أخبار

نهج أميركي جديد للتعامل مع سوريا

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

بعد ان هيمنت حالة من الاستقطاب على الشرق الاوسط اخيرا، باتت الادارة الاميركية تنتهج خطة جديدة للتعامل مع سوريا.

ميتشال مجتمعا الى الاسد الاربعاء

واشنطن: هيمنت حالة من الاستقطاب على منطقة الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة وتصنيف المنطقة إلى محاور حيث برز ما يعرف بمحور الاعتدال يقابله محور التطرف الذي يضم إيران وسوريا وحزب الله اللبناني وحركة حماس، وهو المحور الذي اعتبرته الولايات المتحدة حجر عثرة أمام تحقيق أهدافها وأهداف حليفتها إسرائيل.

ومن هذا المنطلق حاولت الولايات المتحدة وإسرائيل تفكيك هذا المحور من خلال وسائل عدة الأمر الذي بدا جليًّا في الحالة السورية حيث فُرضت عليها عزلة دولية في بادئ الأمر وفى مرحلة أخرى تم التلويح بعملية السلام مع إسرائيل وإبداء قدر من الانفتاح الغربي عليها عن طريق زيارات بعض المسئولين الأوروبيين والأميركيين لدمشق.

وفى هذا الصدد، نشرت دورية الشرق الأوسط الفصلية في عددها الصادر اخيرا دراسة بعنوان "الطريق السوري للإرهاب الإسلامي. الإرهاب السوري" للباحث المقيم في المعهد الأميركي لأبحاث السياسات العامة ـ معهد أميركان إنتربرايز ـ والمحاضر في كلية الدراسات العليا البحرية الأميركية مايكل روبين . وينطلق روبين في دراسته من فرضية أن النظام السوري هو مجرد نظام متطرف يدعم"الإرهاب الإسلامي المتطرف"، وهو ما يمكن أن يتصادم مع محاولات الانفتاح على النظام السوري المبذولة من جانب إدارة أوباما.

اغتيال الحريري والضغوط على سوريا

اعتبر روبين أن بداية التركيز على النظام السوري كانت مع اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري أثناء تفجير موكبه في العاصمة اللبنانية بيروت في 14 من فبراير 2005، فقد توجهت كافة الأنظار إلى سوريا عقب هذا التفجير وبدأت الاتهامات توجه إلى النظام السوري لعدد من الأسباب أهمها أن الحريري من أبرز القادة اللبنانيين الرافضين للتدخل السوري في الشؤون اللبنانية والذي بلغ ذروته مع التمديد للرئيس اللبناني السابق أميل لحود لفترة رئاسية غير دستورية وهو من المحسوبين على النظام السوري. كما لسوريا أدوات تنفيذ مثل الهجوم فالجيش السوري احتل لبنان لمدة تزيد على خمسة عشر عامًا والمخابرات العسكرية السورية متوغلة بشكل كبير داخل الأراضي اللبنانية ولديها شبكاتها العملياتية هناك.

وفى السياق ذاته كشف القائد الدرزي وليد جنبلاط عن لقاء تم بين الأسد والحريري قبل اغتيال الأخير بأشهر قليلة حيث أخبره الرئيس الأسد "بأن الرئيس لحود هو أنا . ولو أردت أنت وشيراك (الرئيس الفرنسي السابق) إخراجي من لبنان فسوف أدمر لبنان" وهو ما فسره جنبلاط على أنه تهديد بالقتل للحريري.

وعقب اغتيال الحريري أضحت سوريا منبوذة دوليًا، وقام الأمين العام السابق للأمم المتحدة بإرسال بعثة تقصي حقائق وانتهت البعثة إلى تشكيل لجنة تحقيق دولية كما تزعمت الولايات المتحدة وفرنسا حملة العزلة المفروضة على سوريا، وسحبت وزارة الخارجية الأميركية سفيرتها من دمشق آنذاك مرجريت سكوبي، ومع تزايد الضغوط على النظام السوري انسحب الجيش السوري بصورة نهائية من الأراضي اللبنانية.

نهج جديد للتعامل مع سوريا

تستعرض الدراسة نهج تعامل الرئيس الأميركي أوباما مع النظام السوري فقد أعلن أوباما خلال حملته الانتخابية عن استعداده لفتح قنوات للحوار مع كافة القوى والدول حتى التي على عداء مع الولايات المتحدة وهو الأمر الذي أعاد التأكيد عليه خلال خطابه الافتتاحي حينما قال:"نحن سنمد أيدينا لكل من يبسط أيديه لنا".

من جانبها تجاوبت سوريا مع هذا الأمر وأعرب الرئيس بشار الأسد ـ خلال برقية تهنئة للرئيس أوباما ـ عن أمله أن تسود لغة الحوار المتبادل للتغلب على الصعوبات التي تعوق إحداث تقدم حقيقي في عملية السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.

وكانت هذه التطورات بمثابة إشارات متبادلة لإمكانية فتح صفحة جديدة في العلاقات الأميركية ـ السورية حيث أرسلت وزارة الخارجية الأميركية مساعد وزيرة الخارجية جيفرى فيلتمان ليكون أعلى مسؤول أميركي يزور دمشق منذ ما يقرب من أربع سنوات وذلك لإجراء حوار ومحادثات مع وزير الخارجية السوري. وفى السياق ذاته أعلنت الخارجية الأميركية في 24من يونيو 2009 أنها ستسمى سفيرًا جديدًا في سفارتها بدمشق، وعقب ذلك بما يقرب من شهر أعلنت إدارة أوباما أنها بصدد تخفيف العقوبات على سوريا.

سوريا تقدم الدعم للحركات المسلحة

على الرغم مما يبديه الرئيس الأسد من عداء للحركات الإرهابية فإن السجل السوري يشير إلى إمكانية تسامح النظام مع هذه الحركات وتقديم الدعم لها، وفى هذا الشأن نشير إلى ما يلي:

أولاً: على الرغم من الصدام بين النظام السوري وجماعة الإخوان المسلمين ،التي بدأت عملها في سوريا إبان الخمسينيات من القرن الماضي وبلغ التصادم ذروته بين النظام والجماعة خلال عقد السبعينيات والثمانينيات من القرن المنصرم في أحداث حلب وحماة والتي وصلت إلى حد تدخل الجيش السوري وضربه لمدينة حماة، فسرعان ما تجاوزه النظام السوري حيث سعى الرئيس حافظ الأسد في أعقاب أحداث حماة إلى استمالة الإسلاميين واستخدم الدين كوسيلة لتثبيت شرعيته ومول المساجد ودعم رجال الدين وبث التليفزيون السوري مزيدًا من البرامج الدينية.

ثانيًا: تعاملت الحكومة السورية مع ملف العناصر الإرهابية خلال السنوات الأخيرة بحالة من الازدواجية ففي حين أعادت مجموعة من الإرهابيين الإسلاميين المزعومين للمملكة السعودية وتونس إبان شهر يوليو 2005 رفضت تسليم إرهابيين معتبرة أن هذا القرار يرتبط بالضرورة الدبلوماسية الحالية وليس الالتزام بمكافحة الإرهاب.

وحاولت سوريا إظهار ذاتها في صورة الضحية فقد استشهدت الحكومة بالتفجير الذي نفذه تنظيم فتح الإسلام في دمشق في 17 من سبتمبر 2008 واعتبرته استهدافًا للبلد من جانب الإرهابيين الإسلاميين لتجاوبها مع جهود الولايات المتحدة لتدعيم الأمن عبر حدودها مع العراق والإشارة إلى تنظيم فتح الإسلام قد تكون محاولة من جانب النظام لإبعاد أي اتهامات بتقديم الدعم لهذا التنظيم في لبنان.

ثالثًا: الاعتماد على بعض الافتراضات القائلة بالعداء المتجذر بين التنظيمات الإرهابية السنية (وخاصة تنظيم القاعدة) والنظام السوري العلوي أمرًا لا يمكن الاعتداد به في كافة الظروف فهذا العداء قد يكون فعليًّا إلا أن الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط والتغير في التحالفات قد تؤجل مثل هذه العداءات. فالأعداء يتعاونون معًا ضد من يعتبرونه تهديدًا مشتركًا الأمر الذي ينطبق على حالة إيران وطالبان فبعد عقود من العداء المتبادل تعاون الطرفان في إجهاض العمليات الأميركية في أفغانستان.

هل يمكن لسوريا أن تتخلى عن الإرهاب؟

بهذا السؤال يؤكد روبين على الدعم السوري للجماعات الإرهابية فمع انتخاب الرئيس بشار الأسد عام 2000 اعتبر عديد من الدبلوماسيين والمحللين الغربيين أن سوريا ستبدأ طريق إصلاح فعلي ولكن سرعان ما تبددت هذه الآمال وأضحت سوريا دولة بوليسية في الداخل وداعمة للإرهاب خارجيًّا وفى هذا الإطار ترسخت السياسات المتجذرة في سوريا الرافضة لحق إسرائيل في الوجود والمعارضة لمصالح الولايات المتحدة الإقليمية.

وتتناول الدراسة الدعم السوري للحركات الإرهابية من خلال التركيز على محورين، المحور الأول تقديم الدعم للجماعات المتمردة في العراق فنسبة كبيرة من المقاتلين الأجانب يتسللون إلى العراق عبر الأراضي السورية حيث كشفت تحقيقات إيطالية في هذا الشأن أن سوريا أصبحت بمثابة ميركز لشبكة القاعدة الأمر الذي نفته سوريا مرارًا معتبرة أن أي توتر في العراق ليس في صالح سوريا وبالتالي فمن مصلحتها تهدئة الأوضاع هناك وليس مساعدة المقاتلين على التسلل إلى العراق عبر أراضيها .

وفى السياق ذاته، اكتشفت القوات الأميركية في مدينة سنجار بشمال العراق عددًا من الوثائق تتضمن معلومات ما يزيد عن 600 مقاتل أجنبي تسللوا للعراق في الفترة من ربيع 2006 إلى صيف 2007. وعلى الرغم من أن الوثائق أظهرت المقاتلين السوريين في مرتبة متأخرة خلف المقاتلين السعوديين والليبيين إلا أن السوريين يلعبون دورًا رئيسًا في تسهيل عمليات تسلل المقاتلين الأجانب إلى العراق كما يشكل المقاتلون السوريون أغلبية المعتقلين في معسكر بوكا ،معسكر الاعتقال الأميركي الرئيس في العراق، ونسبة كبيرة من المقاتلين السوريين الذين يتسللون للعراق يأتون من إقليم دير الزور السوري المحاذي للعراق ومن اللاذقية فضلاً عن دمشق وحمص وحلب.

وتشير الوثائق إلى بعض وسائل تجنيد هؤلاء المقاتلين فنسبة كبيرة من المقاتلين أشقاء كما يتم استقطاب الشباب السوريين لتنفيذ مهام إرهابية في العراق وهنا ينبغي أن نأخذ في الحسبان أمرين أولاً في الوقت الذي تفرض فيه سوريا رقابة على الاتصالات الإلكترونية فإن نسبة كبيرة من عمليات التجنيد تتم من خلال شبكة المعلومات الدولية وبالتالي يكون إنكار الحكومة السورية معرفتها بمثل هذه الأنشطة مجرد مزاعم مخالفة للواقع.

ثانيًا: إن سوريا أضحت بمنزلة ترانزيت للمقاتلين المتطرفين القادمين من دول عربية ومن غير المنطقي في دولة "بوليسية" مثل سوريا أن تدخل مثل هذه العناصر لأراضيها ولا تكون السلطات على دراية بذلك.

ويخلص روبين إلى القول بأن عملية تهريب الأشخاص عبر الأراضي السورية للعراق عملية مربحة للأشخاص الذين يشاركون في هذه العمليات حيث يتلقون أموالاً طائلة هذا بالإضافة للرشاوي التي تدفع لحراس الحدود وللحصول على أوراق مزورة للمقاتلين وغيرها من الإجراءات ولذا فإن عمليات التهريب تشير بدرجة أو بأخرى إلى فساد الجهات الحكومية السورية.

المحور الثاني: يتناول الدعم الذي تقدمه سوريا للحركات الإرهابية على المستوى الدولي والمنطقة ككل حيث ذكر ريان ماورو مساعد مدير المخابرات بميركز المخابرات ومكافحة حرب الإرهاب الإلكتروني - "أن عديدًا من عمليات القاعدة لها علاقة بسوريا" وسوريا لها صلات بهجمات تنظيم القاعدة في الأردن والمغرب فعلى سبيل المثال مقر خلية أبي مصعب الزرقاوي،الذي كان قائدًا لتنظيم القاعدة في العراق،كان في سوريا وذلك فيما نفذت عملية اغتيال الدبلوماسي الأميركي لورانس فولي في الأردن شهر أكتوبر 2002 فضلاً عن قتل عديد من الجنود الأميركيين في العراق.

وفى السياق ذاته ذكرت بعض التقارير أن أحد منفذي التفجيرات التي شهدتها المغرب في مايو 2003 وتبناها تنظيم القاعدة المغربي تلقى تدريباته في سوريا،كما شهد عام 2004 مشاركة عدد من التلاميذ الأجانب المسجلين بالمدارس الإسلامية بسوريا في تفجيرات إرهابية بإسرائيل وتركيا. كما تشير تقارير إلى صلة المخابرات السورية بتنظيم فتح الإسلام التابع للقاعدة والذي ظهر في مخيم نهر البارد بلبنان.

ازدواجية النظام

تنتهي الدراسة إلى القول إن النظام السوري يعاني من الازدواجية والتناقض بين الصورة التي يحاول أن يظهر بها النظام وهى محاربته للإرهاب وبين الصورة الواقعية من حيث أنه نظام يدعم المتطرفين بل وتساعد بعض الجهات الدولية سوريا في ذلك (صورتها كمعادية للإرهاب) ومن هذه الجهات منظمة العفو الدولية التي تنتقد في تقاريرها المختلفة تعامل السلطات السورية مع الإسلاميين والتعسف في الاعتقالات.

ولكن اليوم فإن النظام السوري يحاول الحصول على مزيد من الشرعية والنفوذ في المنطقة، من خلال دعم الإسلاميين وإطلاق شعارات إسلامية وانتهاج النهج ذاته الذي اتبعته المملكة السعودية سابقًا وهو تصدير التطرف الإسلامي دون أن تعي أن هذا سينقلب ضدها ولذا فإن الرئيس الأسد لم يعٍ الدرس جيدًا فقد يأتي اليوم الذي يعود الإسلام المتطرف إلى داخل الأراضي السورية ذاتها.

ومن هذا المنطلق ينبغي على الرئيس أوباما إعادة النظر في استراتيجيته تجاه الرئيس الأسد ومحاولة جعله شريكًا في عملية السلام لأن الواقع خلاف ذلك ويتطلب تغييرًا جذريًّا في سلوك النظام السوري الذي يعادي المصالح الأميركية في المدى القصير وسيؤثر سلبًا على الاستقرار السوري في المدى البعيد.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف