السكري وتُعيد رسم قواعد العلاج
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
إيلاف من لندن: نجح فريق علمي دولي في تمكين مريض مصاب بداء السكري من النوع الأول من إنتاج الأنسولين بنفسه، بعد أن خضع لعملية زرع خلايا بنكرياسية معدلة وراثياً صُمّمت خصيصاً لتجنّب رفض الجهاز المناعي لها، ما ألغى الحاجة إلى الأدوية المثبطة للمناعة. وقد نُشرت نتائج هذه التجربة في مجلة "نيو إنغلاند الطبية"، وأثار الإعلان عنها جدلاً واسعاً في الأوساط الطبية والبحثية، باعتبارها تفتح الباب أمام مرحلة علاجية جديدة للسكري وربما لزراعات خلوية أخرى.
بداية جديدةداء السكري من النوع الأول هو مرض مناعي ذاتي يبدأ عندما يهاجم جهاز المناعة خلايا "الجزر" في البنكرياس المسؤولة عن إنتاج الأنسولين. وعلى مدى عقود، كان الحل الوحيد أمام المرضى هو التعايش مع حمية غذائية دقيقة وجرعات يومية من الأنسولين عبر الحقن أو المضخات. غير أن الاتجاهات العلاجية الحديثة ركّزت على زرع خلايا بنكرياسية سليمة لتعويض الخلايا التالفة. إلا أن هذا الخيار ظلّ مقيداً بسبب رفض الجهاز المناعي، ما فرض اللجوء إلى أدوية مثبطة للمناعة، وهي علاجات مكلفة وتعرّض المريض إلى ضعف خطير في مقاومة الالتهابات والأمراض.
التجربة التي وُصفت بـ "دراسة إثبات المفهوم" (Proof-of-concept study) جرت على مريض يبلغ من العمر 42 عاماً، أصيب بالسكري منذ سن الخامسة. وقد حصل على خلايا جزرية (Islet Cells) مأخوذة من متبرع سليم، حُقنت في عضلة الساعد عبر سلسلة من الحقن الدقيقة. وخلال 12 أسبوعاً من المتابعة، بدأت هذه الخلايا تستجيب لارتفاع مستويات السكر في الدم بعد الوجبات وتفرز الأنسولين بشكل طبيعي. الأهم أن المريض لم يحتج إلى أي دواء مثبط للمناعة طوال فترة التجربة.
تعديل ثلاثيللوصول إلى هذه النتيجة، استخدم العلماء تقنية "كريسبر" للتعديل الجيني، فأجروا ثلاثة تغييرات أساسية: تعديلان لتقليل المستضدات التي تتعرف عليها الخلايا التائية، وتعديل ثالث لتعزيز إنتاج بروتين CD47 الذي يعمل بمثابة إشارة "لا تقترب" في مواجهة الخلايا المناعية الفطرية مثل الخلايا القاتلة الطبيعية (Natural Killer Cells) والبلعميات (Macrophages).
هذه التعديلات لم تنجح كلها على نحو متساوٍ، وهو ما أتاح &- بشكل غير مقصود &- تكوين "مجموعة ضابطة طبيعية". فقد فشلت الخلايا التي لم تُجر عليها أي تعديلات في الصمود، إذ قضت عليها الخلايا التائية خلال أسابيع. كما لم تنجح الخلايا ذات التعديل الجزئي، إذ تم تدميرها من قبل المناعة الفطرية. وحدها الخلايا التي جمعت التعديلات الثلاثة بقيت حية وأدت وظيفتها في إفراز الأنسولين.
مقارنة مع تجارب سابقةهذه التقنية أظهرت نجاحاً مسبقاً في التجارب على الفئران والقرود، لكنها تُطبّق لأول مرة على البشر. تجارب سابقة في مجال زراعة الخلايا أحرزت نتائج مشجعة، لكنها اعتمدت على مثبطات المناعة. وفي الصين العام الماضي، جرى الإعلان عن حالة شابة زُرعت لها خلايا منتجة للأنسولين من خلاياها الجذعية الخاصة، وتمكّنت بعد أربعة أشهر من ضبط مستوى السكر في دمها بشكل شبه كامل، إذ ظل ضمن النطاق الآمن لأكثر من 98% من ساعات اليوم.
آفاق علاجيةالباحثون المشاركون في التجربة يؤكدون أن هذه الخطوة لا تمثّل مجرد إنجاز تقني للسكري من النوع الأول، بل قد تؤسس لعصر جديد في زراعة الخلايا عموماً. إذ يمكن للتقنية أن تقلل الحاجة إلى مثبطات المناعة في عمليات زرع أنواع أخرى من الخلايا، ما يوسع الأفق أمام علاجات أكثر أماناً وفعالية لمجموعة من الأمراض المزمنة.
المصدر: تقرير ScienceAlert، الذي استند بدوره إلى الدراسة العلمية المنشورة في The New England Journal of Medicine