الأوروبيون يتقاذفون كرة التحذير من "هجمات إرهابيّة"

تعيش أوروبا حالة من تضارب المواقف والإرتباك في أعقاب موجة التحذيرات من خطر وقوع هجمات إرهابيّة، فبينما أطلقت فرنسا تحذيراً لمواطنيها من السفر إلى لندن، قائلة إن الأجهزة البريطانية تعتقد أن إعتداءات على وشك الحدوث، اعتبرت ألمانيا من جانبها أن "التهويل" حول هذا الموضوع يخدم مصالح "الإرهابيين"، وقالت برلين إن الحديث العلني بشكل زائد عن المخاطر، ربما يذكي مشاعر الخوف.

برلين، وكالات: بعد يومين فقط من تحذير أطلقته بريطانيا لسكانها تدعوهم إلى الحذر من السفر إلى فرنسا وألمانيا، أصدرت السلطات الفرنسية، الأربعاء، تحذيرا لمواطنيها من السفر إلى المملكة المتحدة، قائلة إن الأجهزة البريطانية تعتقد أن "هجمات إرهابية،" على وشك الحدوث. ويوم الثلاثاء أعلنت الشرطة الفرنسية أنها ألقت القبض على 12 شخصاً للاشتباه في ضلوعهم في نشاطات وشبكات توصف بأنها "إرهابية" وذلك بعد عمليات دهم جرت جنوبي البلاد.

ألمانيا كان لها موقف آخر اليوم، حيث اعتبرت أن تهويل موضوع الإعتداءات لا يخدم إلا مصالح الإرهابيين. أما روما فقد جاء موقفها، موازياً إلى حد ما، لنظيرتها ألمانيا، حيث أعلنت على لسان وزير داخليتها، روربرتو ماروني، أن ايطاليا لا ترى أي مؤشر او هدف محدد لاعتداءات قد تستهدفها الا ان التهديد يبقى "مرتفعا".

وفي اعقاب هذا التضارب، تدخل الاتحاد الأوروبي اليوم الاربعاء لإسعاف الموقف وإزالة التضارب، مؤكداً من جانبه أن التهديدات حقيقية، وقال منسق عمليات مكافحة الإرهاب في الاتحاد، جيل دو كيرشوف إن خطر وقوع عمليات إرهابية في اوروبا "حقيقي".

واضاف في حديث متلفز "أن الخطر حقيقي. اعتقد ان المسؤولين لن يسببوا حالة من الهلع بين السكان اذا لم يكن هناك عناصر ملموسة تشير الى ذلك"، معتبرا ان واشنطن ولندن وباريس وطوكيو وستوكهولم وجهت تحذيرات من خطر وقوع اعتداءات في اوروبا.

وتابع "يندرج ذلك في اطار عام لتهديد لم يتراجع في الاونة الاخيرة". واوضح "نعلم ان هناك دائما نية وخصوصا لدى القاعدة لارتكاب اعتداءات على نطاق واسع، وخصوصا ان الضغوط تزداد على القاعدة بين افغانستان وباكستان بسبب غارات الطائرات من دون طيار والعمليات الخاصة الاميركية".

موقف ألمانيا "الرزين" لم يخفف التوتر

ولعل موقف المانيا من التهديدات، والذي يرى فيه الكثير من المراقبين، رزانة عالية في التعامل مع هكذا تحذيرات مجهولة، لم يخفف من حالة التوتر التي يعيشها مواطنوها، ومن المعروف أن الجالية المسلمة في المانيا تتأثر سلبًا أو إيجابًا بتحذيرات المسؤولين بهذا الشأن.

وفي هذا الاطار رصدت "إيلاف" ردود بعض المسلمين حول تطمينات الوزير الالماني المواطنين من عدم المغالاة في حدوث هجوم ارهابي، ويقول احمد عارف (35 عاماً) انه في كل مرة يسمع فيها بتوخي الحذر من خطر ارهابي يصيبه ذلك بالاكتئاب ولا يعرف كيف سيصبح عليه الحال اذا حدث مكروه في هذه البلاد، وان الاكتئاب هذا اصبح يلازمه ولا يعرف متى يعود للشعور بانه انسان عادي في تلك البلاد.

اما نجلاء مصطفي، فتقول إن كثيرين من الجالية المسلمة على وشك الاصابة بالجنون من جراء ما تحمله وسائل الاعلام اليومية من خطر الارهاب الذي يطال بصفة خاصة المسلمين، وأن الجالية الاسلامية على حد معلوماتها تكافح يوميا من اجل نفقات العيش ليس اكثر ولا اقل.

وحول هذا التضارب الواضح في المواقف من خطر إرهاب قادم لا يعرف متى، ولا اين، يقول الخبير الالماني في الشؤون الاسلامية جيرد روديجر من زار بروكر إن "الامر سيبقى دائما هكذا، انه خوف من مجهول لا يعرف تحديدا شكلا له".

ويستطرد قائلا: "واقع الحال يقول انه لايوجد موقف حاسم تجاه الاسلام ولا المسلمين في المانيا لهذا السبب لا يوجد موقف واضح في اتهام المسلمين بشيء ذي معني، وانما تبقى الامور على ما هي عليه مجرد تخوفات من الاسلام رغم ان من يعرف الاسلام يعرف ان العقاب والثواب من الله وحده. ومن جهة اخرى طالب جيرد روديجر ان يكون الاسلام مقبولا وجزءا من تلك الامة.

برج إيفل ومحطة برلين المركزية على "اللائحة"

يذكر أنّ شبكة "فوكس نيوز" أفادت نقلا عن مسؤولين أنّ برج ايفل في باريس أو محطة برلين المركزية واردان بين مواقع أخرى تسجل نسبة ارتياد كبرى في اوروبا، على لائحة أهداف اعتداءات محتملة حصلت عليها أجهزة الاستخبارات الغربية.

ونقلت الشبكة الاميركية عن مسؤول غربي كبير في الاستخبارات ان هذه اللائحة قد يكون نقلها "مواطن الماني- باكستاني تم استجوابه في قاعدة باغرام" العسكرية الاميركية في افغانستان. واضافت فوكس نيوز ان هذه المعلومات اكدها مسؤول كبير اخر في الاستخبارات. وعلى هذه اللائحة ايضا بحسب فوكس نيوز، فندق ادلون الفخم قرب بوابة براندبرغ في برلين وبرج التلفزيون في الكسندربلاتز في العاصمة الالمانية ايضا وكذلك كاتدرائية السيدة العذراء (نوتردام) في باريس.

شرارة التحذير انطلقت من الولايات المتحدة

وكانت واشنطن أطلقت الاحد الماضي تحذيراً من عمل إرهابي في أوروبا، وهو ما أثار دهشة في منطقة تفضل أن تسمح بتبلور عمليات التخطيط لمؤامرات حتى تجمع ادلة يمكن تقديمها للمحكمة.

وعلق رئيس فريق مراقبة انشطة تنظيم القاعدة وطالبان في الامم المتحدة ريتشارد باريت على التحذير الأميركي انه لا يوجد "شيء ملموس" في التهديدات بحصول اعتداءات في اوروبا، مستدركاً في الوقت ذاته: "ينبغي التزام الحذر" لان المبالغة في رد الفعل قد تخدم القاعدة.

وقال باريت لوكالة الأنباء الفرنسية إن الشبكات الجهادية وتلك التي أنشأها اسامة بن لادن خصوصا "تحاول منذ زمن طويل اعداد سلسلة هجمات متزامنة في اوروبا". واضاف "لكن هذه المرة لا يوجد شيء ملموس على حد علمنا".

واضاف باريت، وهو رئيس سابق لمكافحة الارهاب في اجهزة الاستخبارات الخارجية البريطانية (ام آي 6)، ان مخططات الاعتداءات التي وضعت اوروبا في حالة استنفار "هي على مستوى نقاشات اولية وليست على مستوى تخطيطات عملانية".

الهجمات ضد أوروبيين في اليمن تزيد الشكوك

وجاءت الهجمات التي استهدفت الأوروبيين في اليمن صباح اليوم الأربعاء لتزيد من تشابك المشهد وتعقيداته في أوروبا، وتثير المخاوف من هجمات تنفذها منظمات إرهابية على صلة بتنظيم القاعدة. فقد اعلنت وزارة الخارجية الفرنسية اليوم ان فرنسيا لقي حتفه في حادث اطلاق النار داخل مجمع شركة (أو.ام.في) النمساوية للنفط والغاز في اليمن.

كما قالت وزارة الخارجية البريطانية ان صاروخا أطلق على سيارة دبلوماسية تقل نائب رئيس البعثة البريطانية في العاصمة اليمنية صنعاء. وأصيب أحد العاملين في السفارة بجروح طفيفة. وتم رفع مستوى الخطر داخل بريطانيا الى "حاد" يوم 22 يناير كانون الثاني/ يناير من العام الجاري. وقالت متحدثة باسم قيادة مكافحة الارهاب في لندن "عندما يقول الفرنسيون ان أي هجوم مرجح للغاية فانه قول صحيح لان هذا هو مستوى الخطر عندنا."

تعزيز الإجراءات الأمنية أوروبياً

وفي بلغاريا قالت وزارة الداخلية ان الشرطة دهمت مكاتب ومنازل تابعة لفرع غير مسجل من مؤسسة إسلامية تعرف بالوقف الاسلامي في عملية مشتركة مع جهاز الادعاء وجهاز الامن القومي. وعثرت الشرطة على مواد دعاية تحرض على الكراهية الدينية وصادرت وثائق تثبت أن تمويل هذا الفرع غير مشروع.

وفي وقت سابق من الأسبوع الجاري، أعلنت وزارة الداخلية في إسبانيا، اعتقال أميركي، من أصول جزائرية، بشبهة الارتباط بالإرهاب الدولي، في مدينة برشلونة.

وفي براغ اعلن نائب وزير الداخلية التشيكي ميكال موروز الاحد ان تشيكيا عززت إجراءاتها الامنية الوقائية اثر التحذير الاميركي، مشيرا الى ان الاجراءات اتخذت خصوصا في مطار براغ-روزين الدولي.

وفي جنيف اعلنت "وزارة الخارجية الفدرالية انها تتابع بانتباه تطور الوضع".

من ناحيتها اعتبرت وزارة الداخلية النمسوية ان التهديد الارهابي لم يتغير مقارنة بما كان عليه في الاسابيع والاشهر السابقة، مشيرة الى ان الاجهزة الامنية على جهوزيتها ولكنها لم تتبلغ اي معلومة بشأن اي مخطط يستهدف شن اعتداءات ضد فنادق او معالم سياحية، كما اعلن بيتر غريدلينغ رئيس جهاز حماية الدستور ومكافحة الارهاب.